ستيفاني بينر

زراعة نسخ مصغرة جديدة من العضو نفسه داخل جسم الإنسان للمرة الأولى

17 أيلول 2022

المصدر: L'EXPRESS

02 : 00

خلال الأسابيع المقبلة، سيصبح متطوع من بوسطن، ماساتشوستس، أول شخص يجرّب علاجاً جديداً قد يُمهّد لإنتاج كبد ثانٍ في الجسم. إنها بداية سلسلة من التجارب الأخرى، إذ من المنتظر أن يختبر متطوعون آخرون في الأشهر المقبلة جرعات قد تنتج حتى ستة أكباد في أجسامهم. تأمل شركة LyGenesis المسؤولة عن هذا العلاج في إنقاذ حياة المصابين بأمراض مستعصية في الكبد وغير المؤهلين لزراعة الأعضاء. تقضي مقاربتها بضخ خلايا كبدية من متبرّع في العُقَد اللمفاوية داخل جسم المريض، ما قد ينتج أعضاء مصغرة وجديدة بالكامل. يُفترض أن تعوّض هذه الأكباد المصغّرة عن الكبد الأصلي المريض. تبدو هذه المقاربة فاعلة مع الفئران والخنازير والكلاب، وسنكتشف قريباً مدى فاعليتها مع البشر.

إذا نجحت هذه التقنية فعلاً، قد نحصل على علاج ثوري بمعنى الكلمة. تتراجع أعداد أعضاء المتبرعين اليوم، ولا يمكن استعمال جزء كبير منها لأن الأنسجة تكون متضررة أكثر من اللزوم أحياناً. لكن قد تستعمل المقاربة الجديدة الأعضاء غير النافعة في الحالات العادية، ويظن الباحثون أنهم يستطيعون تأمين العلاجات لحوالى 75 شخصاً انطلاقاً من عضو واحد من المتبرعين.

تقول فاليري غون إيفانز، عالِمة أحياء متخصصة بالخلايا الجذعية لم تشارك في البحث الجديد ولا علاقة لها بالشركة التي تشرف على التجارب: "هذه النتائج واعدة جداً. أشعر بسعادة عارمة... بدأت هذه الفكرة تزداد شيوعاً في الأوساط العيادية".

تعطي شركة LyGenesis الأولوية للكبد. في آخر عشر سنوات، جمع فريق البحث أدلة واعدة مفادها أنهم يستطيعون استعمال مقاربتهم لزراعة أكباد جديدة ومصغّرة لدى الفئران والخنازير والكلاب. لا تنمو هذه الأكباد إلى أجل غير مُسمّى، إذ يشمل الجسم نظاماً داخلياً يوقف نمو الكبد في مرحلة معينة، وهذا ما يفسّر عدم نمو الكبد السليم بدرجة مفرطة عند تجدّده.

أثبت فريق البحث الذي أجرى التجارب على فئران مصابة بخلل وراثي في الكبد أن معظم الخلايا التي يتم ضخها في العقدة اللمفاوية تبقى في مكانها، لكن ينتقل بعضها إلى الكبد إذا بقيت فيه أنسجة سليمة بما يكفي. تستطيع هذه الخلايا المتنقلة أن تساعد نسيج الكبد المتبقي على تجديد نفسه والتعافي. في هذه الحالة، ينكمش الكبد المصغّر الجديد في العقدة اللمفاوية، ويبقى عدد الأنسجة الكبدية الإجمالي متوازناً.

ركّزت دراسات أخرى على خنازير وكلاب تغيّرت لديها كميات الدم التي تصل إلى الكبد، ما أدى إلى موت العضو. في نهاية المطاف، يسمح ضخ الخلايا الكبدية في العُقدَ الليمفاوية الحيوانية بإنقاذ وظيفة الكبد.

في الدراسة على الخنازير مثلاً، حوّل العلماء في البداية كميات الدم بعيداً عن الكبد لدى ستة حيوانات عن طريق الجراحة. وبعد تعافي الخنازير من الجراحة، حقنوا خلايا كبدية سليمة في العقد اللمفاوية. تراوحت الجرعات بين 360 مليون خلية في العقد اللمفاوية الثلاث و1.8 مليون خلية في 18 عقدة لمفاوية.

