تجاذبات حادّة داخل "الأطلسي" تُخيّم على قمّة عيده الـ 70

10 : 45

زعماء دول "الأطلسي" تتوسّطهم الملكة إليزابيث الثانية أمس (أ ف ب)

خيّمت الخلافات بين أعضاء في "حلف شمال الأطلسي"، لا سيّما الولايات المتّحدة وفرنسا وتركيا، على قمّة الحلف التي عُقِدَت في أوّل أيّامها أمس في العاصمة البريطانيّة لندن، ما هدّد بعرقلة الجهود لإظهار الوحدة في مواجهة خصمَيْ "الأطلسي" الأبرزَيْن، روسيا والصين.

وشنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب هجوماً لاذعاً على نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون لانتقاده استراتيجيّة الحلف بوصفه بـ"ميت دماغيّاً"، وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ قبيل القمة إنّ تعليقات ماكرون "مهينة وبغيضة جدّاً بالنسبة للدول الـ28" الأعضاء، معتبراً أن "لا أحد يحتاج الناتو أكثر من فرنسا".لكنّ ترامب خفّف من لهجته أثناء مؤتمر صحافي مشترك مع ماكرون، فيما تمسّك الأخير بتصريحاته. وقال ماكرون إنّ "العدوّ المشترك اليوم هو الجماعات الإرهابيّة، ويؤسفني القول إنّنا لا نتّفق على التعريف نفسه للإرهاب"، لافتاً إلى أن "تركيا تقاتل مَن قاتلوا معنا"، في إشارة إلى الأكراد الذين دعموا الحلفاء ضدّ تنظيم "داعش" الإرهابي، "وأحياناً تعمل مع مقاتلين على صلة بـ"داعش"، ما يُظهر الحاجة إلى تحسين التنسيق". وتابع: "فقدنا التعاون مع أنقرة في شأن الأمن والتجارة والهجرة والاتحاد الأوروبي"، متسائلاً: "كيف يُمكن أن تكون عضواً في الحلف وتعمل مع روسيا وتشتري منها أشياء؟"، في إشارة إلى شراء أنقرة نظام "اس 400" الدفاعي الروسي. ورأى ماكرون أنّه يجب أن يُطرح سؤال حول ما إذا كانت تركيا ترغب في البقاء عضواً في الناتو إذا تمسّك رئيسها بتهديده تعطيل إجراءات الدفاع في جمهوريّات البلطيق ضدّ روسيا، إذا لم تُعلن دول الحلف أن المقاتلين الأكراد "إرهابيّون".لكنّه في المقابل دعا إلى حوار استراتيجي مع روسيا "بعيداً من السذاجة من أجل الحدّ من الصراعات" معها، كما دعا إلى معاهدة جديدة حول الأسلحة النوويّة المتوسّطة المدى، خصوصاً أنّ "فرنسا وألمانيا والدول الأوروبّية الأخرى مهدَّدة بصواريخ روسيّة جديدة".

من جهته، تطرّق ترامب إلى عدد كبير من المواضيع. وأقرّ بأنّ "الوضع بالنسبة إلى النووي غير جيّد"، مضيفاً: "وضعنا حدّاً لمعاهدة الأسلحة المتوسّطة المدى لأن الطرف الآخر (روسيا) لم يكن يلتزمها، لكنّه يُريد التوصّل إلى معاهدة ونحن أيضاً". وأبدى تفاؤلاً بإمكان التوصّل إلى تسوية للنزاع بين روسيا وأوكرانيا.

ودافع ترامب عن الإيرانيين "الذين قُتِلوا فقط لأنّهم كانوا يحتجّون"، معرباً في الوقت نفسه عن استعداده لتأجيل حلّ النزاع التجاري مع الصين إلى ما بعد انتخابات 2020 الرئاسيّة. وانتقد مجدّداً "مَن لا يدفعون جيّداً" في الناتو، خصوصاً ألمانيا، علماً أنّه يحضّ الحلفاء، منذ انتخابه، على رفع موازناتهم العسكريّة لتقاسم العبء بشكل أفضل. ولفت ترامب إلى أنّه يدرس فرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة صواريخ "اس 400" الروسيّة، ملقياً اللوم على سلفه باراك أوباما في عدم بيعها نظام صواريخ أميركياً.

