القضاة المضربون: على أصحاب القرار ألا يراهنوا على التزام الصمت بعد الآن

20 : 01

أعلن قضاة لبنان الذين أعلنوا الإضراب عن العمل أنه "باتت مواجهة ‏الحاضر غير عصية أبداً وأمسَى طريق المستقبل واضح المعالم".‏


وتابعوا في بيان: "منذ الاستقلال، لم ينجح المشترع في سنّ قانون ‏يكرس استقلالية السلطة القضائية فعلاً وواقعاً ويحقق مبدأي الفصل ‏بين السلطات والتوازن في ما بينها بالرغم من حاجة المجتمع الماسة ‏الى مثل هذا القانون الذي يوفر للمواطن الضمانات اللازمة للعيش في ‏كنف دولة تستأهل الانتماء، وفي الماضي القريب، دقَّ القضاة ناقوس ‏الخطر في العديد من المرات محذِّرين من أن ظروف العمل قد لامست ‏خط التعذر من دون أن يلقوا آذاناً صاغيةً من السلطة التي تعمَّدت ‏التجاهل في التعاطي مع مطالب القضاة المحقة، وذلك مرده إلى عددٍ ‏من الأسباب أهمها: الرغبة المتعطشة لتقويض القضاء وإخضاعه ‏وإذلاله على الدوام، وعدم وجود إرادة حقيقية لقيام قضاء قادر غير ‏عاجز".‏


وسألوا: "وبالفعل، فقد بلغ السيل الزبى وأمسى التوقف النهائي عن ‏العمل خياراً لا بد منه ومناصاً يتعذر اجتنابه، وانطلاقاً مما تقدَّم، ‏يتوجه قضاة لبنان إلى الرأي العام بهذا البيان ليس من باب التبرير أو ‏طلباً للتعاطف، بل من أجل وضع الأمور في نصابها الصحيح تحقيقاً ‏للمصلحة العامة وحفاظاً على ما تبقى من أشلاء دولة وحطام ‏مؤسًّسات، إن حملات التضليل مستمرة وفبركات بعض وسائل الإعلام ‏ومواقع التواصل الاجتماعي ممنهجة، وهي تهدف إلى ضرب هيبة ‏القضاء والنيل من كرامة القضاة. فالحديث عن وعود وهندسات مالية ‏ورشى عارٍ من الصحة، جملةً وتفصيلاً، وإلا فلماذا التوقف عن ‏العمل؟".‏


أضافوا: "هنا، لا بد من الإشارة إلى أن راتب القاضي الأصيل الذي ‏أمضى في الخدمة ما يقارب الأربعين عاماً لا يتجاوز الثمانية ملايين ‏ليرة لبنانية، خلافاً لما يُشاع من أخبار ملفَّقة تمسُّ السُّلطة القضائية في ‏الصميم، وإلى الشعب المقهور نعلن: أنهم نجحوا في تقسيمكم إلى ‏قطاعات ومِلل: قطاع عام وقطاع خاص، موظفون ومتعاقدون، ‏مدنيون وعسكريون، عاملون ومتقاعدون، وكل ذلك في سبيل إلهائكم ‏في مصالح وزواريب ضيِّقة وتشتيت انتباهكم عن القضية الأساس ‏ونعني بها دولة الحق والقانون، التي لا قيامة لها إلا بسُلطة قضائية ‏مستقلة وفاعلة".‏


وأردفوا: "من هنا لا بُدَّ من النهوض، فقد آن الأوان للوعي والاستفاقة، ‏وحان وقت السعي والمثابرة، ولا بد من قول لا، لا لشريعة الغاب بعد ‏اليوم، لا للتحريض والتقسيم بين أطياف المجتمع، لا للعمل بالسُّخرة ‏لأي كان، لا لإرضائنا بفُتات من هنا أو هناك، وهم بأموالنا يتنعمون ‏وفي السخاء يسرفون! فمعركتنا ليست معكم، ومعركتكم ليست معنا ‏أيضاً، فإما أن ننهض بالوطن معاً أو نغرق وإياه في بحور مظلمة، ‏وبالمقابل، إلى أصحاب القرار نتوجه برسالة واضحة وليس بمطالب ‏أو أمنيات: أنتم المسؤولون، فلتجدوا حلولاً من دون حجج أو تبريرات، ‏وموجب التعويض يقع على عاتقكم وحدكم فلا تلبسوه لشعب بأكمله، ‏ولا تحملوا الفشل للأكثرية الساحقة من القضاة الشرفاء ولا تراهنوا ‏على موجب التحفظ والتزام الصمت بعد الآن، إنها فرصتكم الأخيرة ‏للإصلاح وإنقاذ الوطن من الهلاك، فماذا أنتم فاعلون؟، وبتعبير بسيط ‏نقول: نحن القضاة لم يعد بمقدورنا الوصول إلى المحاكم المظلمة ‏الموحشة كي نقوم بعملنا، فالحكم بالعدل يتطلب صفاءً ذهنيّاً ومعنويّاً ‏أمعنتم في إفقادنا إياه".‏


وختموا البيان: "ليسَ لنا أن نَستجدي وليس لغيرِنا أن يُجبرنا على مَا لا ‏طاقة لنا به، تُجرِّدونَ القاضي من كل شيء وتطلبون منه كل شيء ‏وتحملونه مسؤولية كل شيء، ليس واجبنا أن نرشدكم الى كيفية إنقاذ ‏السلطة القضائية، بل واجبكم انتم، عسى أن تجدوا السبيل لإنقاذ ما ‏يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، وإلا فعلى الوطن السلام".‏ 

MISS 3