خالد أبو شقرا

قطاع أهملته المنظومة... لا مكان فيه للتحاصص والزبائنية!

إقتصاد المعرفة فرصة لبنان الذهبية... الضائعة!

29 آب 2022

02 : 00

عالم التطبيقات يشمل كل مناحي الحياة

في الوقت الذي يظهر فيه لبنان وكأنه مشغول بـ»شغل اللي ما عندو شغل»، تتجه دول العالم إلى تحقيق أوسع نهضة على مستوى إقتصاد المعرفة، أو ما أصبح يعرف بـ»الثورة الصناعية الرابعة». كلمة tech، مختصر تكنولوجيا، دخلت كل ميادين الانتاج المادي والفكري، وتحولت إلى اللازمة التي تدل على الابداع، الكفاءة والربحية. فلم تعد تقتصر على الحوسبة والنشاطات المعلوماتية hightech، إنما تعدتها إلى القطاعات الزراعية «Agrytech»، والمالية «Fintech»، والصحية «Healthtech»، والتعليمية «Edutech»... وغيرها الكثير.



ربيع بعلبكي



الحصة من الناتج

حصة اقتصاد المعرفة التي لا تتعدَّى في أحسن الاحوال 3 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي اللبناني، «تبلغ حوالى 10 في المئة من الناتج العالمي الاجمالي، وتتجاوز 15 في المئة في الدول المتطورة»، بحسب رئيس «نقابة تكنولوجيا التربية في لبنان»، و»منسق قطاع التعليم والابتكار في شبكة التحول والحوكمة الرقمية»، ربيع بعلبكي. و»من المتوقع أن تتجاوز هذه النسبة 50 في المئة بعد العام 2030 نتيجة التطورات السريعة والمتلاحقة، ووضع الدول المتطورة رؤى عشرية للنهوض باقتصاد المعرفة».

أسباب تراجع لبنان

على الصعيد اللبناني لم تساعد ظروف جائحة كورونا، والحاجة الماسة إلى تطوير برامج مختلف المؤسسات والقطاعات للتواصل عن بعد لتعزيز اقتصاد المعرفة؛ فتراجع أكثر. وقد برزت 3 أسباب رئيسية معرقلة لتطوير القطاع ورفده بالامكانيات بحسب بعلبكي، وهي:

الأول، ضعف البنى التحتية اللبنانية ولا سيما في ما يتعلق بتوفر الكهرباء، وحزم الانترنت السريعة والكبيرة. الامر الذي دفع بالكثير من المبدعين اللبنانيين إلى الخروج إلى دول مجاورة لا تتطلب تأشيرة دخول، وتسهل الاقامة من أجل ممارسة أعمالهم مع الخارج، مثل تركيا.

الثاني، توقف تمويل مشاريع رواد الاعمال والمبتكرين بقروض ميسرة ومدعومة نتيجة الوضع المصرفي.

الثالث عدم القدرة على إحصاء أعداد الذين يعملون في القطاع المعرفي نتيجة غياب البنية التنظيمية، وعدم تصريحهم عن أعمالهم. خصوصاً إن كانوا يعملون مع الخارج عن بعد remotely. ما يساعد على ذلك عدم توفر مركز وطني للبيانات national data center يقدم معلومات أكيدة عن حقيقة تطور القطاعات التكنولوجية، سواء كان بالحجم أو رقم الاعمال أو العدد وفي أي مجالات تحديداً.

يشدد ربيع بعلبكي على أن قياس اقتصاد المعرفة لا يعتد به فقط على أساس عدد إنشاء الشركات، إنما على كمّ الاختراعات والابتكارات المسجلة رسمياً في وزارة الاقتصاد وتأمين الحماية الفكرية لها. وبرأيه أن «المنظومة تخشى توسع هذا النوع من الاقتصاد لان العقول لا يمكن تقاسمها أو تقسيمها. وبالتالي لا تملك قدرة السيطرة عليها مادياً ومعنوياً».

