نوال نصر

ينتقل إليها ليل الإثنين في الحادي والثلاثين من تشرين الأول

الجنرال اشتاق إلى الرابية... فهل اشتاقت الرابية إلى الجنرال؟

1 أيلول 2022

02 : 01

أهلا بكم
الى محبي الحسابات والأرقام: ستون يوماً بعد وتنتهي ولاية «فخامتو»، والى محبي التغيير: إقترب، والى الشامتين: «هانت»، والى محبي الجنرال: «عون راجع» الى الرابية. ستون يوماً و»يرجع» العماد ميشال عون من قصر بعبدا الى فيلا الرابيه. ستة أعوام - 2200 يوم - أمور كثيرة تبدلت. وأمور كثيرة ستتبدل. ميشال عون، ليل الحادي والثلاثين من تشرين الأول 2022، سيُصبح رئيساً سابقاً لجمهورية ما عاد فيها إلا الإسم!

بلدة الرابية المتنية ستعود مقرّ العماد. أصل الإسم «المرتفع»، وهي المرتفعة عن سطح البحر 193 متراً فقط، وتبعد عن بيروت 14 كيلومتراً، وعن بعبدا 18 كيلومتراً. هي بلدة نموذجية في التنظيم المدني، إستقبلت قبل 17 عاماً، في السابع من أيار 2005، ميشال عون المنفي بعبارات من نوع: “bien venue dans votre Liban” و»أهلا وسهلا بعودة الوطن الى الوطن» فما حالها اليوم؟ الرابية في 2022 ما عادت كما كانت في 2005 وشوارعها أصبحت كئيبة وكثير من فللها مهجور وشبابها غادروا ومش «راجعين».





زمان، قبل 17 عاماً، عاد ميشال عون الى ربوع الوطن، ليسكن في الرابية لا في حارة حريك حيث وُلد وحيث جذوره، ويومها سكن الفيلا التي اشتراها ألكسندر بوري، في بدايات الحرب اللبنانية، من جورج هزلداين، وسكنها فترة طويلة صهر بوري جاك صحناوي، وقدمها الى ميشال عون. الفيلا اليوم مهجورة. وشُيّدت الى جانبها على بعد أمتار، فيلا جديدة قيل أنه متنازع عليها قبل أن ينتفض مكتب الإعلام في القصر الرئاسي في العام 2021 معلناً «أن فخامته بدأ بناء منزله في العام 2014 وانتهى من ذلك في منتصف العام 2016» أي قبل انتخابه رئيساً «والأرض اشتراها بحسب الأصول».



الرابية الجميلة



حيطان التعاسة

ميشال عون راجع. والتيار الذي نزل في أغنيته «عَ الأرض والسيادة هيي حدودو هدم حيطان التعاسة وخافو منو وخافو منو ومن وجودو» سيعود الى الرابية والتعاسة أطنان والحدود مشرعة والوجود عليه ألف علامة استفهام.

يومها، قبل 17 عاما، كانت أحياء الرابية، وتحديداً الشارع 17 حيث انتقل، تستعدّ لاستقباله قبل أشهر من وصوله. تزفيت وتأهيل وأعمال تلزيم شملت شوارع محيطة مثل 12 و14 و16. يومها كان هناك بحبوحة و»زفت» الطرقات كثيراً أما اليوم، فالحياة وحدها «زفت» وما عداها، مواد تعبيد الطرقات أسعارها، مثل كل شيء، نار. يومها سُيجت «فيلا عون» في الرابية - كما عُرفت - بشادر أخضر كبير وكاميرات مراقبة ورُكز في محيطها شريط شائك، مثل تلك الأشرطة التي تفصل بين المتظاهرين اليوم، أصحاب الحقوق، وبين المتصدين لهم، وجُلبت كنبات جديدة بلون «بيج» للصالون وأجهزة كهربائية مطبخية جديدة وأسرّة وتجهيزات مكتب صغير، بالكاد كان يتسع لزوار لا يزيد عددهم عن أصابع اليد الواحدة، أما إذا زاد عددهم فكان الإجتماع يُنقل، بحسب «عونيين» قدامى، الى الصالون. «فيلا عون» (وعمرها الإنشائي اصبح اليوم 37 عاما) كانت بالكاد تبعد مسافة 250 متراً عن فيلا الياس المرّ، وقريبة جداً من فيلا سكنها الدكتور حبيب شارل مالك. وهناك فيلا أيضا قريبة جداً وعلى مدخلها ثلاثة أحرف: SHS. ويومها كانت أصداء زمامير «تراتاتا» تصدح عالياً في ارجاء تلك الشوارع الراقية. اليوم ندرت تلك الزمامير كثيراً.