وكان ترامب قد استبق لقاء ماكرون بدرء الخلاف التجاري بين بلديهما، الذي تأجّج مع تهديد الولايات المتّحدة بفرض رسوم جمركيّة على منتجات فرنسيّة مهمّة كالنبيذ والجبنة وحقائب اليد، ردّاً على فرض باريس ضرائب على شركات رقميّة أميركيّة عملاقة. وقال ترامب إن "الخلاف بسيط، وثمة مجال لحلّه سريعاً". وكانت فرنسا، مدعومة من الاتحاد الأوروبي، حذّرت من ردّ "قوي" على أي رسوم جمركيّة تفرضها واشنطن على بضائعها.

وقبيل بدء اجتماع الحلف المنعقد بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيسه، عقد ماكرون والمستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لقاءً "مفيداً" مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استمرّ نحو ساعة، لكنّه لم يتوصّل إلى تبديد "كلّ الالتباسات" حيال الملف السوري، وفق ماكرون، فيما اعتبرت ميركل أن هذا اللقاء كان "جيّداً وضروريّاً"، لكنّه "ليس إلّا بداية نقاش أطول"، مشيرةً إلى أن اجتماعاً جديداً قد يُعقد في شباط.

وأوضح ماكرون أن القادة الأربعة أبدوا "إرادةً واضحة بالقول إن الأولويّة هي مكافحة داعش والإرهاب". وكشف أن هناك "تطابقاً قوياً" بينهم في شأن ملف اللاجئين في تركيا وضرورة إيجاد حلّ سياسي للنزاع السوري.

من جهته، دعا الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ إلى رصّ الصفوف بين أعضاء الحلف من أجل معالجة "التأثيرات الأمنيّة" لتصاعد الصين كقوّة عسكريّة تُهدّد أوروبا والولايات المتّحدة بصواريخها، مع التشديد على أنّه لا يرغب في جعلها عدوّاً، في وقت استغلّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القمّة المنعقدة في لندن، للإعراب عن أسفه لتوتر العلاقات بين موسكو والحلف، إذ قال إنّه بالرغم من محاولة روسيا اقتراح أجندة "بنّاءة"، إلّا أن "تعاوننا منذ 2008 توقف بشكل شبه تام". وأبدى انفتاح بلاده على إعادة التعاون مع الناتو في مجال "مقاومة الإرهاب الدولي والنزاعات المحلّية المسلّحة وخطر الانتشار المنفلت لأسلحة الدمار الشامل". كذلك انتقد بوتين الحلف الأطلسي بسبب توسّعه وتطوير بنيته التحتيّة العسكريّة في جمهوريّات سوفياتيّة سابقة تقع على حدود روسيا وتعتبرها موسكو جزءاً من منطقة نفوذها، ما "يُجبرها على رؤية الأمر كأحد التهديدات المحتملة لأمنها"، وفق ما قاله من منتجع سوتشي على البحر الأسود.

وفي وقت كان ترامب منهمكاً باجتماعاته في لندن، صوّب الكونغرس سهامه عليه بإصدار تقرير نهائي لتحقيقاته الرامية إلى عزل الرئيس الجمهوري، يُفيد بوجود أدلّة "هائلة" على استغلاله لمنصبه لغايات شخصيّة وعرقلته عمل الكونغرس. وتضمّن التقرير أنه "تبيّن لتحقيق العزل أن الرئيس ترامب سعى بشكل شخصي ومن خلال عناصر من داخل الحكومة الأميركيّة وخارجها، إلى تدخّل حكومة أجنبيّة هي أوكرانيا، للاستفادة من أجل إعادة انتخابه"، العام المقبل. وتابع التقرير أن "الرئيس وضع مصلحته الشخصيّة فوق المصالح القوميّة للولايات المتّحدة، وسعى إلى تقويض صدقيّة الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، وعرّض الأمن القومي الأميركي للخطر"، بينما رفضت المتحدّثة باسم البيت الابيض ستيفاني غريشام التقرير والتحقيق الذي أجرته لجنة الاستخبارات في مجلس النوّاب. وقالت: "في ختام عمليّة صوريّة متحيّزة، لم يُقدّم رئيس اللجنة آدم شيف والديموقراطيّون أي دليل على ارتكاب الرئيس ترامب أي مخالفة". وشبّهت التقرير بـ"هلوسات مدوّن رخيص يُحاول إثبات أمر ما من دون إبراز أي دليل".


MISS 3