بشارة شربل

"صبرا وشاتيلا"... تذكيرٌ خارج السياق

19 أيلول 2022

02 : 00

غالباً ما يكون السيد حسن نصرالله أكثر إقناعاً وتماسكاً في كلّ ما يتطرق إليه مهما طالت خطبته او تنوّعت كلمته. وبقدر وضوحه بشأن الترسيم واستخراج الغاز من كاريش، فإنّ الصفتين خانتاه في أربعينية كربلاء حين استحضر مجزرة صبرا وشاتيلا حُجَّة على الأحزاب المسيحية المناهضة لمشروع الهيمنة على لبنان.

استعادة تاريخ الحرب اللبنانية ونبش الماضي ونكء الجراح مسألةٌ سهلة على الأطراف جميعها. لكن لكلّ مجزرة وجهاً صالحاً للمقارنة. فـ"مجزرة الكرنتينا" مثلاً قابلتها "مجزرة الدامور". أما إدخال "مجزرة صبرا وشاتيلا" في سجال "ثقافة الحياة" وما تمثله فرقة "مياس" لكلّ فئة في لبنان فأشبه باستهداف ذبابة بصاروخ، أو خلط مقصودٌ لشعبان برمضان.

"صبرا وشاتيلا" مجزرة شنيعة وتصنيفها واضح. إنها "جريمة ضد الإنسانية" لا تسقط بمرور الزمن وتبقى وصمة عار في تاريخ من ارتكبها أو حرّض عليها أو تحالفَ في الانتخابات مع أحد المتهمين فيها بعدما غُسلت ذنوبه وأُسبغت عليه المناصب والألقاب. لا نريد المبالغة في تشبيهها بجرائم النازية المليونية راجعين أكثر من ثمانين سنة الى وراء، ولا بجريمة "سربينيستا" التي ارتكبها الصربيون "الممانعون" بحقّ مسلمي البوسنة وأودت بثمانية آلاف في 1995، ولا بالمقابر الجماعية التي يخلّفها فلاديمير بوتين في "ايزيوم" ومدن اوكرانية أجلي عنها، لكن من حقها أن تقارَن حجماً وهويةً بمجزرة "مخيم اليرموك" التي لم تجفّ دماء نحو 4500 فلسطيني أصيبوا خلالها، بينهم 1475 قتيلاً تم احصاؤهم بالأسماء والعناوين.

كان أجدى لو أبقى السيد نصرالله السجال بلدياً صرفاً. فلا مصلحة لتوأمه في "الثنائي" إن تَذكّرنا "حرب المخيمات" وشهادات يندى لها الجبين، ولا فخر لـ"حزب الله" إذا فُتح موضوع مشاركته في "اليرموك" وقيادتِه حصار مضايا وتجويع أطفالها، ناهيك عن سلسلة من الوقائع العنفية والاتهامات على مدى أربعين عاماً من رحلة ضمختها دماء الشهادة ضدّ العدو الاسرائيلي، مثلما لوّثها اقتراف أبشع من 7 أيار.

لم يكن مناسباً إطلاق المقارنة غير الموفّقة في التوقيت أيضاً. صحيح انّها صادفت الذكرى الأربعين لـ"صبرا وشاتيلا"، لكنها تتزامن مع تدشين عهد جديد من المصالحة والتحالف بين "حماس" والنظام السوري برعاية حثيثة من "حزب الله"، باعتبار أن "ضرورات" قمع الثورة السورية وتحالف غزة مع طهران تجيز "محظورات" تهجير نصف الشعب السوري وتسوية مخيمي اليرموك ودرعا الفلسطينيين بالأرض!

الأرجح أن السيد نصرالله ما كان يردّ على حديث "لبناننا" و"لبنانكم" فحسب. فحزبه رائدٌ في نهج الفصل لا الوصل وفي تفريغ الفضاء المعرفي اللبناني من المشتركات التي سعت إليها الأحزاب اليسارية قبل "الحرب الأهلية"، وحاول الشهيد رفيق الحريري توسيعها عبر تعليم 30 ألفاً بلا تمييز، لكنّه كان يرد عملياً على "الاستنهاض البشيري" الذي ظهر في معراب وساحة ساسين ولا بدّ من أن يقلق حكم المنظومة القائم منذ بدء الوصاية السورية على تطويع الخط السيادي المسيحي واستتباع الموالين.

التذكير بصبرا وشاتيلا يفتح الباب لتوسيع تداعيات الذاكرة والآلام ولا ينجو منه لا "حزب الله" ولا أيّ طرف شارك في حروب لبنان المتناسلة. هو حقٌ انساني عام مُلك أهل السلم ومنظمات الدفاع عن حقوق الانسان يُستذكر لاستخلاص العبر وليس لتحريض شعب أنجزت قيادته الشرعية المصالحة مع خصمها اللبناني ومع طائفة شريكة في الوطن قررت دفن الأحقاد والمناداة بمشروع الدولة، ولا يوقظ الوجه السلبي من "بشيريّتها" إلا استفزاز الإصرار على استكمال الهيمنة وامتهان الدولة والتذرّع بقضية فلسطين فيما المجازر وأشلاء الفلسطينيين موزّعة على الجميع بالعدل والقسطاس.