وراء الحاجز في آخر الطريق فيلا الجنرال (رمزي الحاج)



الفيلا القديمة مهجورة

تمرّ الأيام سريعة. مثل البارحة غادر ميشال عون قصر بعبدا الى فرنسا. ومثل البارحة عاد. ومثل البارحة غادر الرابية الى القصر الجمهوري رئيساً. و»غمضوا عين فتحوا عين» ويعود الى الرابية، لكن الرابية ولبنان تغيرا كثيراً. حتى عديد عناصر بلدية الرابية يومها وكان 17 عنصراً تغير. وعد هؤلاء لم يعد يكفي لمنع حتى هجمات عناصر الحرس العوني القديم من الوصول الى منزل حاكم مصرف لبنان رياض سلامه.

«الرابية تُرحّب بكم». هكذا تستقبل البلدة من زمان وزمان زوارها: Welcome to Rabieh. الشوارع مرقمة. المباني مرقمة. والطقس كئيب والرطوبة عالية. نعبر في جادة شكري حنا شماس ونبدأ في عدّ أرقام الشوارع: واحد، إثنان، ثلاثة... الشارع 14، 15، 16... نتابع فنصل الى الشارع رقم 17. هنا فيلا عون السابقة. حاجز وحديد فاصل وشارع مقابل تماما تظلل أغصان الأشجار معالمه وتخفي الأغصان الكثيفة حتى رقم الشارع. ننظر أكثر، ندقق أكثر، فنقرأ عبارة تذيل آرمة رقم الشارع: فيلا الدكتور شارل مالك. هما جاران الآن. عنصر أمني وآخر مدني عند الحاجز والتعليمات واضحة: التصوير ممنوع. الدخول ممنوع. والأسئلة ممنوعة. نلتزم ونعود أدراجنا ونحن نسترق بعض النظرات صوب الفيلا القديمة التي سكنها الجنرال قبل انتقاله الى بعبدا. ثمة صورتان قديمتان كبيرتان ما زالتا شبه معلقتين على الرغم من آثار عوامل الوقت والطقس عليهما. فيلا عون (الصحناوي- بوري) مهجورة. لم يسكنها أحد بعد الجنرال. وجاك الصحناوي، بحسب احد موظفي بلدية الرابية، يسكن حاليا في فيلا أخرى في الشارع رقم 1 في الرابية ويستطرد: «الله نعم على هؤلاء بالمال الوفير... والفيلا المهجورة إذا كانت تساوي اليوم مليون دولار فسيصبح ثمنها بعد سنة مليوني دولار... «مش أحلى ما يحط مصرياتو بالبنك ويطيروا».

