نوال نصر

أربعون عاماً على استشهاد البشير

نديم الجميل: وزير العدل "حرتقجي" وسنقبع من يبقى بلا حيثية في بعبدا

10 أيلول 2022

02 : 00

أشبه والدي ولم أقلّده (تصوير فضل عيتاني)
الوقت يركض يركض... فها قد مضى على استشهاد البشير أربعون عاماً. كأنها البارحة. كأن البارحة قال كامل الأسعد: أعلن بشير الجميل رئيساً للجمهورية اللبنانية. وساد فرح كبير. وكأنه البارحة انتصر الشرير على الحلم فاستشهد البشير في قلب الأشرفية، في قلب بيت الكتائب في الأشرفية، وما زال الشرير يستبدّ. نديم بشير الجميل بلغ هو أيضا عامه الأربعين. واليوم، اليوم بالذات، في 10 أيلول، تكمل ابنته «آنا» شهرها العاشر. واليوم، اليوم بالذات، يكون قد بقي لمغادرة ميشال عون قصر بعبدا 51 يوماً. واليوم، نحن في مرحلة إستثنائية في تاريخ لبنان فإما يعود ويعيش أو يزول و»على روحه السلام»؟ حوارنا مع نديم بشير الجميل حكى فيه عن «آخر أيام ميشال عون»، و»العلاقة القواتية الكتائبية»، وبشير الأب والقائد والإنسان، و»الخوف من اغتيالات متوقعة»، والقرار الصادر «بقبع» كل من يجرؤ على البقاء بالقوّة في قصر بعبدا بعد 31 تشرين. وعن وزير العدل "«الحرتقجي"».

أربعون عاما، 480 شهراً، 13,400 يوم، عمر طغى فيه السواد والقتل والإغتيال والتفجير والنصب والفساد والتعتير والبؤس والقلق... لكن، استمرّ شيء ما يهزّنا في الأعماق، صوت ما يتردد فينا: لا تتوقفوا عن الحلم... لا تقولوا مستحيلاً... ثمة صوتٌ شبّث فينا التعلّق في هذه الأرض وقوّى فينا الإيمان بأن قيامة لبنان، لبنان وعد البشير، لا بُدّ آتية.

بالجينز و»البليزر» يستقبلنا الشيخ نديم. هو يُكثر في هذه الأيام من ارتداء «الكاجوال» وعدم التركيز على الرسميات «فالمرحلة تقتضي ذلك. هناك عمل كثير على الأرض، وهناك لقاءات يومية مع الناس وآلام الناس وحاجيات الناس. والأمور باتت تقتضي تكثيف النضال».

ننظر الى الصور المعلقة على جدران مكتب نديم. البشير حاضرٌ في كل التفاصيل. بالبزّة العسكرية، بنظارات الـ»رايبن»، بهيبته، بشموخ نظرته. نسأل نديم الذي يتحدث عن المرحلة الإستثنائية: «هل ارتديت بزة عسكرية كما بزة البشير القواتية الخضراء؟ يجيب «لا، لم أرتدِ بزة خضراء يوما لكن إذا اقتضى الأمر مستعدّ». هل نفهم من ذلك أننا سنضطرّ الى ذلك؟ يجيب «الأمور تتوقف على أداء المؤسسات الرسمية، التي كلما تخلّت عن دورها دفعت الناس في ذاك الإتجاه. الدولة مقصّرة بالكامل والإنسان الذي يشعر بتهديد يطال بيته وهويته وثقافته وعرضه وسلامته ومستقبله فسيستخدم كل الوسائل للدفاع عن نفسه».

في الذكرى الأربعين، هل راجع نديم أربعة عقود- هي مجموع عمره - بعد بشير؟ هل تسنى له أن يقوم بجردةٍ على تفاصيل عبرت وتفاصيل مقبلة وعلى سرّ حضور بشير الدائم في بال وقلب وضمير وحلم الكثيرين؟ يجيب «برأيي، بشير حاضر وبقوة لأن لا أحد استطاع تعبئة الفراغ الذي تركه. لم أتعرّف على بشير الأب وطالما طرحت سؤالاً: ما الذي يجعله حاضراً بهذا القدر بعد مرور أربعين عاماً؟

يُقال حين يتحقق الوعد لا يعود حلماً... فهل صمود بشير مرده الى أنه استمرّ حلما؟ يجيب نديم «كل الأجوبة تبقى إفتراضية، لكن بنظري حقّق بشير إنجازات كثيرة في حياته وانتصر على صعوبات جمّة، ولو لم يرَ النظام السوري، الذي قتله، أنه قادر على جعل وعوده حقيقة لما قتله. لو تركوه حياً لحقّق الكثير».

