وليد شقير

تناغم المناورات بين فيينا والترسيم

24 آب 2022

02 : 00

التدقيق بالتناغم أو التشابه بين التصريحات المتعلقة بما آلت إليه مفاوضات فيينا ومحاولات إنقاذها، وبين التصريحات في شأن التوقعات حول مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل لا يحتاج إلى كبير عناء، على رغم محاولات الفصل بينهما، أو محاولة الإيحاء من قبل «حزب الله» بأن لا علاقة بينهما لنزع التهمة عنه بأن اقتحامه هذا الملف منذ شهر حزيران الماضي لا علاقة له بعملية تبادل الضغوط مع الجانب الأميركي حول الملف الأول.

في كلتا الحالتين يبدو الأمر خاضعاً لهبة باردة وأخرى ساخنة، ولموجة من التصعيد وأخرى من التريث.

حتى المناورات بطرح الحد الأقصى وبتوقع الحد الأدنى، تتشابه وتتقاطع في كثير من المواقف وفي ربط مدى الاستعداد الأميركي للإقبال على إنجاز الاتفاق، بالانتخابات النصفية للكونغرس في تشرين الثاني المقبل. وبالموازاة يجري ربط الاستعداد الإسرائيلي لتقديم التنازلات التي وصفت بأنها «مؤلمة» بالنسبة إلى الائتلاف الحاكم في إسرائيل بالانتخابات المبكرة المقبلة للكنيست في الشهر نفسه، مثلما يتم ربط تصعيد «حزب الله»، بالانتخابات الرئاسية في لبنان، من زاوية حاجته إلى فرض مواصفاته للرئيس الجديد تشدداً أو تلييناً لتلك المواصفات.

في حالة مفاوضات فيينا يقول الأوروبيون إن الأجوبة الإيرانية على المسودة الجديدة التي اقترحها مفوض الشؤون الخارجية جوزيبي بوريل للاتفاق على إحياء اتفاقية 2015، «معقولة»، ثم يتحدث بوريل عن قرب الدعوة إلى اجتماع بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة وإيران ربما هذا «الأسبوع». لكن سرعان ما يقول الأميركيون إنه ليس هناك ما يسمح بتوقع «واضح» لإنجاز الاتفاق قريباً على رغم أن واشنطن تأخذ وقتها في الرد على الأجوبة الإيرانية. ولا يحرجهم قول العكس في اليوم التالي ويتحدثون عن تفاؤلهم... وتتوالد التسريبات حول ما وافق عليه الجانب الأميركي لجهة رفع العقوبات وصرف الأموال المحجوزة لها، وفي شأن ضمان ما تنازلت عنه طهران لا سيما في شأن مطلبها رفع «حرس الثورة» عن قائمة الإرهاب. أما طهران فتأمل جولة تفاوض مع الأميركيين قريباً، كما أشار وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان.

وفي حالة التفاوض على الترسيم كان لافتاً في البيان «التبريدي» الذي أصدره نائب رئيس البرلمان الياس بو صعب عن الاتصال مع الوسيط الأميركي آيموس هوكشتاين، أنه لا يجوز الإفراط بالتفاؤل أو التشاؤم، وفي نفي الأخير لأخبار إسرائيلية مسربة في بعض وسائل الاعلام الإسرائيلية عن إمكان توقيع الاتفاق الأسبوع المقبل، أو لتلك التي تستبعد نجاح مهمة الوسيط الأميركي قريباً وترافقها أجواء الاستعداد لـ»قتال لأيام»، كما قال وزير الدفاع بني غانتس، في حال نفذ الحزب تهديداته باستهداف حقل «كاريش». ومع ذلك غانتس نفسه قال: «لكن لا نريد ذلك». وتحدث بو صعب عن العودة إلى التواصل مع هوكشتاين بعد «أسبوع». كما أن هوكشتاين نفى ما يتسرب في وسائل إعلام لبنانية واصفاً إياها بالتكهنات... والسيد حسن نصرالله دعا إلى انتظار الرد الإسرائيلي وبدا صبوراً مع قوله إن لا قيمة للتهديدات الإسرائيلية، معتبراً أن «من انتظر أكثر من عشر سنوات ينتظر لأيام ولا توجد مشكلة ولنكن هادئين». وهو سبق أن قال في كلمته يوم الجمعة الماضي إن «العين على الوسيط الأميركي»، بمعرض انتظار ما تنقله الدولة عنه، ثم اتهامه بتضييع الوقت. ومن جهته يقوم هوكشتاين بصياغة للاتفاق المفترض لأنه فعلياً ليس اتفاقاً على الترسيم، لتعذر حصول «اتفاق» وفق القوانين الدولية، بين دولتين لا سلام بينهما بل هدنة. وهذا يعني أن الصياغة يجب أن تكون دقيقة بحيث تلزم لبنان وإسرائيل كل بنص خاص به، بما يتم التوصل إليه شفهياً بضمانة أميركية مكتوبة أصر عليها لبنان لتأمين حقوقه الكاملة، في عائدات حقل قانا، الذي يطلب الإسرائيليون تسميته «صيدون» لرفضهم رمزية مجزرة قانا التي أدينوا فيها على الصعيد الدولي... وهي صياغة يأخذ هوكشتاين وقته فيها، أولاً لمراعاة رفض الحزب والسلطة اللبنانية أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل، وثانياً لمواكبة فيينا مثله مثل الحزب نفسه، وثالثاً من أجل إتاحة المجال لأحزاب الائتلاف الإسرائيلي أن ترتب أوضاعها وتعالج تداعيات التنازلات التي ستقدم عليها، قبل الانتخابات.

يستخدم الأميركيون وإيران و»الحزب» عبارات متطابقة، وفي كل الأحوال متقاربة، في انتظار الأجوبة وترقب هذا الأسبوع والأسبوع المقبل، في لعبة حافة الهاوية حول النووي والترسيم، إلى درجة يمكن الحديث معها عن تلاقي واشنطن وطهران في اعتماد المناورات نفسها في المواجهة المقبلة بينهما...