خلال بضعة أشهر، حملت جميع الحيوانات مؤشرات على التعافي من أضرار الكبد، وكشفت الفحوصات أن وظيفة الكبد لديها تحسنت. وعندما قام العلماء لاحقاً بفحوصات خزعة على الحيوانات، بدت الأعضاء الجديدة في العقد اللمفاوية مشابهة جداً للأكباد المصغرة والسليمة، علماً أن كل كبد منها كان يساوي حوالى 2% من حجم الكبد الطبيعي لدى الراشدين. كذلك، تذكر دراسات أخرى أن العلاج يعطي منافعه خلال ثلاثة أشهر تقريباً.

يقول مبتكر الأدوية ومؤسس شركة LyGenesis، مايكل هافورد: "مع مرور الوقت، تختفي العقدة اللمفاوية بالكامل، ولا يتبقى إلا كبد مصغّر ومليء بالأوعية الدموية لدعم وظيفة الكبد الأصلي عبر تسهيل تصفية الدم لدى الحيوان. هذا ما نحاول فعله الآن مع البشر أيضاً".

من المنتظر أن يجرّب فريق شركة LyGenesis علاجه على 12 شخصاً راشداً من المصابين بالمراحل الأخيرة من أمراض الكبد وغير المؤهلين لزراعة هذا العضو. يكون هؤلاء المرضى مصابين بفشل كبدي مزمن يزداد سوءاً مع مرور الوقت. تموت خلايا الكبد في هذه الحالة، وتُستبدَل الأنسجة السليمة بأخرى ندبية. نتيجةً لذلك، تتراكم العناصر الضارة التي يصفّيها الكبد في العادة، مثل الأمونيا، في الدم. وعندما يتوقف الكبد عن تصنيع المواد التي تساعد الدم على التخثر، قد ينزف الناس وتتشكل لديهم الكدمات بسهولة. كذلك، يكون المصابون بهذا المرض معرّضين للسكري والالتهابات وسرطان الكبد.

غالباً ما يوصي الأطباء بزراعة الكبد لمن يواجهون هذا الوضع تحديداً، لكن يتراجع عدد المتبرعين للقيام بهذه العملية. قد يموت حوالى 10% من الناس وهم ينتظرون الخضوع لزراعة الكبد قبل أن يحصلوا على العضو الذي ينتظرونه. وتتدهور حالة عدد كبير من المصابين بأمراض حادة، ما يمنعهم من الخضوع لهذا النوع من العمليات الخطيرة.

يقول الجراح المتخصص بزراعة الأعضاء، باولو فونتيس: "نحن نُخرِج أكبر عضو في الجسم خلال هذه العملية ونفتح جسم المريض ونرفع ضلوعه". إنها عملية خطيرة إذاً لأي شخص مريض وضعيف وتتراجع لديه قدرات تخثر الدم.

لهذه الأسباب، يلجأ فريق البحث في شركة LyGenesis إلى مقاربة غير غازية بالقدر نفسه. يدسّ الجراح خلايا الكبد السليمة هذه المرة عبر المنظار (أنبوب يتم إدخاله إلى الجسم عبر الحلق). تُوجّه الموجات فوق الصوتية هذا الأنبوب. وعندما يصل إلى العقدة اللمفاوية المستهدفة، يستطيع الجراح أن يحقن الخلايا فيها مباشرةً.

تشتق الخلايا بحد ذاتها من أكباد المتبرعين المرفوضة، أي الأعضاء التي تبرّع بها الناس لكن لا يمكن استعمالها. أحياناً، لا يعود الكبد سليماً بما يكفي لزرعه في جسم شخص آخر عند الإعلان عن موت المتبرع دماغياً. لكن رغم العجز عن استعمال العضو، يمكن الاستفادة من خلاياه.

تقول غون إيفانز: "يُعتبر استعمال هذه الأعضاء غير القابلة للاستخدام لمساعدة المرضى إنجازاً ثورياً".

