عمرو صلاح

"روس آتوم": ذراع بوتين النووية في الشرق الأوسط

20 آب 2022

المصدر: The National Interest

02 : 00

علي أكبر صالحي من منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وسيرجي كيرينكو، من روس آتوم
بعد ثلاثة أشهر على إطلاق غزو شامل ضد أوكرانيا، اجتمع فلاديمير بوتين مع أليكسي ليكاتشيف، مدير عام شركة "روس آتوم" الروسية النووية المملوكة للدولة. خلال ذلك الاجتماع، سأله بوتين المهتم بعائدات الشركة الخارجية: "هل زاد عدد الطلبات الأجنبية"؟ فأجابه ليكاتشيف: "نعم، يتابع هذا العدد التصاعد سنوياً وسنحاول، سيّدي الرئيس، أن نُحقق دخلاً بقيمة تريليون ونصف روبل هذه السنة. لكنه الجزء العلني من الدخل (يتعلق بالمنتجات والبرامج المعلنة)، ما يعني أن المجموع سيكون أعلى من ذلك... في الوقت نفسه، بدأت استثماراتنا تتصاعد بوتيرة متزايدة. وأتمنى أن تتجاوز استثمارات الشركة عتبة 400 مليار روبل في نهاية السنة".

تُعتبر شركة "روس آتوم" مصدراً مهماً للدخل في موسكو. إنها واحدة من أبرز موردي المفاعلات النووية في العالم، وهي مسؤولة عن قطاع الطاقة النووية الروسي، وفرع الأسلحة النووية، وأسطول كاسحات الجليد العاملة بالطاقة النووية، ومؤسسات الأبحاث النووية. الأهم من ذلك هو أنها تعكس قدرة بوتين على تطوير الإمكانات النووية والحفاظ عليها في عدد من دول العالم. تدير هذه المؤسسة أكثر من 300 شركة ومنظمة تُعنى بجميع مراحل إنتاج الأسلحة أو الطاقة النووية.

تخضع الشركة لسيطرة الرئيس الروسي بالكامل، فهو الذي يُحدد أهدافها الاستراتيجية ويعيّن مديرها وأعضاء مجلسها الإشرافي. بالإضافة إلى إمدادات الأسلحة التقليدية، والمرتزقة، والقاعدة العسكرية في الشرق الأوسط، يستعمل بوتين "روس آتوم" لتوسيع النفوذ الروسي في المنطقة. تضطلع الشركة بدور أساسي لتوثيق العلاقات مع القوى الإقليمية، وهي تملك اليوم مقراً إقليمياً في دبي، وتُخطط لفتح فرع آخر في المملكة العربية السعودية.

رغم العقوبات الغربية على الصادرات الروسية، تحاول "روس آتوم" حتى الآن زيادة عدد عملائها الإقليميين. حين أعلن الرئيس جو بايدن حظراً أميركياً لواردات النفط والغاز والفحم الروسية في شهر آذار، لم يأتِ على ذكر "روس آتوم". يمكن نَسْب هذا الاستثناء إلى اتكال الأميركيين وحلفائهم الغربيين على اليورانيوم الروسي الذي شكّل حتى 14% من مشتريات اليورانيوم الأميركية في العام 2021، و20% من واردات اليورانيوم في الاتحاد الأوروبي في العام 2020. قد تتفاقم أزمة الطاقة العالمية إذاً عند معاقبة "روس آتوم" بعد وقف صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا. هذا الوضع يمنح الشركة بعض الامتيازات ويعطيها حرية التصرف في الشرق الأوسط.

