مسيرات حِداد والبابا "يُصلّي للقتلى والجرحى"

العراق يدخل مرحلة "التكليف والتأليف"

02 : 00

الثوّار يُشيّعون طالباً في "ساحة التحرير" في بغداد أمس وتبدو جدارية تنتقد غياب الأمم المتحدة عن حمّام الدم العراقي

بعد نحو شهرَيْن من اندلاع شرارة "الثورة العراقيّة" التي تُطالب باسقاط النظام السياسي المدعوم من الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، والتي دفع الثوار ضريبتها حتى الساعة أكثر من 500 شهيد فضلاً عن إصابة واعتقال الآلاف، وافق مجلس النوّاب العراقي أمس على استقالة حكومة عادل عبد المهدي خلال دقائق، في وقت شارك فيه آلاف الثوّار العراقيين بمسيرات حداد وطنيّة على أرواح شهدائهم في محافظات عدّة من البلاد.

وأعلن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي أنّه سيُخاطب رئيس الجمهوريّة برهم صالح لتكليف رئيس جديد لتأليف الحكومة، فيما أوضح النائب العراقي سركوت شمس الدين أن أي تصويت لم يحصل في البرلمان، مضيفاً: "طلب رئيس البرلمان ما إذا كان أحد من النوّاب يعترض على استقالة رئيس الوزراء، فلم يعترض أحد". وتأتي موافقة النوّاب بعد يومَيْن من إعلان عبد المهدي عزمه على تقديم استقالته، في أعقاب طلب المرجعيّة الدينيّة الشيعيّة الأعلى في البلاد من البرلمان سحب الثقة من الحكومة.

وفي السياق، أعلن تحالف "سائرون" التابع للتيّار الصدري الذي يتزعّمه رجل الدين الشيعي مقتضى الصدر، عدم تقديمه مرشّحاً لرئاسة الحكومة. وكشف النائب عن كتلة "سائرون" النيابيّة رياض المسعودي، أربعة شروط وضعها التحالف أمام من يعتزم الترشّح لرئاسة الوزراء، وهي "أن يكون مستقلاً سياسيّاً، وقويّاً قادراً على فرض هيبة الدولة، ومهنيّاً، ووطنيّاً لا يخضع لأجندات خارجيّة"، بينما بدأ الكثير من الثوّار يطرحون اسم القائد السابق لجهاز مكافحة الإرهاب الفريق عبد الوهاب الساعدي، لرئاسة الحكومة، وهو الذي خرجت تظاهرات داعمة له عندما أزاحه عبد المهدي من منصبه.

وعلى صعيد متّصل، أصدرت محكمة عراقيّة حكماً هو الأوّل بحق ضابط في الشرطة دين بقتل متظاهرين في مدينة الكوت جنوب بغداد. وأفاد مصدر قضائي لوكالة "فرانس برس" بأنّ المحكمة الجنائيّة أمرت بإعدام رائد في الشرطة شنقاً، بينما قضت بسجن آخر برتبة مقدّم سبع سنوات، بعد دعوى مقدّمة من عائلتي قتيلَيْن من أصل سبعة سقطوا بالرصاص الحي في الثاني من تشرين الثاني في الكوت، عاصمة محافظة واسط. كما أصدر القضاء العراقي مذكّرة قبض ومنع من السفر بحق رئيس خليّة الأزمة السابق في ذي قار الفريق جميل الشمري، على خلفيّة اتهامات له بالمسؤوليّة عن مقتل المتظاهرين في الناصريّة. وقبل ساعات من انعقاد جلسة البرلمان، قُتِلَ متظاهر آخر بالرصاص في وسط بغداد.

وبالرغم من تواصل الثورة الشعبيّة منذ شهرَيْن في بغداد ومدن جنوبيّة شيعيّة عدّة، لم تشهد المناطق ذات الغالبيّة السنيّة حراكاً شعبيّاً في هذا الاطار، لكن مسيرات الحداد أمس شاركت فيها مدن ذات غالبيّة سنيّة، بينها الموصل، في شمال البلاد، إذ خرج مئات الطلاب صباح أمس يرتدون ملابس سوداء في تظاهرة حداد داخل حرم جامعة الموصل. وفي محافظة صلاح الدين، ذات الغالبيّة السنيّة أيضاً في شمال بغداد، لم تخرج تظاهرات فيها خلال الأسابيع الماضية، لكن حكومتها المحلّية أعلنت الحداد لمدّة ثلاثة أيّام على أرواح ضحايا الجنوب. وعلى الصعيد نفسه، أعلنت ثماني محافظات جنوبيّة، ذات غالبيّة شيعيّة، الحداد وتوقّف العمل في الدوائر الحكوميّة الأحد.

وفي هذه الأثناء، واصل الثوّار التظاهر في كلّ المدن الجنوبيّة، معتبرين أن استقالة رئيس الوزراء لا تُمثل رحيلاً كاملاً للنظام السياسي الفاسد والفاشل الذي تُسيطر عليه إيران، في حين عادت النيران لتُطاول قنصليّة الأخيرة في النجف للمرّة الثانية مساء أمس، من جرّاء الإطارات التي أشعلها المحتجّون، بينما تمكّنت قوّات الإطفاء من إخماد النيران لاحقاً. كذلك حاول الثوّار اقتحام مبنى مجلس محافظة كربلاء مساءً لتردّ قوّات الأمن بإطلاق الغاز المسيّل للدموع وقنابل الصوت. وكان المحتجّون قد قطعوا عدداً من الطرق الرئيسيّة والتجاريّة وسط كربلاء، من بينها طرق الضريبة وحي البلديّة والجاير والسناتر ومجسر الضريبة.

وبالرغم من القمع تواصلت التظاهرات في الناصريّة، عاصمة محافظة ذي قار المعروفة بتقاليدها العشائريّة. وتدخّلت العشائر، بعد إقالة القائد العسكري الذي أُرسل من بغداد للسيطرة على التظاهرات، لدعم قوّات الأمن منعاً لوقوع فوضى، فساعدت في تأمين تجمّع المحتجّين وسط المدينة.

وكان لافتاً بالأمس موقف للحبر الأعظم البابا فرنسيس أثناء صلاة التبشير الملائكي، أعلن فيه أنّه يُتابع "بقلق" الوضع في العراق، داعياً إلى إرساء "السلام والوفاق". وقال: "لقد تلقيت بألم خبر تعرّض التظاهرات في الأيّام الأخيرة لردّ قاس أسفر عن عشرات الضحايا"، مؤكّداً أنّه يُصلّي "من أجل القتلى والجرحى"، كما أبدى تعاطفه مع عائلات الضحايا والشعب العراقي كلّه.


MISS 3