بما أن فريق البحث في شركة LyGenesis يحتاج إلى عدد صغير من الخلايا لكل علاج، يُفترض أن يتمكن، نظرياً، من إنتاج علاجات كافية لـ75 شخصاً أو أكثر انطلاقاً من كبد واحد.

ستختبر التجربة العيادية المرتقبة مدى سلامة العلاج وتبحث عن منافعه الصحية لدى المتطوعين. وسيتلقى أول متطوع جرعة ميليمتر واحد فيها حوالى 50 مليون خلية.

أما المتطوع الثاني، فهو يتلقى الجرعة نفسها بعد سبعة أيام، فيحصل الفريق الطبي على أسبوع كامل لرصد أي مشاكل محتملة. وبعد تلقي المتطوعين الأربعة أصغر جرعة، سيتلقى أربعة آخرون ما مجموعه 150 مليون خلية في ثلاث عُقَد لمفاوية. ثم سيتلقى آخر أربعة متطوعين 250 خلية في خمس عُقَد لمفاوية في المرحلة الأخيرة. إذا سارت التجربة بالشكل المُخطط له، سيحصل آخر أربعة أفراد على خمسة أكباد مصغرة بالإضافة إلى كبدهم الأصلي.

إنها أعداد صغيرة من الخلايا مقارنةً بتلك المستعملة في الدراسة على الخنازير، لذا من المستبعد أن يتحقق أي تحسّن لدى من تلقوا 150 مليون خلية فقط قبل مرور بضعة أشهر.

لكن حتى أصغر أعداد الخلايا تستطيع أن تعالج أمراض الكبد مع مرور الوقت. قد تصبح خلية واحدة كافية لإعطاء المفعول المنشود. حين تحصل على الوقت الكافي، قد تتوسع وتنمو، وتتكاثر، وتسمح بتجديد الكبد خارج مكانه الأصلي في نهاية المطاف.

من المتوقع أن يخضع المتطوعون في هذه التجربة لمراقبة مشددة، فيُقيّم الباحثون عينات الدم بحثاً عن مؤشرات على تحسّن وظيفة الكبد، ويتعقبون أي تحسّن محتمل على مستوى الطاقة، والقدرات المعرفية، ونوعية الحياة عموماً. يقول هافورد: "يخضع كل مريض للدراسة طوال سنة كاملة. نأمل في استخلاص النتائج خلال أقل من سنتين".

بما أن جميع المتطوعين يتلقون الخلايا من أشخاص آخرين، هم يحتاجون إلى أخذ أدوية مثبطة للمناعة طوال حياتهم لمنع الجهاز المناعي من رفض الأكباد المصغرة الجديدة، بما يشبه علاج من يخضعون لزراعة الأعضاء.

لكن أعلنت LyGenesis حديثاً عن تعاونها مع شركة iTolerance التي تطوّر تقنيات تسمح بالاستغناء عن تثبيط المناعة عبر استعمال الأدوية. بدأ الباحثون في الشركة يختبرون مقاربتهم على القرود التي تلقت خلايا بنكرياس جديدة لمعالجة السكري. يأمل هافورد في تجربة العلاج يوماً على البشر تزامناً مع حَقْن خلايا الكبد، مع أن هذه المرحلة من التجارب ليست قريبة بعد.

إذا أعطى علاج الكبد النتائج المنشودة، تُخطط شركة LyGenesis لإجراء تجارب على خلايا أخرى أو حتى زراعة أعضاء من نوع آخر. يوضح هافورد: "لقد تمكّنا من زرع الكلى والغدد الزعترية خارج موقعها الأصلي، فضلاً عن خلايا بيتا البنكرياس، لتسهيل تنظيم مستويات سكر الدم لدى الحيوانات المصابة بمرض السكري". برأي غون إيفانز، قد تسهم مقاربة الشركة أيضاً في زرع العضيات لدى البشر: إنها كتل صغيرة من الخلايا التي تكون مشابهة للأعضاء وتنمو في المختبرات.

في النهاية، يؤكد هافورد على أن البرنامج لا يزال في بدايته.