بعد إيران، تكشف الخطط النووية الخاصة بمصر، والأردن، والسعودية، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة، طموحات متزايدة الى تحقيق نمو اقتصادي لرفع الطلب على الكهرباء والمياه المُحلاة. تتماشى هذه الخطط أيضاً مع رغبة تلك البلدان في الاكتفاء ذاتياً في قطاع الطاقة، وتخفيف وارداتها، وتنويع مصادر طاقتها، وزيادة صادراتها. كذلك، تسود في العالم الإسلامي قناعة مفادها أن امتلاك تكنولوجيا نووية قد يزيد امتيازات الدولة وقوتها على الساحة العالمية. طوال عقود، أُعيق الحلم بامتلاك تكنولوجيا نووية بسبب خطابات عن المؤامرات الغربية والإسرائيلية التي تهدف إلى حرمان العرب والمسلمين من التقنيات النووية. لكنّ المشاريع النووية في الشرق الأوسط اليوم لا تتماشى مع حاجات الشعب فحسب، بل إنها تخدم مصالح الحكام العرب المستبدين وتساعدهم على ترسيخ شرعيتهم. في الأماكن غير الديمقراطية، يمكن التعويض عن غياب الشرعية الانتخابية عبر توزيع المال، أو إطلاق مشاريع وطنية ضخمة، أو استعمال الحملات الدعائية لتسويق إنجازات الأنظمة محلياً. تستطيع "روس آتوم" أن تشارك في تلبية تلك الحاجات والمصالح.

منذ أحداث الربيع العربي في العام 2011، سعت روسيا إلى ترسيخ مكانتها في المنطقة، فاستفادت من الصراعات الإقليمية، والفراغ السياسي الذي خلّفه الانسحاب الأميركي، والتوتر المتزايد بين بعض الأنظمة العربية ومختلف الإدارات الأميركية بسبب الاتفاق النووي الإيراني. سرعان ما بدت إعادة التقرّب من روسيا فرصة كي تُعدّل الأنظمة العربية علاقاتها مع الولايات المتحدة. قد يسمح تعزيز العلاقات مع بوتين للحكومات العربية بالضغط على واشنطن عند الحاجة. كذلك، رسّخ بوتين مكانته كحليف جدير بالثقة عبر تجديد استقرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد وضمان إفلاته من العقاب رغم الضغوط الدولية. لكن كانت روسيا قد نجحت في تحدّي الغرب قبل الانتفاضات العربية، فأثبتت قدرتها على تلبية طموحات إيران الثورية باكتساب سلاح نووي.

في العام 2005، وقّعت إيران و"روس آتوم" على اتفاق تعاون ساهمت روسيا بموجبه في تطوير "مفاعل بوشهر". دعت الولايات المتحدة موسكو إلى إنهاء ذلك المشروع لأنه قد يُسهّل نشوء برنامج إيران النووي، لكن أعلن المسؤولون الأميركيون في العام 2002 أن واشنطن قد تتخلى عن اعتراضها إذا اتخذت روسيا الخطوات اللازمة لتقليص المخاطر النووية التي يحملها المشروع. مجدداً، وقّعت "روس آتوم"، رغم الضغوط الغربية، على عقد مع إيران، في تشرين الثاني 2014، لبناء مفاعلَين نوويَين آخرَين في "بوشهر". بدأ بناء المشروع في أيلول 2016 ومن المتوقع أن ينتهي خلال عشر سنوات. لكن لا يقتصر طموح بوتين على نظام إيران الراديكالي، بل إنه يشمل أيضاً لاعبين إقليميين معتدلين، بما في ذلك مصر، والسعودية، والإمارات، والمغرب، والأردن.

في العام 2015، وقّعت "روس آتوم" اتفاقيات مع دول عربية عدة، منها اتفاق مع السعودية لبناء مفاعلات صغيرة ومتوسطة، واتفاقاً آخر مع الأردن لكنه أُلغِي بعد ثلاث سنوات. مع ذلك، لم تستسلم الشركة في أي لحظة، وهي تأمل في إعادة إحياء اقتراح مع الأردن لاستعمال مفاعلات معيارية صغيرة في مرحلة مستقبلية معينة. في نهاية المطاف، حصدت مصر وتركيا مكاسب كبرى نتيجة تركيز "روس آتوم" على الدول التي كانت جزءاً من المحور الأميركي. يؤدي هذان البلدان دوراً مؤثراً في السياسة الإقليمية بفضل موقعهما الجغرافي، وتركيبتهما السكانية، وتأثيرهما الثقافي. في العام 2015، وقّعت "روس آتوم" اتفاقاً مع مصر لبناء محطة للطاقة النووية فيها، بالقرب من منطقة الضبعة، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، استناداً إلى قرض روسي بقيمة 25 مليار دولار.