عجز الاستفادة من الفرص

على عكس السنوات الماضية ما قبل الازمة، لا يوجد اليوم أي محفز لتطوير اقتصاد المعرفة إن كان على الصعيد المادي أو المعنوي. فالسياسة النقدية عاجزة عن تقديم الدعم المادي على غرار ما فعلت في العام 2014. ففي ذلك العام أصدر مصرف لبنان التعميم رقم 331 الذي يسمح للمصارف والمؤسسات المالية، بالمساهمة ضمن حدود 3 في المئة من أموالها الخاصة، في دعم المشاريع التكنولوجية الناشئة. وتعهد بدوره بالمساهمة بـ 400 مليون دولار، لزيادة مساهمة قطاع المعرفة في الناتج المحلي بنسبة 1 في المئة. عجزت تلك السياسة عن إحداث خرق كبير خلال السنوات اللاحقة لعدة أسباب تتعلق بصدقية التمويل من وجهة، وتعقيد الشروط من جهة أخرى، ثم تفاقمت المشكلة بشكل كبير بعد نشوب الازمة في العام 2019.



رامز القرا



في المراتب الأخيرة إقليمياً

في تموز2021 قامت شركات المنطقة بجولة استثمارات ضخمة، ضخت من خلالها في الشركات الناشئة وقطاعات الاعمال التي ترتكز على الابداع والابتكار ما يقارب 632 مليون دولار، «كانت حصة لبنان منها صفراً»، يقول خبير التحول الرقمي رامز القرا، «ليس لان لبنان لا يملك الرأسمال البشري المبدع والمؤهل، بل لان البلد غير مستقر وغير جاهز للاستثمار به في مجال التكنولوجيا ولا يمكن التعويل على دور لهذه الشركات في المستقبل». في المقابل، بدأت اسرائيل في الفترة نفسها ببرنامج استثماري وتحفيزي في اقتصاد المعرفة بقيمة 10 مليارات دولار، وقد وظفت في العام 2021 حوالى 900 مليون دولار، تشكل 10 في المئة من مجمل الاستثمار، لتطوير العديد من قطاعات التكنولوجيا والمعلوماتية وصناعة المعرفة والبحث العلمي، فكانت النتيجة اجتذاب هذه القطاعات أكثر من 25 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة في العام 2021، ووصول حجم الاستثمار في الربع الاول من العام الحالي إلى 5.6 مليارات دولار». وبرأي القرا، «هذه الاستثمارات تمثل «حقنة هرمون التكبير في العرق مباشرة»، كون الجزء الاكبر منها يذهب مباشرة إلى الخبراء والمطورين واليد العاملة الخبيرة، التي تعيد بدورها توظيف هذه المبالغ في الاقتصاد. وذلك على عكس الاستثمارات في مجال تطوير الصناعات التقليدية أو البنى التحتية والمرافق السياحية التي تذهب كمية كبيرة منها على الاصول الثابتة وتتطلب وقتاً أطول. فالصناعات المعلوماتية لا تتطلب مبانيَ هائلة وعشرات الانواع من المعدات، إنما يرتكز رأسمالها بشكل أساسي على الخبرات البشرية أولاً، ومن ثم على أجهزة الحاسوب والخوادم والكهرباء والانترنت».

لا خطة

«الفرق بين لبنان، الذي لا ينقصه شيء من المقومات البشرية، وبقية دول المنطقة، أن الاخيرة تمتلك خطة واضحة لتطوير صناعات المعرفة لديها، فيما تهمش المنظومة كل ما له علاقة بالتطور ولا تعير أي اهتمام لقطاعات الاعمال. والدليل انخفاض عدد الشركات الناشئة من 800 شركة قبل الازمة إلى 400 حالياً»، برأي القرا. «فلا يوجد أي اهتمام بحاجات هذه الشركات البالغة الاهمية في النظام الاقتصادي، وهناك عجز فاضح عن تأمين متطلباتها البسيطة مثل الانترنت والكهرباء. حيث استمرت رداءة الانترنت طوال الاعوام الأخيرة المنصرمة، مع العلم أنه كان بالامكان تأمين البدائل بسهولة من خلال الباقات الممتازة premium والتي يمكن احتسابها بالفريش دولار ولكن هذا ما لم يحصل.

