اختتم يومَي قمّة عكّرتها الخلافات

بيان جامع لـ"الأطلسي" يرأب صدع انقساماته

11 : 20

ترامب غادر لندن غاضباً من انتقادات طاولته

على الرغم من الخلافات التي خيّمت على قمّة "حلف شمال الأطلسي" والتي عكّرت احتفاله بعيده السبعين، نجح القادة في الاتفاق على "إعلان لندن" وتعهّدوا التضامن لمواجهة التهديدات من روسيا والإرهاب، وأقرّوا بالتحدّي الذي يُمثّله تصاعد نفوذ الصين.

ووافق الزعماء الـ29 الذين اجتمعوا على مشارف العاصمة البريطانيّة، على بيان مشترك، رغم الانقسامات في شأن الإنفاق والاستراتيجيّة، والنقاشات الحادة بين رؤساء دول عدّة.

وتضمّن البيان الختامي ليومَيْن من اللقاءات أنه "في هذه الأوقات الصعبة، نحن أقوى كحلف، وشعوبنا أكثر أماناً"، مضيفاً أنّ "رابطنا والتزامنا المتبادَل كفلا لنا حرّياتنا وقيمنا وأمننا لمدّة 70 عاماً". وهذا البيان هو الأوّل الذي يعترف بالتحدّي الاستراتيجي المتزايد الذي تُمثّله الصين، كما أكد الحاجة إلى ردّ فعل منسّق أقوى ضدّ الإرهاب. وأبقى على احتمال إقامة "علاقة بنّاءة مع روسيا عندما تجعل تصرّفاتها ذلك ممكناً"، لكنّه شدّد على التهديد الذي يُمثله نشرها صواريخ نوويّة متوسّطة المدى.

وفي إشارة إلى المخاوف الفرنسيّة والألمانيّة في شأن الاتجاه الاستراتيجي للحلف، طلب الأعضاء من الأمين العام ينس ستولتنبرغ التشاور مع الخبراء لتعزيز "البعد السياسي" للناتو.

وبالرغم من التوافق الظاهر، خيّمت المشاعر السيّئة على اليوم الثاني للقمة واستمرّت حتّى نهايتها. وبدأت مع بثّ شريط فيديو صباحاً يُظهر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس الوزراء الهولندي مارك روتي، يسخرون في حفل استقبال في قصر باكنغهام، من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بسبب مؤتمراته الصحافيّة الطويلة التي أدّت إلى تأخير اجتماعات اليوم السابق.

وأثار الأمر غضب ترامب، الذي انتقد ترودو لعدم تحقيق هدف أعضاء الناتو بإنفاق 2 في المئة من إجمالي الناتج المحلّي على الدفاع، ووصفه بأنّه "ذو وجهَيْن"، لكنّه استدرك أنّه "شخص لطيف، لكنّني انتقدته بسبب عدم دفعه نسبة 2 في المئة، وأعتقد أنّه ليس سعيداً بذلك". وعمليّاً، ردّ ترامب بإلغاء مؤتمر صحافي نهائي كان مقرّراً، ليعود مباشرةً إلى واشنطن ليُواجه عاصفة التحقيق الهادف إلى إقالته بعدما أصدر الديموقراطيّون تقريراً يدعو إلى عزله. لكنّه رغم غضبه، بدا راضياً عن نتيجة القمة، بحيث تفاخر بإقناع حلفائه الأوروبّيين بزيادة الإنفاق الدفاعي وإقناع تركيا بالتخلّي عن اعتراضاتها على اعتماد خطّة دفاع محدّثة لدول البلطيق وبولندا.

وسحبت تركيا اعتراضاتها، بعدما عقد رئيسها رجب طيب أردوغان اجتماعاً جانبيّاً غير مقرّر مع ترامب. وكان أردوغان قد هدّد بعرقلة خطّة دفاع البلطيق المحدّثة ما لم يُوافق حلفاؤه على تسمية المقاتلين الأكراد في شمال شرقي سوريا، الذين ساعدوا التحالف الدولي بقيادة واشنطن على هزيمة "داعش"، بأنّهم منظّمة "إرهابيّة".

وكانت لقاءات اليوم الأوّل انطلقت في ظلّ تبادل الانتقادات عقب التصريحات الأخيرة لماكرون، الذي اعتبر أن الحلف الأطلسي في حالة "موت دماغي"، داعياً إلى مراجعة استراتيجيّته وإعادة فتح الحوار مع روسيا، وإعادة التركيز على القتال ضدّ إرهاب "داعش". واستبعد الرئيس الفرنسي احتمال التوصّل إلى توافق مع تركيا على تعريف الإرهاب، قائلاً خلال مؤتمر صحافي: "واضح أنّنا لسنا موافقين على تصنيف وحدات حماية الشعب الكرديّة وحزب الاتحاد الديموقراطي كمجموعتين إرهابيّتين، وأعتقد أن هناك توافقاً على هذا الأمر"، مشيراً إلى نظرائه في الـ"ناتو"، عدا تركيا. كما هاجم ماكرون، أنقرة، واتهمها بالعمل مع "مقاتلين مرتبطين" بتنظيم "داعش" الإرهابي.

وفي الأسابيع الأخيرة، حاول ماكرون تغيير جدول أعمال القمة من خلال المطالبة بمراجعة استراتيجيّة الحلف. لكن ترامب ردّ بقوّة، ولم يُخفِ استياءه إزاء انتقادات نظيره الفرنسي في شأن الحلف، قائلاً إنّها "مهينة ومسيئة جدّاً"، لافتاً إلى أن "لا أحد بحاجة إلى الحلف الأطلسي أكثر من فرنسا". ورغم أن ترامب خفّف من لهجته لاحقاً، إلّا أن ماكرون تمسّك بموقفه، وقال إنّه مسرور لأنّه تمكّن من تحويل النقاش في الحلف من المال إلى الأمور الاستراتيجيّة.

وتسبّب هذا الخلاف ببداية متوترة لليوم الثاني للقمّة، التي كان يأمل الحلف في أن تكون عرضاً للوحدة "لأنجح حلف عسكري في التاريخ"، وتُظهر قدرة الغرب على الوقوف أمام تحدّيات تُمثّلها روسيا والصين.