شهرزاد أكبر

نساء أفغانستان متروكات لمصيرهنّ

7 أيلول 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

طفلة في كابول وسط حشد من النساء | أفغانستان، كانون الثاني 2022
قد تكون الحياة تحت حُكم "طالبان" أسوأ أزمة عالمية في مجال حقوق المرأة. فرضت هذه الحركة قيوداً فورية ووحشية منذ عودتها إلى السلطة في شهر آب الماضي، وقد استهدفت التدابير الأكثر صرامة فئة النساء. مُنِعت الفتيات سريعاً من التعليم الثانوي، ولا يزال هذا القرار ساري المفعول رغم المطالبات المحلية والدولية بإلغائه. كذلك، فرضت "طالبان" قيوداً على تنقل النساء، ما يعني اضطرار المرأة لمرافقة رجل من أفراد عائلتها أثناء السفر وإجبارها على تغطية وجهها في الأماكن العامة. كذلك، لا يُسمَح للنساء والفتيات بعد الآن بممارسة الرياضة.

كان رد المجتمع الدولي على هذه التطورات محدوداً على نحو مريع. اكتفى أعضاء مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أو البلدان التي تطبّق سياسات خارجية نسوية علنية مثل كندا، وفرنسا، وألمانيا، والسويد، بإصدار بيانات تدين ما يحصل. ينطبق الوضع نفسه على قادة العالم الإسلامي. في غضون ذلك، يتابع الدبلوماسيون، بما في ذلك عدد من المسؤولين الأميركيين، التواصل مع قادة "طالبان" خلال المؤتمرات الدولية والمحادثات الثنائية التي تستبعد النساء الأفغانيات وأعضاء المجتمع المدني الأفغاني. نتيجةً لذلك، أصبحت المرأة الأفغانية في طليعة المقاومة السلمية لحركة "طالبان" وسرعان ما أدركت واقعها المرير اليوم: باتت النساء في هذا البلد متروكات لمصيرهنّ.

هذه ليست المرة الأولى التي لا تلقى فيها مطالبات المرأة الأفغانية آذاناً صاغية. على مر المحادثات التي قادتها الولايات المتحدة مع "طالبان"، أطلقت نساء أفغانستان حملات متلاحقة، وكتبن مقالات عن وضعهنّ، ونظّمن تجمعات حاشدة للمطالبة بعملية سلام شاملة. لكن لم يهتم أحد بهذه المطالب.

في غضون ذلك، انتشر خطاب معاكس من جانب الدبلوماسيين والمعلّقين الرجال، فقد زعم هؤلاء أن مطالبات الناشطين الأفغان في مجال حقوق المرأة لا تمثّل النساء الأفغانيات الريفيات، بل إنها أفكار فرضها الغرب وهذا ما يجعلها غير شرعية. في النهاية، لم يذكر اتفاق الدوحة شيئاً عن حقوق المرأة والإنسان أو حماية المدنيين، مع أنها من أبرز اهتمامات الشعب الأفغاني كله. وعندما أدلى الأميركيون وحلفاؤهم بتصريحات يلتزمون فيها بحماية نساء أفغانستان، عادوا وسمحوا لأعضاء "طالبان" بتحديد شروط المحادثات. لقد شاركوا في عملية تهدف إلى تحديد مصير ملايين النساء الأفغانيات، لكن لم تحضر ولو امرأة أفغانية واحدة على طاولة المفاوضات.

بالإضافة إلى التصدي لطالبان ومحاربة النزعة الذكورية داخل أفغانستان، اضطر المدافعون عن حقوق المرأة الأفغانية أيضاً للتعامل مع مظاهر الفوقية والتلاعب النفسي والتهميش من جانب المسؤولين الغربيين وخبراء مزعومين في الشؤون الأفغانية. يتكلم القادة الغربيون في آخر عقدين عن دعم المرأة الأفغانية في المراحل المفصلية، أي حين تصبح حقوق النساء والناشطين على المحك، لكن بقي دعم الدول الغربية محدوداً لنساء أفغانستان وقضيتهنّ، ويكشف هذا الوضع حجم النفاق في المواقف الغربية.

لا يعني ذلك أن الوضع في أفغانستان يطرح تحدياً بسيطاً. لقد فازت "طالبان" في الحرب، ولا أحد يريد أن يقف على الهامش ويراقب انتشار المجاعة وسط الأفغان أو نشوء أزمة إنسانية كبرى. لكن يجب أن تتعامل القوى والمنظمات الخارجية مع "طالبان" بطريقة محدودة على الأقل.