رفاق الجنرال كانوا كثيرين أيام زمان. وكثير من هؤلاء ما زالوا يحبونه لكنهم لا يحبون أن يقال عنهم «باسيليين» لذلك ابتعدوا كي لا يوسموا أنهم يعيشون في جلبابه. أحدهم يتحدث عن شقة كان يسكنها ميشال عون زمن أول بروزه في مؤسسة الجيش، في الرابية أيضاً، جنب محطة البنزين، «كانت عادية جداً وأقل». نسأله: قبل 17 عاماً إستقبلته بلدية الرابيه بالطبل والزمر ونشرت الأعلام اللبنانية وأعلام التيار ووفّرت الحرس لمحيط الفيلا فماذا عنها اليوم؟ يجيب: «لا يزيد عديد كل العاملين في البلدية، من رئيس البلدية عصام الشماس حتى أصغر عنصر، عن عشرين، والأجور لا تزيد عن مليوني ليرة، ويتناوب الحراس على العمل. ولا أعتقد أن بقدرة البلدية اليوم توفير حماية إستثائية لأحد».

نسير في الرابية. فلل كثيرة غطاها ورق الشجر وهجرها أهلها. ثمة فيلا يقف أمامها ثلاثة شباب، كبيرهم في الواحدة والعشرين، نسألهم عن الرابية و»الجنرال» وتراتاتا وطموحهم وأملهم بلبنان الغد؟ تصل مركبة ثانية ثم ثالثة... الشباب جميعاً أتوا ليمضوا عطلة صيفية ثم يسافرون إبتداءً من اليوم الى دول لفظهم لبنان إليها. هذا يعود الى كاليفورنيا وذاك الى باريس وثالث الى بريطانيا ورابع الى برلين... حتى ميشال عون نفسه، صديقهم الذي اسمه على اسم الجنرال، سيغادر الى دبي. ينادونه مبتسمين: «تعّ يا عون». ينادونه ليتحدث فيبتسم مردداً: «انا عون الدامور مش عون حارة حريك». يقول هؤلاء الشباب: «لا يهمنا أحداً. لا تعنينا السياسة. و»قرفنا» من وعود كل السياسيين. إنهم مثل من يعبر طريق الفوروم دو بيروت باتجاه الدوره، يرى «سحبة» ويعرف أن في آخرها ستكون زحمة سير، لكنه يأمل في كل مرة أن تكون الطرق مفتوحة وفي كل مرة يعود ويقع في الفخ». يتكلم الشباب بنبرة عالية وبلهجة الواثق أن البلاد «ما عادت لهم حتى إشعار آخر». نحاول أن نقنعهم بالعكس فتطلق سيارة أخرى وصلت للتوّ زمورها ليصعدوا في سياراتهم ويغادروا معاً الى مكان جميل ينهون فيه إجازتهم في لبنان. هؤلاء يستحقون الأفضل.



الفيلا الجديدة كما القديمة في الشارع 17



المغادرة...حتماً

الجنرال سيغادر حتماً، ليل الحادي والثلاثين من تشرين الأول، قصر بعبدا. هذا ما نقل عنه. وهو قال علناً: أشتاق الى الرابية.

بسام خضر آغا يتذكر يوم كان يزور الجنرال في الرابية ويختلف لاحقا معه: «كانت الفيلا صغيرة نوعاً ما ويوم يكون الإجتماع كبيراً كنا ننتقل الى نادٍ في الرابية أو نجتمع في أوتيل رويال». إختلف اليوم خضر آغا مع الجنرال لكنه لم ينس تلك «الخبرية» التي سمعها منه مراراً: «بأن جدته، التي عاشت مئة وثلاث سنوات، كانت تغني له: «يا بو الميش يا بو الميش قدي بدك تعيش». اليوم خضر آغا إنتقل الى ضفة بعيدة جداً عن ضفة التيار الوطني الحر لألف سبب وسبب. هو كان يزوره منذ كان في باريس، حيث سكن الجنرال طويلاً وكان يرتدي القميص والبنطال بلا ربطة عنق. وقد يعود اليوم، بعد عودته الى الرابية، الى عاداته. وقد يعود الى لقاء بعض رفاقه القدامى الذين ما زالوا على قيد الحياة. وايلي، شقيق جان عبيد، كان رفيقه منذ مدة طويلة. وقد يعودان.

ستون يوماً وتتبدل أمور كثيرة.


MISS 3