بشارة شربل

"القاضي الرديف"... "بدعة" الإستزلام والتضليل

12 أيلول 2022

02 : 00

مهما قلَّبنا موضوع "القاضي الرديف" على وجوهه نعود الى نقطة البداية. وهي أنّ المنظومة الحاكمة لا تريد تحقيقاً في جريمة النيترات كونها متورطة ببعض وزرائها ونوابها وأمنييها وموظفيها، أقلّه بجريمتي "التخزين" و"التقصير" والتسبّب بإزهاق أرواح 220 مواطناً ومقيماً وتهجير مئات آلاف الساكنين.

إقتراح وزير العدل تعيين "الرديف" مُشين ومَعيب. فلا اجتهاد قانونياً يتيحه مهما تذرع الوزير بفذلكات وسوابق لا تستقيم، ولا الأخلاق تسمح بـ"بدعة" حقوقية يسير بها مجلس القضاء نزولاً عند رغبة ضعفاء النفوس وضغوط أهل السلطة وسماسرتهم المحترفين.

القاضي بيطار رجل شجاع ومهني، لا يحتاج شهادةً من أحد. ولأنه رفض أن يلين وأن يعتبر التفجير المريع حادثاً مؤسفاً يُلقى عبئه على شركات التأمين، جرت محاولات قبعه بالتهديد والوعيد، ثم كان مشروع "فتنة الطيونة" الذي أحبطه الجيش اللبناني. بعدها كرّت سُبحة "الزعبرات"، تارةً بسيل طلبات الردّ المنافية لأصول استعمال الحقّ، وطوراً بحجز تعيينات غرف التمييز بواسطة وزير مال كان ولا يزال "زلمة" رياض سلامة فكيف لا يكون بيدقاً في يد "الثنائي"؟.

لا أحد يقبل حجز حرية مشتبه بهم أو مدَّعى عليهم من غير استكمال التحقيقات وإجراء المحاكمات ليبرَّأ البريء ويُدان المذنب. ولا يتعلق الأمر بموظفي المرفأ فحسب، بل أيضا بـ"اسلاميي" طرابلس وهنيبعل القذافي وأيّ موقوف له الحقّ باجراءات التقاضي الطبيعية، غير أن ما افتعله هنري خوري نزولاً عند أوامر "العهد القوي" يكاد يساوي ارتكاب يوسف خليل. هو محاولة تضليل مشبوهة ومفضوحة وملوّثة بالتسييس هدفها حرف المشكلة عن جوهرها وهو إعاقة عمل القاضي بيطار، وإحداث شرخ بين أهالي الضحايا وأهالي الموقوفين ينفذ منه قاض عبدٌ لأسياده العبيد بهدف ضرب التحقيق الأساسي.

"إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا" حكمةٌ غابت عن ذهن وزير العدل. لذلك توّج تآمره على المحقّق العدلي باتهام الأهالي المفجوعين بالتسييس والتبعية لأطرافٍ وسفارات. هذا عيبٌ لا يليق بحاضرك، يا معالي الوزير، اذا كنت تعتبر نفسك أهلاً للمنصب الذي تشغله، وهو يشوِّه تاريخك المهني اذا كان لديك فيه انجازاتٌ تُذكر.

كنا نعلم منذ يوم 4 آب بأنّ القضاء اللبناني عاجزٌ عن التحقيق وإحقاق الحق لأنّ لا مناعة لدى الجسم القضائي تجاه الضغوط، ولأنّ لا دولة تحميه، وما زلنا ننادي بتحقيقٍ دولي. لكننا نرفض اليوم أن يستمرّ التلاعب بالقضاء الى حدّ يُفقد اللبنانيين أيّ أمل بما تبقّى من مؤسسات، مثلما نرفض تحدّي إرادة أهل الضحايا وأكثرية اللبنانيين التي ترفض الاستسلام لسياسة الإفلات من العقاب، وتتطلّع الى التخلّص من حالة شاذة من شأن انتصارها على العدالة ضرب مسمار إضافي في نعش العيش المشترك والكيان.