كينيث روث

على أفريقيا أن تسترجع دورها لكسر حصار إثيوبيا التعسفي في تيغراي

9 أيلول 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

قافلة شاحنات تابعة لبرنامج الغذاء العالمي متوجهة إلى منطقة تيغراي | إثيوبيا، في 9 حزيران ٢٠٢٢
كانت إثيوبيا واحدة من ستة بلدان ذكرتها الأمم المتحدة على قائمة الدول التي أصبحت شعوبها معرّضة للمجاعة. يواجه ملايين الناس في جنوب البلد وشرقه مستويات مقلقة من الجوع وسوء التغذية بسبب واحدة من أسوأ موجات الجفاف منذ عقود. تتّكل المجتمعات في المناطق التي تضرّرت من الصراع في شمال البلاد على المساعدات الإنسانية. لكن تستمر أزمة المجاعة الحادة منذ أكثر من سنة في إقليم تيغراي تحديداً، ويمكن كبح هذه النزعة عبر خطوات حكومية معينة. منذ اندلاع الحرب في تيغراي، في تشرين الثاني 2020، انتهكت القوات الإثيوبية وحلفاؤها قوانين الحرب في مناسبات متكررة، فنهبت المنازل والبنية التحتية المدنية واستهدفتها (عادت قوات تيغراي وارتكبت هذه الجرائم نفسها في مناطق أخرى لاحقاً)، وحرمت السكان من الخدمات الأساسية، ومنعت وصول المساعدات إلى المدنيين في ظل احتدام القتال. ثم فرضت السلطات حصاراً فاعلاً على المنطقة كلها، وأعاقت وصول جميع المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، بما ينتهك القانون الإثيوبي المحلي، وحقوق الإنسان الدولية، والقانون الإنساني.

خلال أول ثمانية أشهر من الصراع، أقدمت القوات الإثيوبية وحلفاؤها على نهب الشركات والمستشفيات والبنوك وسرقة المواشي والمحاصيل، فأصبحت المنطقة مضطرة للاتكال على المساعدات. كانت نتائج هذا الدمار كارثية، فقد عجز الناس عن تلقي الرعاية الصحية، والمواد الغذائية، وخدمات أساسية أخرى، وأُعيق تعافي النظام الصحي الذي انهار بسبب تفاقم الصراع. طوال أشهر، أقفلت القوات الفدرالية والإقليمية الطرقات، فعجزت الأطراف الخاصة أو الوكالات الإنسانية عن نقل الإمدادات الطبية أو المواد الغذائية إلى المنطقة. في غضون ذلك، تراجعت الإمدادات بمستويات مقلقة.

في شهر شباط الماضي، أجرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مقابلات مع أطباء كانوا قد عالجوا عشرات الناجين من ضربة قاتلة بطائرة مسيّرة من دون استعمال أي سوائل وريدية أو قفازات واقية. أخبرنا صحفي كان مسافراً إلى تيغراي في أواخر شهر أيار وبداية حزيران أنه شاهد مظاهر "المجاعة في كل مكان". في شهر آب، حذرت الأمم المتحدة من إصابة طفل واحد من كل ثلاثة تحت عمر الخامسة في تيغراي بحالة حادة من سوء التغذية.

منذ أن أعلنت الحكومة الإثيوبية عن بدء هدنة إنسانية في أواخر شهر آذار، راحت المواكب الإنسانية تصل إلى المنطقة أخيراً بعد منعها من دخول تيغراي سابقاً. لكن لم تكن الكميات التي وصلت إلى المنطقة تتماشى بأي شكل مع الحاجات المتزايدة للسكان المعرّضين للخطر. بعد إعاقة تسليم الوقود وتدفق الأموال النقدية، وإصرار الحكومة على إبقاء البنوك مغلقة وقطع الاتصالات، تجد منظمات الإغاثة صعوبة في إنقاذ حياة الناس.

قد تصبح جهود وكالات الإغاثة أكثر عرضة للمخاطر بعد استئناف القتال في شمال إثيوبيا، في 24 آب. ذكر متحدث باسم الأمم المتحدة أن مقاتلين من تيغراي دخلوا مستودعاً تابعاً للأمم المتحدة في عاصمة الإقليم، ميكيلي، وصادروا 12 صهريج وقود مُعدّ لأغراض إنسانية. وتفيد التقارير بأن ضربة جوية في ميكيلي، في 26 آب، من جانب الحكومة الإثيوبية على الأرجح، استهدفت دار حضانة وقتلت سبعة أشخاص على الأقل، منهم عدد من الأطفال. لا يزال تسليم الإمدادات الإنسانية عبر الطرقات البرية مُعَلّقاً منذ ذلك الحين، ويبقى الحصار ساري المفعول.

ستنعكس الضربات الجوية وعمليات نهب إمدادات الوقود المحدودة سلباً على سكان تيغراي بشكلٍ أساسي، فهم يواجهون أصلاً تداعيات الصراع والحصار. يعجز معظم الناس هناك عن شراء الأغذية المتاحة لأن كلفة المواد الأساسية تتابع الارتفاع. قال أحد سكان بلدة "شاير" إن ثمن حبوب التيف (تُعتبر من المواد الأساسية في البلاد) ارتفع بثلاثة أضعاف في آخر خمسة أشهر.