يؤكد الشيخ نديم «أن شخصيات كثيرة حاولت تقليد بشير خلال اربعين عاماً لمجرد التقليد الشكلي، وليس في العمق. لذا استمرّ عصياً على أي تقليد. فبشير، كما عرفت من أصدقائه ومحبيه، كان نزيهاً وطيّب القلب و»غير مصلحجي» ولم يكن أنانياً أبدا وكان كل همّه ينصبّ على مصلحة المجتمع ككل. هذا هو الفرق بينه وبين كثيرين». لكن، ألم يقم نديم هو أيضا بتقليد بشير؟ يجيب «هناك من يتهمني بذلك، ولكل شخص كامل الحق بأن يقول ما يريد، أما أنا فلم أرد تقليد البشير لأنني مدرك تماما أن التعلّم منه ممكن أما الظنّ بأنني سأكون نسخة طبق الأصل عنه فمحال. بشير كبير كبير. أشبه والدي؟ طبعا في الشكل كثيراً. أقلّد والدي؟ يحلو للناس قول ما يشاؤون. هناك من يقول إني مثل والدي وهناك من يتهمونني بأنني لست مثل والدي. هذا الأمر عقدة لدى هؤلاء. بالنسبة إلي، لا أحد يمكنه التمثل في الشكل والمضمون ببشير».

يتكلم نديم عن الإنتخابات والأصوات التي نالها (4400 صوت) والقضية وعن «خيانات» البعض ويقول «نخون القضية حين نترك الشهيد وننسى دمه وشهادته. والبرهان ما حصل مع 14 آذار. أصبحوا يقتلوننا واحداً واحداً والبقية تستسلم «فخرب البلد». لم نكن على مستوى شهادات من ضحوا بأنفسهم من أجلنا». هل يمكن أن يسمي الخائنين بالإسم؟ يجيب «كلنا مارسنا فعل الخيانة مع معنى الإستشهاد. وفرطنا بوحدة 14 آذار التي كلفت دماً وقبلنا أن يأخذونا «بالمفرق». هاجموا سمير جعجع فوقفنا نتفرج عليهم. هاجموا فؤاد السنيورة فسكتنا. هاجموا أمين الجميل ففعلنا نفس الشيء. وفي الآخر، إنفرطت الجبهة كلها».

الخندق الواحد

الإختلاف كبير ومحاولات التقارب تتكرر، فماذا عن التقارب القواتي- الكتائبي؟ ماذا عن مشاركته مع سليم الصايغ في قداس شهداء المقاومة اللبنانية في معراب؟ يجيب الشيخ نديم «ليست الوحدة برأيي في الشكل فقط. وبالتالي، صعودي الى معراب ليس معناه أن الإلتقاء تمّ وليس معنى عدم صعودي أننا لم نلتقِ. العام الماضي لم أصعد يوم قداس الشهداء الى معراب... « نقاطعه: هل يجوز ألا يشارك إبن بشير في قداس شهداء المقاومة المسيحية؟ يجيب: «لم أدعَ... لم تكن هناك دعوات... في كلِ حال، نحن والقوات اللبنانية في خندق واحد، ومعنا أشرف ريفي وميشال معوض، بغضّ النظر إذا إجتمعنا أم لا، ولا إذا شكلنا جبهة وأعلناها أم لا. المظاهر الشكلية جميلة لكن ما يهمنا الآن هو اللبّ. وفي اللبّ هناك قضية مشتركة ندافع جميعنا عنها».

لكن، ألا يحتاج من هم في «خندق واحد» الى إعلان تحالفهم وتنسيق أفكارهم والأسلوب الذي سيواجهون به؟ يجيب «هذا موجود. ونحن متفقون استراتيجياً، أما في الأمور التكتيكية فلكل واحد خياراته. فقد يقرر أحدنا حضور جلسات في حين قد يرفض الفريق الآخر ذلك. ما يمكن قوله أن لدينا جميعا إيماناً مشتركاً أن البلد في أمسّ الحاجة الى إنقاذ وجهد مشترك».

هل إستحقاق رئاسة الجمهورية هو اليوم «جامع الأضداد»؟ يجيب الجميل «لا، علاقتنا هي أبعد من إستحقاق. إنها علاقة سابقة وحالية ومستقبلية ويجب أن تدوم وأن تكون صلبة تمكننا من مواجهة المخاطر التي تمرّ فيها البلاد وبينها، لا بل اهمها، موضوع حزب الله وسيطرته على الدولة، وأخذه لبنان الى محور لا يشبهه». هل سنشهد قريباً إعلان صريح للإلتقاء القواتي- الكتائبي؟ «كل شيء وارد وأعتبر أن عمق العلاقة أكثر رسوخا من الشكليات».

سمعنا الدكتور سمير جعجع يتوجه إليك في كلمته في قداس الشهداء في معراب بقوله: حين يكون نديم هنا يضحك؟ يجيب بابتسامة «أنا أضحك دائما في معراب وفي كل مكان». نفس الضحكة؟ طبعاً.