كانت أحكام المسؤولين الغربيين عند اختيار محاوريهم من "طالبان" سيئة، حتى أنهم فشلوا في اختيار النبرة المناسبة في هذا الحوار. على سبيل المثال تتابع الحكومات الغربية، وحتى الأمم المتحدة، التعامل مع سراج الدين حقاني، وزير الداخلية الأفغاني وزعيم "شبكة حقاني" التي لا تزال واردة على قائمة المطلوبين في مكتب التحقيقات الفدرالي، نظراً إلى تورطها في عدد من أكثر الاعتداءات الإرهابية وحشية في أفغانستان في آخر عشرين سنة. لقد تذكّر العالم ارتباط ذلك الوزير بتنظيم "القاعدة" في وقتٍ سابق من هذا الصيف، حين قتلت طائرة أميركية مسيّرة زعيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، الذي كان يقيم في منزل يملكه واحد من كبار مساعدي حقاني في كابول، وفق مصادر الاستخبارات الأميركية.

قد يضطر المسؤولون الغربيون لمقابلة حقاني، لكن يجب أن يدركوا أن هذا النوع من التبادلات يضفي منحىً طبيعياً على خلفيته المثيرة للجدل وقد يُسهّل تلميع صورته. في شهر حزيران الماضي، استعملت الأمم المتحدة مصطلح "الحاج" للتكلم عن حقاني في تغريدة تشير إلى "لقاء وداعي" بين حقاني وديبرا لايونز، ممثلة أمين عام الأمم المتحدة المنتهية ولايتها في أفغانستان، علماً أن هذه الكلمة تُستعمَل للدلالة على أشخاص ذهبوا للحج في مكة وتحمل مستوىً من الاحترام. كانت تلك التغريدة تشير إلى النقاشات التي جمعت حقاني ولايونز حول مسائل مثل مكافحة الإرهاب، فثارت حفيظة الناشطين الأفغان في مجال حقوق الإنسان لأنهم كانوا قد تعاونوا مع ضحايا الاعتداءات الإرهابية التي نفذتها "شبكة حقاني" طوال سنوات.

يمكن تقديم المساعدات الخارجية عن طريق منظمات أفغانية ودولية غير حكومية، ومن دون التقرب من أشهر الإرهابيين المطلوبين في العالم. يُعتبر الاتحاد الأوروبي من أكبر المساهمين في المساعدات الإنسانية في أفغانستان، وقد تابع مبعوث الاتحاد الخاص، توماس نيكلاسون، رفع الصوت حول مسائل حقوق الإنسان والانتهاكات التي ترتكبها "طالبان". حتى أنه تواصل مع نساء ورجال أفغان من خارج قيادة "طالبان".

يجب ألا يفترض الناشطون الأفغان في مجال حقوق المرأة إذاً أن قادة العالم الديمقراطي سيقفون إلى جانبهم. لم يعد هؤلاء القادة أو المؤسسات التي يمثلونها قادرين على حماية نساء أفغانستان، أو ربما لا يهتمون بتحقيق هذا الهدف أصلاً. كذلك، يجب ألا يفترض الناشطون أن قادة البلدان ذات الأغلبية المسلمة سيضغطون على "طالبان" لحماية أبسط الحقوق، مثل حق الفتيات في التعلّم. لقد مرّت سنة منذ عودة "طالبان" إلى السلطة، ولم يُصدِر ولو رئيس حكومة واحد من العالم الإسلامي إدانة شديدة اللهجة ضد قمع "طالبان" للنساء أو يفرض ضغوطاً سياسية مؤثرة. تابع القادة الباكستانيون مثلاً تواصلهم مع "طالبان" وكأن الوضع لم يتغير. في غضون ذلك، أصبحت المرأة الأفغانية أسيرة منزلها بسبب سياسات "طالبان" الكارهة للنساء والمنافية لمبادئ الإسلام.

