جوزيفين حبشي

الأخلاقيات الفنيّة "هي وبس عم بتطير"

5 أيلول 2022

02 : 01

في 16 آب الماضي، أطلقت النجمة‎ إليسا فيديو- كليب أغنيتها الجديدة "أنا وبس" على يوتيوب. بعد أقلّ من أسبوعين، قام ملحّن الأغنية النجم زياد برجي والشاعر أحمد ماضي بتقديمها أيضاً، فأصبح عنوانها "وبطير"، وصوّرها برجي بمشاركة الممثلة نادين الراسي. ‎هل يحق لبرجي قانونياً وأخلاقياً، تسجيل أغنية إليسا، وتصويرها وتقديمها هدية لزوجته في عيد زواجهما؟؟؟

‎هذه التساؤلات شغلت الأوساط الفنية والإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي التي ضجّت وشاركت كلّها بالمعركة المحتدمة بين النجمين.

‎ولوضع النقاط على الحروف، لا بدّ من وضع الشق العاطفي جانباً، والاقتران بالموضوعية والوثائق لتبيان الحقيقة. وبالأدلّة تبيّن أنّ الحق الذي يعلو ولا يُعلى عليه، وبالمستندات (المرفقة مع الموضوع) هو مع إليسا التي "لم تنس" أن تشتري حقوق الأغنية، و"لم تنس" أن تحصل على صكوك التنازل عنها من كلّ من ملحّنها وكاتبها، و"لم تنس" ذكر اسميهما على جنريك الكليب، ودفع ثمن توزيعها مرّتين. ولكنّها اقترفت الجرم الفظيع، عندما "نسيت" عن غير قصدٍ طبعاً ذكر اسم الشاعر في مقابلة أثناء إحيائها حفلاً في كازينو لبنان.






‎من وجهة نظر برجي وماضي، "جريمة" إليسا لا تغتفر، فردّا لها فعل التناسي المتعمّد حسب رأيهما، بنسيان ما تنصّ عليه قوانين الساسيم (جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى). العقد يقول: إليسا اشترت حقوق الأغنية وحصلت على تنازل عنها من ملحّنها وكاتبها، ولا يحق تالياً لأحد غيرها تسجيلها بصوته وتصويرها. ويحتفظ برجي وماضي بحقّ الأداء العلني لها على المسرح فقط لا غير.

‎القانون إذاً واضح وصريح، وإليسا التي تعرّضت للأذية المتعمّدة، بإمكانها وبالقانون أن تردّ الصاع صاعين، وأن توقِف بثّ الأغنية والكليب.



وثيقة التنازل التي تبرهن أحقّية إليسا بالأغنية

وثيقة التنازل التي تبرهن أحقّية إليسا بالأغنية




‎هذا من حيث الشقّ القانوني، أما في الشقّ الأخلاقي "فحدّث بلا حرج"، مع أننا مُحرَجون من تعداد تصرّفات بعيدة عن الأخلاقيات، اقترفها نجم لبناني بحق نجمة ساطعة في وطنه والعالم العربي كلّه، عندما حوّل "حبّة" عدم ذكرها اسم الشاعر، إلى قبة.

‎وهكذا خالف القانون، "لينغّص" عليها فرحتها بإصدار الأغنية، وسعادتها بنجاح الكليب الذي تخطّت مشاهداته الـ6 ملايين على قناتها بعد أيامٍ فحسب من طرحها. كما أهدى زوجته في عيد زواجهما، هدية "من كيس غيره". أما المستهجن، فهو طرحه الكليب بعد أقل من أسبوع على وفاة جورج الراسي شقيق بطلة الأغنية المصوّرة. ونادين الراسي تربطها صداقة ببرجي، وهي ما زالت مفجوعة بموت شقيقها وتتقبّل التعازي فيه، وكان من أقلّ واجبات الصداقة والأخلاقيات احترام حزنها، وتأخير عرض الكليب. فهل الاستعجال هنا هو بهدف استغلال التركيز الإعلامي على عائلة الراسي لحصد مزيد من المشاهدات وتخطّي مشاهدات كليب إليسا؟

‎يبقى الشق الفني الذي بدوره لا يقبل الشك: لقب إليسا "ملكة الإحساس" ليس عن عبث، وهذه الأغنية الرومنسية بصوتها وأدائها "خلقت" لها هي "وبس". أحد المغرّدين كتب على تويتر: "ما بحب إليسا. بس متل إحساس إليسا ما في ولا رح يجي. ما حبيت الأغنية بصوت زياد".

‎أما كليب "أنا وبس" الذي صوّرته أنجي جمّال، فيصح فيه المثل الفرنسي la simplicité fait la beauté. سرّه في بساطته المغلّفة ببحر من الرومنسية وأمواج من النوستالجيا وشعاع من دفء الشمس، وكأن عين الحبيب هي كاميرا من زمن جميل، تلتقط كافة حالات الشغف التي تنبض في نظرة إليسا العاشقة وحركتها وابتسامتها ولمستها وغمرتها ورقّتها.

‎في المقابل، جاء كليب "وبطير" أقل من عادي بفكرته المكرّرة، وتصويره الخالي من أي لمعة مميّزة، ومع مشاركة للراسي لم تكن آسرة وساحرة كما عوّدتنا في أعمال سابقة.

الملفت في الكليب دموع نادين التي كانت تشكّ بأن حبيبها لم يعد يحبّها. ومن سخرية القدر أنها لم تشكّ بأن حزنها التمثيلي سينقلب حقيقة مع وفاة شقيقها وضرب زياد عرض الحائط بالصداقة والأخلاقيات بعرضه الكليب في وقت غير مناسب سوى للكيدية والانتقام.

مؤسف ما حصل، فالفنانون سيعدّون للألف قبل أن يتعاونوا مع ملحنٍ لم يراع القانون والأخلاقيات... قال أحمد شوقي ذات يوم: "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا". ومن إليسا نقتبس كلمة من أغنيتها، ونقول لزياد برجي "لا تروح"، بل ارجع كبيراً على المستوى الأخلاقي كما عهدناك.