فشل العهد

العماد ميشال عون وعد بمفاجأة في اللحظة الأخيرة، فما رأي الشيخ نديم؟ هل يتوقعها؟ يجيب «في البداية، فشل ميشال عون بكل ما فعله في عهده. لم يحقق أي إنجاز. والطريقة التي تصرف بها في ادارة البلاد طوال ستة اعوام أتت فاشلة وعاطلة جدا. واذا كان يفكر ميشال عون ان يبقى من بعد نهاية عهده فلن يستطيع. حين ينتهي عهد عون سيذهب الى البيت، وإذا كان يعتقد انه قادر على تعيين صهره في حكومة انتقالية كما تصرف قبل 33 عاماً فنقول له أننا سنقبعه هو وصهره من القصر. ميشال عون هو من أوصل البلاد الى ما وصلت إليه. فساده وفساد صهره وكل الكذب وسوء ادارة الامور وتغطية المحور الذي أتى به الى الرئاسة. حان الوقت ان يعرف ان عليه ان يذهب الى البيت». الكلام سهل، ماذا عن الوسيلة؟ كيف «ستقبعون» من يبقى في القصر بغير حقّ؟ ماذا لو واجهكم بالجيش وربما بسلاح «حزب الله»؟ يجيب «لا نخاف احداً. إرادة الشعب يومها ستكون أقوى. فليحاول أن يبقى فوق وسوف يرى ماذا سيحدث».القاضي الرديف

ماذا عن القضاء والقاضي الرديف؟ كيف يقرأ تلك الخطوة بصفته محامياً أولاً؟ يجيب «هذه هرطقة قانونية ودستورية، يحاولون تمريرها من ان أجل حماية المجرمين والمساجين والموقوفين. هذا لا يجوز مطلقاً. دمروا كل المؤسسات». لكن، هل يعقل أن يكون رئيس الجمهورية شريك هؤلاء؟ يجيب الشيخ نديم «هذا هو تاريخ ميشال عون. هذا هو نهجه. إنه يطلق عناوين جذابة رنانة لكن نتائجها الواقعية كارثية». ماذا يمكن والحال هكذا أن نقول الى أهالي ضحايا المرفأ؟ «نقول لهم العدالة معركتنا لكنها بحاجة الى جهود كثيرة فليصبروا» ويستطرد «حزب الله يحاول تعطيل القضاء بشكل ممنهج والآن يحاول ذلك من خلال تعيين قاضٍ رديف ولن ينجح. لن نسمح أن ينجح. فلا شيء في القانون اسمه القاضي الرديف. ما يقومون به غير قانوني ولا دستوري».

وزير العدل هنري خوري رأيه مختلف... يقاطعنا الجميل بقوله: «لأنه حرتقجي. هو أتى بأجندة لا تمت للعدل والعدالة. هي أجندة نهج الممانعة. معروف كيف عمل رئيس مجلس الشورى ولماذا أتوا به وزيراً ولماذا يفعل اليوم ما يفعله».

يقال أننا دخلنا أسوأ خمسين يوماً. فكيف يراها نديم الجميل؟ يجيب «أرى أن ميشال عون سيبدأ «يبلعط» في كل الإتجاهات أكثر ويحاول أن «يهبش» أكثر. وما سيتمكن من تمريره سيمرره ولن يقصّر. وعلينا أن نفتح أعيننا جيداً في الأيام المقبلة لأنه سيحاول تمرير الأعاجيب».

هل ستمرّ «التمريرات» بلا دم؟ يجيب «هناك تحديات كبيرة لوصول كل طرف الى 65 نائباً. وإذا شعر الفريق الممانع بأن بيضة القبان تميل نحونا وقد نأتي برئيس غير تابع له فسيكون هناك خوف كبير على النواب السياديين. نخشى أن يتكرر ما حدث في العام 2008 يوم راحوا يصطادون النواب السياديين مثل العصافير».

يتحدث الجميل «أن نواب القوات والكتائب والنواب الجدد (لا يحب تسميتهم تغييريين أو نواب الثورة) ونواب جنبلاط إذا اجتمعوا فسيتمكنون من تغيير المعادلة التي يرسمها الممانعون». ويقول «هناك لقاءات علنية وغير علنية مع الجميع». هل علينا أن ننتظر مفاجآت؟ هل سنسمع عن أسماء جدية تطرح لرئاسة الجمهورية من قبلكم؟ يجيب «نحن نفتش عن الشخصية المناسبة القادرة على فرض معادلة جديدة. ونحن نحكي اليوم عن نهج الشخص المناسب ومن يملك القدرة لكن لا حظوظ له ومن يملكها وحظوظه أكثر».

في الختام، لو قُدّر لنديم الجميل أن يبعث برسالة الى الحلم البشير ماذا يقول له فيها؟ يجيب «هو يعرف كل شيء، وكل ما يدور، لكني خائف أن يكون يتألم».