تجربة مصر جيدة

لا شيء يبرر للبنان تقاعسه عن تطوير قطاعات اقتصاد المعرفة المتنوعة، فظروفه الاقتصادية العامة ليست أفضل (أو أسوأ) حالاً من ظروف مصر. بيد أن الفرق بين الدولتين، أن في بلاد النيل إدارة سليمة... وهذا ما دل عليه تحقيق قفزات كمية ونوعية في مجال التكنولوجيا الرقمية حولت مصر إلى مركز رئيسي HUB في المنطقة على هذا الصعيد. ففي جولة الاستثمارات، الآنفة الذكر، التي جرت في العام 2020، حصدت مصر منفردة 50 مليون دولار أي حوالى 35 في المئة. ومعظم الشركات مثل «فوري» وسويفل SWVL وهي الشركات التي وصلت قيمتها إلى أكثر من مليار دولار في السنوات الماضية، هي شركات أصلها مصري وتأسست في مصر. وهذا التطور لم يكن وليد الصدفة، من وجهة نظر القرا، «إنما نتيجة لوجود خطة جدية وتأسيس ما يعرف بـ ITI المعهد الوطني للتكنولوجيا. الذي يستقبل كافة الفئات العمرية سواء كانت متخصصة أم لا، ويؤهلها من خلال دورات تدريبية على مدار 9 أشهر في مجالات اقتصاد المعرفة المنوعة. ما يسمح لها بالدخول بحرفة جديدة إلى سوق العمل. وقد استثمرت مصر أيضاً في مجالي الكهرباء والانترنت، وجرى حل كل الازمات التقنية المعوقة وانشأوا المدن الذكية smart Egyptian cities ليوفروا للشركات أرضية للعمل والتطور. وهذا يدل على أن ما ينقص لبنان لتحقيق التطور في مجال اقتصاد المعرفة ليس المال ولا المؤهلات البشرية، إنما «الارادة والعمل بجد وصبر وتفان من أجل تحقيق المبتغى»، يقول القرا. «فهناك حاجة إلى إجراء الشراكة بين القطاعين العام والخاص ووضع استراتيجية للبلد في مجال التكنولوجيا واقتصاد المعرفة وتطبيقها.

مبادرات فردية

المبادرات التي تنشأ اليوم في مختلف مجالات اقتصاد المعرفة، سواء قدر لها النجاح أو لم يقدر، هي مبادرات فردية نتجت في أغلب الاحيان عن شراكات ناجحة بين الجامعات الخاصة والشركات الناشئة. وقد أسفرت عن تخريج مئات الموظفين الجاهزين لسوق العمل وحتى تأمين مدخول لهم في فترة دراستهم. والمطلوب أكثر من أي وقت مضى توسيع هذه التجربة، ووضع ما يجري في إطار مبادرات فردية من ضمن استراتيجية وطنية لتحويل لبنان إلى مركز رئيس تكنولوجيا في المنطقة.

حاضنات الأعمال

تلعب حاضنات الاعمال «Business incubators» دوراً مهماً جداً في رعاية وتطوير الشركات الناشئة. وفي لبنان مجموعة من هذه الحاضنات والمراكز المخصصة على غرار «منطقة بيروت الرقمية BDD التي تؤمن للشركات البنى التحتية المطلوبة، من مكاتب/ وكهرباء على مدار الساعة، وانترنت، ومواقف، وغرف اجتماعات، ومكان للتلاقي. وأيضاً تؤمن البنى الفوقية مثل الدورات التدريبة واللقاءات مع مجتمع الاعمال والمؤهلات المطلوبة.

مشروع طرابلس لم يبصر النور

أفردت المنطقة الإقتصادية الخاصة في طرابلس المقرة منذ 7 سنوات حيزاً لانشاء مدينة تكنولوجية مصغرة تحت إسم «مركز المعرفة والإبتكار». إلا أن عدم ابصار هذه المنطقة النور لغاية اليوم عطل قيام هذا المركز الذي يعتبر بالغ الاهمية، ويعطي حوافز كبيرة للشركات الأجنبية للقدوم إلى لبنان والمساعدة في تطوير اقتصاد المعرفة، سواء لناحية التوظيف أم رفده بالعملات الأجنبية.

تقوم وتقع

بحسب الاحصاءات ينشأ في لبنان سنوياً عدد كبير من الشركات الناشئة المعنية بشكل أساسي في مجالات اقتصاد المعرفة. وقد احتل لبنان خلال سنوات ما قبل الازمة المركز الثاني بعد مصر بعدد ذلك النوع من الشركات ( 40 شركة). إلا أن النجاح لا يكتب لمعظم هذه الشركات.