شانون تيزي

هل تقطع الصين علاقاتها مع روسيا بسبب أوكرانيا؟

20 أيلول 2022

المصدر: The Diplomat

02 : 00

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) | أوزبكستان، 16 أيلول 2022
خلال أول رحلة خارجية للرئيس الصيني شي جين بينغ منذ كانون الثاني 2020، لم يصبّ التركيز على تفاعلاته مع المسؤولين في البلدَين المضيفَين، كازاختسان وأوزبكستان، بل توجهت أنظار العالم إلى لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة "منظمة شنغهاي للتعاون" في سمرقند، وهو أول اجتماع مباشر بين الزعيمَين منذ بدء الغزو الروسي الواسع لأوكرانيا في 24 شباط.

إلتقى شي جين بينغ وبوتين آخر مرة في 4 شباط، في بكين، حيث كان بوتين يحضر حفل افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية. في تلك الفترة، أعلن الرئيسان في بيان مشترك أن "الصداقة بين الدولتَين لا حدود لها".

لكن تغيّرت الظروف بطريقة جذرية منذ أول أسبوع من شهر شباط، أبرزها انشغال روسيا بخوض الحرب مع أوكرانيا غداة إرسال حشد كبير من الجنود إلى الحدود، بعد ثلاثة أسابيع فقط على لقاء الرئيسَين في بكين، وتتخذ الحرب مساراً سيئاً لموسكو منذ ذلك الحين. في غضون ذلك، تخضع روسيا لعقوبات غير مسبوقة من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان، وأستراليا، وجهات أخرى، وبدأ الدعم الصيني لبوتين ينعكس سلباً على صورة بكين في أوروبا.

أمام هذا الوضع، إلى أي حد تغيرت مواقف الرئيس الصيني خلال اجتماعاته مع بوتين؟

ما لم يتغيّر هو إصرار الرئيسَين على اعتبار بلدَيهما شريكَين مقرّبَين. وفق بيان وزارة الخارجية الصينية، قال شي جين بينغ لنظيره الروسي: "في ظل التغيرات التي يشهدها العالم والعصر الراهن والتاريخ عموماً، ستسعى الصين إلى التعاون مع روسيا كي ينفّذ البلدان مسؤولياتهما بصفتهما من الدول الكبرى وكي يضطلعا بدورهما لترسيخ الاستقرار في عالمٍ عنوانه التغيير والفوضى". يريد الرئيسان توحيد جهودهما لمحاولة استبدال النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة بنظام جديد وأكثر "ديمقراطية وعدلاً". هذه المصلحة الأساسية لم تتغير، وما من مؤشر صريح على استياء بكين من روسيا في ملخّص الاجتماع الذي طرحته الصين.

لكن تحمل المواقف التي لا يُعبّر عنها الطرفان أهمية كبرى. لم يعد البلدان يتكلمان صراحةً عن سعيهما إلى إعادة تشكيل النظام العالمي الراهن، أي التعاون المبني على "تطوير النظام الدولي والحوكمة العالمية وأخذهما في اتجاه منطقي وأكثر عدلاً"، كما قال شي جين بينغ لبوتين خلال مكالمة هاتفية جمعتهما في 15 حزيران. لا تزال الصين تتمنى أن تعيد توجيه مسار تطور النظام العالمي، لكنها قررت على الأرجح ألا تجاهر بسعيها إلى تحقيق هذا الهدف مع روسيا (حتى الآن على الأقل).

يكفي أن نقارن الصمت المطبق حول التعاون الاستراتيجي اليوم بكلام الرئيس الصيني خلال اجتماعه مع بوتين في 4 شباط، فقد قال حينها: "تبقى الصين وروسيا ملتزمتَين بتعميق تنسيقهما الاستراتيجي للدعم المتبادل... لم يتخلَ البلدان عن هذا الخيار سابقاً ولن يتخلّيـــــــا عنه يوماً".