يؤكد ارتفاع الكلفة على مصر، التي تجد صعوبة في تسديد ديونها الخارجية أصلاً، على حاجة الحكومة المصرية إلى تحسين مكانتها السياسية محلياً، وعدم الاكتفاء بعلاقاتها مع واشنطن التي تنتقد مصر منذ العام 2013 بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان. بعد زيارة بايدن للسعودية في شهر تموز، سافر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى القاهرة لجمع الدعم لبلده. وبعد مرور بضعة أيام، أعلنت مصر أن "روس آتوم" بدأت تبني أول مفاعل نووي مصري لأغراض سلمية، واعتبرته "أكبر مشروع في التعاون الروسي المصري" منذ الخمسينات.

في تركيا أيضاً، يستمر بناء ما تعتبره "روس آتوم" "أكبر مشروع في تاريخ العلاقات الروسية التركية". يعود هذا المشروع إلى العام 2010، حين أبرمت تركيا عقداً بقيمة 20 مليار دولار مع "روس آتوم" لبناء محطة للطاقة النووية فيها أربع وحدات طاقة. وفي كانون الأول 2010، نشأت شركة "أكويو" النووية المساهِمة في أنقرة لتنفيذ المشروع. تبلغ حصة "روس آتوم" في هذه الشركة حوالى 75%. بعد مرور أربع سنوات، بدأ المحللون في واشنطن يتناقشون حول مساعي تركيا لامتلاك أسلحة نووية. تزامن هذا السؤال مع سلسلة من التدخلات التركية خارج حدودها (في سوريا، والعراق، وليبيا)، فضلاً عن نشوء نزاعات مع قوى إقليمية أخرى وخلافات مع الولايات المتحدة حول مواضيع متنوعة، بما في ذلك أكراد سوريا وإقدام تركيا على شراء نظام الدفاع الروسي "إس - 400" في العام 2019.

على غرار مصر، تواجه تركيا اليوم أزمة اقتصادية أيضاً. لهذا السبب، قد يسمح تقدّم برنامجها النووي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتحسين مكانته السياسية محلياً وتنويع علاقات بلده بما يتجاوز نطاق واشنطن، ما يعني التواصل مع قوى عالمية أخرى مثل روسيا. خلال هذا الشهر، أبرمت "روس آتوم" عقداً مع شركة "تي إس إم إينيرجي" لتولي عمليات البناء المتبقية في محطة الطاقة النووية التي تبنيها في منطقة "أكويو"، في جنوب تركيا، وتصل قيمتها إلى 20 مليار دولار.

في العام 2017، وقّعت المغرب أيضاً على مذكرة تفاهم مع "روس آتوم"، وفتحت هذه الاتفاقية المجال أمام تكثيف التعاون الثنائي في مجالات متنوعة، بما في ذلك تلقي المساعدة من "روس آتوم" لتطوير بنية تحتية نووية وصيانتها، وتأمين المعدات لتلبية حاجات البرنامج النووي الوطني في المملكة. لكن كما حصل مع الأردن، لم يتبلور التعاون بين المغرب و"روس آتوم" بطريقة عملية بعد. بقي التقدم بطيئاً في الإمارات التي اتكلت على مجموعة تقودها شركة "كوريا إلكتريك" لبناء محطاتها النووية (بُنِيت اثنتان منها من أصل أربع)، مع أنها تشمل مقر "روس آتوم" الإقليمي في دبي ووقّعت على مذكرة تفاهم معها في العام 2019.

لكن تلتزم روسيا بتكثيف تعاونها مع الدول العربية في مطلق الأحوال. لا تستثني الحاجات التنموية المتشابكة مع الديناميات السياسية في هذه المنطقة المتقلبة أي دور إضافي لشركة "روس آتوم" في المشاريع النووية المستقبلية في الشرق الأوسط. على كل من يرغب في إعادة ضبط علاقاته مع الولايات المتحدة أن يعرف إذاً أن ذراع بوتين النووية لا تزال خياراً جاذباً.


MISS 3