سعى مجلس الأمن في الأمم المتحدة إلى معالجة القيود المفروضة على وصول المساعدات والسلع الأساسية خلال الصراعات في اليمن وجنوب السودان عبر تمرير قرار، في العام 2018، لإدانة حرمان الناس من الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية القادرة على إنقاذ حياتهم كاستراتيجية بحد ذاتها في زمن الحرب. كان هذا القرار يهدف إلى منع تكرار الوضع نفسه في أماكن أخرى، وهو يدعو أمين عام الأمم المتحدة إلى إبلاغ مجلس الأمن سريعاً بالحالات التي تتصاعد فيها مخاطر المجاعة بسبب الصراعات.

لكن لم يفرض مجلس الأمن العقوبات يوماً على أبرز الجهات المسؤولة عن التحركات غير القانونية خلال الصراع في إثيوبيا التي شهدت انتهاكات فاضحة لذلك القرار. كذلك، لم يجعل مجلس الأمن الحصار المستمر على تيغراي جزءاً من أجندته الرسمية بعد.

يتعارض تكثيف الجهود الدبلوماسية الأفريقية للتعامل مع أزمة الحبوب الأوكرانية والحصار الروسي مع جمود أفريقيا في ملف إثيوبيا داخل مجلس الأمن. أبطأت الدول الأعضاء المُنتَخبة التي تمثّل القرن الأفريقي في مجلس الأمن (الغابون، غانا، كينيا) أي نقاش علني للوضع الإثيوبي مراراً، ما سمح باستمرار هذا التجاهل الفاضح للمعايير الدولية.

في غضون ذلك، سمحت إثيوبيـــــا وشركاؤها في المنطقة وأماكن أخرى بتحويل ضــرورات الحياة إلى ورقة مساومة سياسية. أعلن وزيـــر الخارجية الإثيوبـــي حديثاً أن الخدمات الأساسية لن تتجدد قبل أن يبدأ الطرفان محادثات السلام. في المقابل، تريد السلطات في تيغراي تأمين الخدمات قبل بدء المحادثات. وبعد استئناف القتال، تزداد أهمية أن يوضح العالم ضرورة فصل المفاوضات عن تلقي المساعدات.

أمام هذا الوضع، يجب أن يتحرك مجلس الأمن، بدءاً من الغابون وغانا وكينيا، والاتحاد الأفريقي فوراً. يُفترض أن تدعو هذه الأطراف إثيوبيا علناً إلى رفع حصارها بالكامل عن المساعدات الإنسانية التي أصبح الناس بأمسّ الحاجة إليها، وتسمح بتقديم الخدمات الأساسية. ويجب أن تُصِرّ على ضرورة أن تلتزم الأطراف المتناحرة، بما في ذلك قوات تيغراي، بالقانون الدولي وتُسهّل وصول المساعدات إلى من يحتاجون إليها من دون تأخير أو شروط مسبقة. كذلك، يُفترض أن يعقد مجلس الأمن نقاشاً عاماً لمعالجة المجاعة الناجمة عن الصراع وأن يضع إثيوبيا على جدول أعماله العادي.

يجب ألا تصبح هذه الممارسات الحكومية شائعة، بل يُفترض أن يُحاسَب كل من هو مسؤول عن منع وصول الأغذية والوقود والأدوية، أو من يستعمل الخدمات الأساسية كورقة مساومة. كذلك، يمكن محاكمة من يستعملون المجاعة كأداة في زمن الحرب، عبر منع وصول الإغاثة أو حرمان المدنيين من كل ما يحتاجون إليه للبقاء على قيد الحياة، واتهامهم بارتكاب جرائم حرب. لكن لتحقيق هذه الغاية، يجب أن يستمر عمل لجنة الأمم المتحدة الدولية لحقوق الإنسان في إثيوبيا، علماً أن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قد يُجدد مهامها في شهر أيلول.

لقد أثبت التزام أفريقيا والأمم المتحدة بِحَلّ حصار روسيا في البحر الأسود نتائج الضغوط العلنية التي تتزامن مع جهود دبلوماسية في مجال المساعدات الإنسانية. قد يكون انطلاق السفن من موانئ أوكرانيا وهي محمّلة بالحبوب أفضل تجسيد لمنافع تلك المقاربة. لكننا شاهدنا وضعاً معاكساً بالكامل في مكان آخر: أصبحت الأزمة شبه منسيّة في إثيوبيا حيث تُستعمَل المجاعة كسلاح بحد ذاته في منطقة كاملة، فقد عجزت هذه الأزمة عن إثارة القدر نفسه من الاهتمام في أي مكان. ما لم يحشد المجتمع الدولي قواه للتأكد من حصول جميع سكان تيغراي على كامل المساعدات الإنسانية المطلوبة، قد لا تصل شحنات الحبوب التي تدخل إثيوبيا إلى الجماعات الأكثر حاجة إليها. وإذا اقتصر الوضع النهائي على هذه النتيجة، ستكون صفقة وصول سفينة الحبوب الأوكرانية إلى إثيوبيا مجرّد انتصار فارغ المضمون.


MISS 3