دار الفتوى تنتفض للطائف والطائفة... "الحريري أو لا أحد"

السلطة محاصرة... مراوحة أو مواجهة؟

02 : 00

الحريري مستمعاً إلى إعلان الخطيب عزوفه عن الترشح لرئاسة الحكومة في "بيت الوسط" أمس (رمزي الحاج)

... كما أسلافه، انضمّ سمير الخطيب إلى نادي "الرؤساء المحروقين" بعدما لفحته نار "الدار" فخرج منها "مُكلّفاً" إعلان نزع الغطاء السنّي عن ترشيحه لرئاسة الحكومة وعزوفه عن "إكمال المشوار". طار الخطيب فطارت معه الاستشارات "المعلّبة" ما اضطرّ المنظومة الحاكمة إلى ترحيلها أسبوعاً بانتظار "تعليب" مرشح آخر خارج إطار الدستور والأصول وسماع أصوات الشعب. عملياً، وتحت وهج الثورة، باتت السلطة محاصرة تتوجس من أي "دعسة ناقصة" إلى الأمام تؤجج انتفاضة الشارع عليها وتخشى التراجع إلى الوراء كي لا يدهسها قطار التغيير العابر للمناطق والطوائف، ما وضعها تالياً أمام خيارين أحلاهما مرّ: مراوحة أو مواجهة!

وبينما تبدو السلطة مستمرة حتى اللحظة في محاذرة خيار المواجهة خشية انفجار لغم الأرض تحت قدميها وانفضاح وجهها القمعي أمام مرآة العالم ودوله المانحة، بدأت معالم خيار المراوحة تتمظهر فعلياً من خلال قرار قصر بعبدا إرجاء موعد الاستشارات النيابية الملزمة إلى الاثنين المقبل "إفساحاً في المجال أمام المزيد من المشاورات والاتصالات"، وسط بروز حملة تحامل مساءً عبر وسائل إعلام قوى 8 آذار و"التيار الوطني الحر" ومنصات تواصلهم الاجتماعية على رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري انطلاقاً من العودة إلى نغمة تحميله وزر تأخير "التكليف والتأليف" وعرقلة وصول أي بديل عنه إلى سدة الرئاسة الثالثة، بشكل يتعامى عن مكمن الداء في تجاهل إرادة التغيير لدى الناس وصمّ الآذان عن مطالبتهم بسحب البساط من تحت أقدام المنظومة السياسية القائمة التي عاثت خراباً وتحاصصاً وتدميراً ممنهجاً في بنية الدولة واقتصادها ومقدرات خزينتها العامة.

إذاً، جاء موقف دار الفتوى بالأمس أشبه بالانتفاضة الشرعية ضد تهشيم دستور الطائف وتهميش الطائفة السنية في النظام اللبناني، بعدما أمعن أهل النظام في "شقلبة" معايير تكوين السلطة التنفيذية من خلال اشتراط رئيس الجمهورية ميشال عون تسلّم ورقة التأليف في يُمناه قبل تحرير ورقة التكليف من يُسراه بشكل يجرّد رئيس الحكومة المكلّف من صلاحية رسم خريطة تشكيلته الحكومية ويحوّله تالياً إلى مجرد "مخلّص جمركي" مهمته إفراغ حمولة السلطة على رصيف التأليف، في وقت يتربع "الرئيسان القويان" على الكرسيين الأولى والثانية ويُطلب من الرئيس السنّي القوي التنحي عن الكرسي الثالثة لشخص وكيل يقبل بما لا يقبل به الأصيل ويبصم سلفاً على أجندة التركيبة الحاكمة مكرّساً سياسة "ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم" في عملية التكليف.

وأمام هذا الإمعان في التهشيم الدستوري والتهميش الطائفي طفح كيل "الدار" فخرج المفتي عن اعتصامه بحبل الصمت ليحزم موقفه وموقف "أبناء الطائفة" ويجاهر بصوت المرشح المعتزل سمير الخطيب: الحريري أو لا أحد في رئاسة الحكومة. وإثر سماعه "من سماحته أنه نتيجة اللقاءات والمشاورات والاتصالات مع أبناء الطائفة الإسلامية تم التوافق على تسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة"، انتقل الخطيب إلى "بيت الوسط" ليعلن "بكل راحة ضمير" اعتذاره عن المضي قدماً في مشروع ترشّحه وليجدد الشكر إلى الحريري "الذي سيبقى قدوة في الوفاء والوطنية والقيادة الحكيمة".

إزاء هذا المستجد، رجحت مصادر مواكبة للمشاورات الجارية أن تلجأ القوى السياسية إلى "إعادة نبش الدفاتر القديمة والجديدة" خلال الساعات المقبلة في رحلة بحث متجددة عن مرشح مقبول تتقاطع حوله مختلف القوى، على أن يتم التكتم هذه المرة عن تسميته قبل التأكد من أنه يحظى بغطاء طائفته سياسياً وروحياً، مضيفةً لـ"نداء الوطن": "ومن الآن وحتى ذلك الحين ستتكثف محاولات الثنائية الشيعية لإقناع رئيس حكومة تصريف الأعمال بالعدول عن قراره التنحي عن ترؤس حكومة تكنو – سياسية، وربما مع تقديمات إضافية من جانبهما تعزز طابعها التكنوقراطي على حساب الصبغة السياسية لتصبح هذه الصبغة في حدود مجرد الوجود للوجود في التركيبة الحكومية المرتقبة".

وإذا كانت الأمور الحكومية باتت بحكم المعلّقة أسبوعاً إضافياً على حبائل "المشاورات والاتصالات"، يبقى السؤال... كيف سيواجه لبنان المجتمع الدولي بعد 72 ساعة حين يلتئم شمل مجموعة الدعم في باريس لبحث سبل استنهاض الواقع اللبناني المنهار، بينما أركان الدولة اللبنانية أنفسهم لا يزالون منهميكن في لعبة تناتش الحصص وتنازع دفة القيادة على متن مركب غارق؟!.


MISS 3