غندور: مغالطات دستورية وقانونية وواقعية

02 : 00

فنَّد المحامي لؤَي غندور ردّ الوزير سليم جريصاتي على "نداء الوطن" فاعتبر انه تضمن سلسلة مغالطات في ما خصَّ صلاحية رئيس الجمهورية في منح العفو، مؤكداً وجوب أن يستأنس بقرار لجنة العفو الذي يجب أن يمارس لأهداف سامية. واستنكر اللهجة التهديدية ضد "نداء الوطن" التي وردت في ختام الردّ. وهنا نص المطالعة:

"بعد ان نشرت صحيفة "نداء الوطن" صباح أمس خبراً متعلقاً بفضيحتي العفو الخاص، أصدر وزير الدولة في الحكومة المستقيلة سليم جريصاتي بياناً توضيحياً تضمن النقاط التالية:

1 - إن صلاحية العفو الخاص هي صلاحية لصيقة بشخص رئيس الجمهورية الذي يطّلع على معطيات الملف ويقدر عناصره ويتخذ قراره في ضوئها.

2 - إن الدستور لم يولِ لجنة العفو صلاحية بت طلبات العفو نهائياً بل أولى هذه الصلاحية للرئيس بحيث ينحصر دور اللجنة في ابداء الرأي.

3 - إن المدة المحكوم بها على السيدة التي نالت العفو هي خمس سنوات وليس خمسة عشر عاماً.

4 - إن فخامة الرئيس قد اطلع على الملف فتبيّن له ان دور السيدة المعفاة اقتصر على تسهيل دخول مروّج مخدرات الى ملهى ليلي وهي مدمنة ارادت الحصول على المخدرات لاستعمالها الشخصي.

5 - إن وزير العدل آنذاك (جريصاتي) قد اصدر تعميماً بأن المدمن يذهب الى العلاج وليس الى السجن.

6 - في ما خص جرم المطبوعات فإن الحكم الصادر قضى بغرامة مالية وقد هدف العفو الى تفادي ورود الحكم الى السجل العدلي لا سيما ان طالب العفو لم يكتب الخبر بل نقله عن سواه وهو عاجز عن دفع الغرامة المالية العالية.

7 - في ما يتعلق بالوكالة القضائية فإنها تعود الى العام 2010.

8 - إن إستهداف فخامة الرئيس بالصلاحيات اللصيقة بشخصه هو سياسي بامتياز ومثلث الاضلاع والأطراف، لا سيما طلب اعادة النظر بالقوانين ومنح الجنسية اللبنانية ومنح العفو الخاص، وهو "مرصود" من قبلنا وسوف نتصدى له بالقانون".

وقد تضمن بيان الوزير جريصاتي المخالفات الدستورية والقانونية والواقعية التالية:

أولاً: إن صحيفة "نداء الوطن" أكدت في مقالها على أن العفو الخاص يشكل صلاحية لصيقة بالرئيس يمارسها بصورة منفردة ولم تنكر عليه هذه الصلاحية مطلقاً، إلا انها أشارت الى الظروف المشبوهة التي أحاطت بسير معاملة منح العفو لا سيما لجهة تناوله قضية خاصة متعلقة بجرم ترويج المخدرات، ويظهر بوضوح من أسلوب كتابة المقال ان الصحيفة كانت تتمنى ان يترفع فخامته عن منح العفو في ملف ينضوي على جرم شائن لا يليق باسم فخامته ان يرتبط بأي معاملة تتعلق فيه، وخصوصاً في الوقت الذي تشهد فيه البلاد ثورة شعبية وظروفاً استثنائية تتطلب تفرغ فخامته لإيجاد الحلول لها.

مع الاشارة الى ان هذه الصلاحية قد مُنحت لفخامة الرئيس ولغيره من الرؤساء في العديد من الدول، لأجل استعمالها في اهداف سامية وانسانية تتناسب مع حجم المسؤوليات التي يضطلع بها رؤساء الدول، وليس من اجل استعمالها في قضايا المخدرات.

وإذا كان الدستور يعطي الرئيس هذه الصلاحية فإنه يبقى على الرئيس ان يمارسها وفقاً للغاية التي من أجلها أُعطيت له هذه الصلاحية.