تبقى هذه الاستنتاجات مريرة بالنسبة إلى الحركة الأفغانية الداعمة للنساء. بعد هجوم 11 أيلول، تكلم عدد كبير من السياسيين الأميركيين عن حماية نساء أفغانستان في إطار "الحرب على الإرهاب"، وقد اتكل جزء كبير من التقدم الذي أحرزته المرأة الأفغانية خلال العقدَين اللاحقَين على الولايات المتحدة. تعلّمت النساء الأفغانيات القياديات كيفية الضغط على السفارات الأجنبية والسياسيين الغربيين لحث الحكومة الأفغانية على تحسين القوانين التي تحمي النساء وتطوير أدائها لتعزيز المساواة بين الجنسين. لكن في بعض الحالات، خصصت المرأة الأفغانية وقتاً مضاعفاً لتطوير علاقاتها مع الجهات المانحة والحلفاء في الغرب أكثر من المجتمعات التي تنوي خدمتها. إنه جزء من المقاربات التي تحتاج إلى تعديل كي تحافظ هذه الحركة الحقوقية على أهميتها ميدانياً.

في الوقت نفسه، تؤكد ردة الفعل الدولية الضعيفة على أزمة نساء أفغانستان على عدم فاعلية نظام حقوق الإنسان العالمي. وقّعت أفغانستان على معاهدات كثيرة، بما في ذلك "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، لكن لا يخدم أيٌّ من هذه الالتزامات حاجات النساء والفتيات الأفغانيات في عهد "طالبان". غالباً ما ترتكز الاتفاقيات الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان على تسمية المرتكبين والتشهير بهم. لكن يكشف الوضع الراهن في أفغانستان حدود هذه المقاربة، فقد اعترف عناصر "طالبان" بأنفسهم بحصول انتهاكات واسعة لحقوق المرأة. هم لا يشعرون بأي خجل. ما لم تُفرَض عقوبات ملموسة ضدهم، مثل منعهم من السفر أو استبعاد قادتهم من المنصات الإقليمية والدولية، لا نفع من تحديد هوية المرتكبين.

لكن يُفترض ألا يوقف الناشطون الأفغان في مجال حقوق المرأة نضالهم لمجرّد أنهم أدركوا تراجع التزام المجتمع الدولي بحقوق الإنسان. بل يجب أن يتابعوا مساعيهم للفت أنظار العالم، ويحاولوا تأمين مساعدات إنسانية متزايدة، ويتجاوبوا مع الأزمة الاقتصادية بطريقة عاجلة، ويتابعوا انتقاد قادة العالم والدول التي تتعامل مع قمع "طالبان" لحقوق المرأة وكأنه وضع طبيعي.

لكن يجب أن يتذكروا أيضاً أن هذه الخطوات هي نصف المعركة، ولا يمكن تحقيق الكثير من دون تكثيف الضغوط الإقليمية والمحلية على "طالبان". يُفترض أن تتعاون نساء أفغانستان في الشتات مع المجتمع المدني داخل أفغانستان لتقوية هذه الجهود. ولتوسيع نطاق التحالف المحلي دعماً لحقوق المرأة، تبرز الحاجة إلى أعلى درجات الصبر والابتكار. كذلك، يجب أن تحرّك نساء أفغانستان المجتمع المدني في المنطقة وفي البلدان الإسلامية لدفعه إلى اتخاذ مواقف أقوى دعماً لحقوق المرأة الأفغانية. يمكن تحقيق هذا الهدف عبر تشجيع النساء الأفغانيات القياديات في الشتات على تخصيص المزيد من الوقت والموارد لدعم الالتزامات الإقليمية وبناء شراكات استراتيجية في المنطقة. ويُفترض أن تتضامن النساء في الشتات الأفغاني مع إخوتهنّ في الوطن، فينقلن مطالبهنّ عبر تقديم المنصات للناشطين في أفغانستان وتسهيل وصولهم إلى الشبكات والموارد الفاعلة خارج البلد. يجب أن يتعلق الهدف الاستراتيجي من هذه الحركة على المدى الطويل بإحداث تغيير ثقافي واجتماعي واسع دعماً لحقوق المرأة وسط الأفغان، بدل الاكتفاء بفرض ضغوط خارجية على "طالبان".

من المتوقع أن يترافق القمع المنهجي للنساء من جانب "طالبان" مع تداعيات كارثية على الأجيال المقبلة. لتغيير الوضع القائم في أفغانستان، يجب ألا يكتفي الناشطون بقرع الأبواب نفسها أو سماع بيانات الدعم الفاترة. وإذا أصرّ المجتمع الدولي على مقاربتهم المفككة للتعامل مع مسألة حقوق المرأة في أفغانستان، لا مفر من أن يخسر مصداقيته في هذا الملف في جميع أنحاء العالم.