شدّد شي جين بينغ على توجّه الصين للتعاون مع روسيا لتبادل الدعم في المسائل المرتبطة بمصالح البلدَين المحورية، وقد يحمل هذا الموقف إشارة إلى أوكرانيا. لكن تتعلق "المصلحة المحورية" الوحيدة التي ذكرها الطرفان صراحةً بتايوان ومبدأ "الصين الواحدة"، فقد أعادت روسيا التأكيد على "التزامها القوي بمبدأ "الصين الواحدة" واستنكارها لأي تحركات استفزازية من جانب البلدان الفردية في المسائل التي تخصّ مصالح الصين المحورية"، في إشارة واضحة إلى الالتزام الأميركي الصريح بدعم تايوان في الأسابيع الأخيرة. لكن لا وجود لأي موقف مماثل للتعبير عن دعم الصين لروسيا في أوكرانيا، حتى أن البلد لم يعد يذكر العبارة المبهمة التي وردت في محادثات سابقة حول "مخاوف روسيا الأمنية المشروعة".

حتى أن البيان الروسي المرتبط باجتماع بوتين وشي جين بينغ ذكر "موقف الصين المتوازن بشأن أزمة أوكرانيا". وبحسب نسخة الكرملين، قال بوتين لنظيره الصيني: "نحن نتفهم أسئلتكم ومخاوفكم في هذا الملف".

يحمل اعتراف بوتين "بالأسئلة والمخاوف" التي تطرقت إليها الصين بشأن الحرب في أوكرانيا دلالات بالغة الأهمية. لكن من اللافت أيضاً ألا تذكر الصين شيئاً عن تلك المخاوف بنفسها، بل إنها تفضّل أن تتظاهر بأن الحرب غير موجودة. لم يذكر البيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية الصينية شيئاً عن أوكرانيا.

في المقابل، ذكرت وزارة الخارجية الصينية في البيان المرتبط بالمكالمة التي جمعت الرئيسَين، في 15 حزيران، أنهما "تبادلا أيضاً الآراء حول أحداث أوكرانيا. شدّد شي جين بينغ على نزعة الصين الدائمة إلى تقييم الوضع بطريقة مستقلة، وعلى أساس السياق التاريخي للأحداث وتفاصيل الموضوع، وهي تحرص دوماً على نشر السلام في العالم وترسيخ استقرار النظام الاقتصادي العالمي".

وفي مكالمة بتاريخ 25 شباط، أي في اليوم الذي تلا بدء الغزو، قال الرئيس الصيني لنظيره الروسي: "الصين تُحدد موقفها من أحداث أوكرانيا بحسب معاييرها الخاصة. من الضروري أن نرفض عقلية الحرب الباردة، ونتعامل بجدّية مع المخاوف الأمنية التي تحملها جميع البلدان، ونتوصل إلى آلية أمنية أوروبية متوازنة وفاعلة ومستدامة عن طريق التفاوض".

عند مراجعة هذه المواقف كلها، بين شباط وحزيران وصولاً إلى شهر أيلول، من الواضح أن الصين تراجعت بكل سلاسة عن دعمها الشائك أصلاً للموقف الروسي. كذلك، تحمل جميع المكالمات الهاتفية نمطاً مشتركاً: تبدي روسيا صراحةً استعدادها لإدانة التحركات الأميركية ضد تايوان التي تبقى من أهم مصالح الصين المحورية. في المقابل، يتراجع استعداد الصين للقيام بالمثل في ملف أوكرانيا. توحي هذه المواقف عموماً بأن روسيا تدعم الصين بالكامل، بينما تمتنع الصين عن التمسك بالتزامات محددة.

إنطلاقاً من بيانات الاجتماع الأخير، استنتج سيرغي رادشينكو، أستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة "جونز هوبكينز" وخبير في السياسات الخارجية الصينية والروسية، أن "بوتين يبدو يائساً، وكأن شي جين بينغ هو الذي يتخذ القرارات الحاسمة الآن. بدأت هذه العلاقة تخسر توازنها سريعاً".