ثانياً: إن الدستور اللبناني لم يُشِر أساساً الى لجنة العفو الخاص بل منح رئيس الجمهورية في المادة 53 منه الحق في اصدار مراسيم العفو الخاص بصورة منفردة، أما ذكر هذه اللجنة فقد أتى في المادة 393 وما يليها من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وقد جاء في القسم العاشر من هذا القانون ان اللجنة تنظر في اسباب طلب العفو وتبدي رأيها في رد الطلب او قبوله وتضع تقريراً بمقترحاتها، وجاء في المادة 399 من ذات القانون أنه إذا "استجاب" رئيس الجمهورية بعد ذلك لطلب العفو فيصدر مرسوماً بهذا الشأن، ويُستدل من كل ما تقدم على انه وإن كانت اللجنة لا تتمتع بصلاحية البت النهائي بطلب العفو إلا ان رئيس الجمهورية يبقى ملزماً بالاستئناس برأي هذه اللجنة ومقترحاتها المرفوعة إليه عبر وزير العدل، وإلا لما كان هناك من داعٍ لوجود لجنة العفو الخاص ولكان المشترع قد اكتفى بالمادة 53 من الدستور من دون التطرق الى مسألة إنشاء مثل هذه اللجنة.

ثالثاً: إن مدة الحكم لم تكن النقطة المحورية للخبر المنشور الذي تناول ماهية الجرائم التي شملها العفو الخاص والظروف التي رافقت منحه وطبيعة الأشخاص التي ساهمت في سير معاملة العفو.

رابعاً: إن دور فخامة الرئيس في العفو الخاص لا توليه صلاحية الدخول في اساس الملف وإبدال الوصف القانوني الذي تضمّنه القرار القضائي، لا سيما ان قضية المخدرات موضوع العفو كانت قد عُرضت على قاضي التحقيق وعلى الهيئة الاتهامية المؤلفة من ثلاثة قضاة، وعلى محكمة الجنايات المؤلفة من ثلاثة قضاة وعلى محكمة التمييز المؤلفة ايضاً من ثلاثة قضاة، وعلى لجنة العفو الخاص المؤلفة أيضاً من ثلاثة قضاة، ليكون مجموع عدد القضاة الناظرين في أساس الدعوى اربعة عشر قاضياً إرتأوا جميعاً هذا الوصف الجرمي.

خامساً: لا يحق لوزير العدل اصدار أي تعميم يتعلق بشكل تنفيذ العقوبة المقررة لأي جرم كان، إذ يعود هذا الأمر لتقدير القاضي الناظر في الملف والذي ينتمي الى سلطة دستورية مستقلة وقائمة بحد ذاتها.

سادساً: إن الصلاحية المعطاة لرئيس الجمهورية في منح العفو الخاص هي صلاحية سامية أُعطيت لرئيس البلاد تماشياً مع المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقه، من أجل تمكينه من التدخل في القضايا الكبرى ذات البعد العام، وفي بعض الحالات الانسانية أو السياسية التي تستوجب إصدار مثل هذا العفو. ونحن نجلّ رئيس الجمهورية عن ممارسة هذه الصلاحية الكبرى من اجل اعفاء مواطن من قيد عقوبة على سجله العدلي، او حتى من اجل خفض غرامة مالية كان بإمكانه ان يدفعها لهذا الرجل اذا كان يستحق المساعدة فعلاً، لا سيما في ظل وجود آلاف الحالات المماثلة.

سابعاً: إن "نداء الوطن" لم تتطرق الى تاريخ الوكالة المنظمة للمحامي بل تطرقت الى وجود هذه الوكالة بحد ذاتها وإلى طبيعة شخص الوكيل.

ثامناً: إن "نداء الوطن" لم تستهدف رئيس الجمهورية شخصياً في خبرها ولم تعترض على الصلاحيات الممنوحة له ولا سيما لجهة منح العفو ومنح الجنسية اللبنانية التي تطرق لها الوزير جريصاتي في بيانه، خصوصاً وأن مرسوم التجنيس الأخير لم يلقَ اعتراضاً لجهة صلاحية رئيس الجمهورية بل لجهة الأشخاص الواردة أسماؤهم في هذا المرسوم، علماً أن فخامته كان قد طلب التحقيق في استحقاق هؤلاء الاشخاص للجنسية اللبنانية وأن طلبه قد تم بعد صدور المرسوم وليس قبله ولا ندري الى أين وصل التحقيق بهذا الخصوص.

وأخيراً، فإن الوزير الذي دافع في بيانه عن حرية رأي المواطن الذي نال العفو في جرم المطبوعات، لا يحق له ان يختم بيانه هذا بلغة لا تخلو من التهديد والترصد لصحيفة تمارس عملها بمهنية عالية في بلد الحريات، لا سيما ان هذه الصحيفة استحصلت قبل أيام قليلة على حكم برَّأها من الجرائم التي اتهمها فيها هذا الوزير بالذات".