لكن يتعارض هذا الرأي بشدة مع التقارير الأخيرة التي تلت زيارة لي تشان شو إلى روسيا، في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع. لي هو رئيس اللجنة الدائمة في "المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني" وثالث أهم مسؤول صيني، وقد أشار إلى استمرار "التنسيق الاستراتيجي" بين الصين وروسيا وبلوغه "مستوىً غير مسبوق"، وفق مصادر وكالة الأنباء الصينية الحكومية "شينخوا".

مجدداً، لم يذكر الملخص الصيني عن رحلة لي شيئاً عن أوكرانيا، على عكس البيان الروسي الذي سبّب ضجة مدوّية، فقد ذكر مجلس الدوما أن لي أخبر المشرّعين الروس بأن "الصين تتفهم روسيا وتدعمها في المسائل التي تخدم مصالحها الحيوية، لا سيما في الشأن الأوكراني".

يُعبّر هذا الموقف عن دعم غير مسبوق من الصين لروسيا في الملف الأوكراني، أقلّه في العلن. لم تصرّح الصين بأنها "تدعم" روسيا في أوكرانيا، بل عبّرت بكل بساطة عن تفهمها لموقف روسيا (ما يعني أنها تتعاطف معها ضمناً). كذلك، أنكرت الصين تقديم أي "مساعدات" لتقوية الجهود الروسية الحربية في أوكرانيا، لذا تفاجأ العالم بتأكيد لي على عكس ذلك.

شــــــــانــــــــون تــــــــيــــــــزي

يثبت حرص الصين على عدم ذكر أوكرانيا في بياناتها أن بكين تفضّل عدم تسليط الضوء على هذا الجانب من زيارة لي. لكن تبنّت موسكو مقاربة معاكسة لأنها تريد أن يعرف الجميع أنها تحظى بدعم قوة عالمية بارزة. لكن استاءت الصين على الأرجح من تداول هذه المواقف علناً لأنها لا تريد أن توحي بأنها تدعم موسكو بالكامل.

في هذا السياق، قد يعطي تكلّم بوتين عن "أسئلة الصين ومخاوفها" حول أوكرانيا أثراً عكسياً. لقد بالغت روسيا في التعبير عن دعم الصين لها بعد الاجتماع مع لي، وستواجه عواقب فعلتها حين تضطر الصين للتعبير عن تحفظاتها بعد القمة الرئاسية بين بوتين وشي جين بينغ.

لكن يُفترض ألا يعتبر أحد هذا التغيير في اللغة المستعملة مؤشراً على قطع العلاقات مع روسيا قريباً بسبب الملف الأوكراني. بغض النظر عن الشكوك التي تحملها الصين تجاه هذه الحرب، يبدو أنها لم تكن كافية لمنع بكين من عقد "شراكة استراتيجية شاملة" مع بيلاروسيا، شريكة روسيا الأساسية في حرب أوكرانيا، بعد يوم على اجتماع شي جين بينغ وبوتين.

في نهاية المطاف، تبقى روسيا حليفة مهمة للصين ضد الولايات المتحدة، ما يمنع بكين من توجيه أبسط الانتقادات إليها. عملياً، تحاول الصين أن تبني جدار حماية للتمييز بين علاقتها مع روسيا وحرب بوتين في أوكرانيا.

قال بوتين خلال اجتماعه مع نظيره الصيني: "يشهد العالم تغيرات متعددة، لكنّ المسألة الوحيدة التي لم تتبدّل فيه هي الصداقة والثقة المتبادلة بين روسيا والصين. تبقى شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين البلدين قوية كالجبال". في المقابل، لا شيء في مواقف الرئيس الصيني يبرر التشكيك بهذا التوجه.


MISS 3