أدهم منصور

لا أجر من دون عمل

20 أيلول 2022

02 : 00

على الرغم من التحذير الصريح الذي أطلقه رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان من أن أي توجه للمجلس النيابي إلى زيادة النفقات في مشروع الموازنة العامة للعام 2022، لا يمكن تغطيته عبر إيرادات إضافية غير متوفرة، لا سيما أن العجز بلغ 13 ألف مليار ليرة لبنانية في حال اعتُمد الدولار الجمركي على سعر صرف 12 ألف ليرة، يبدو أن غالبية أعضاء المجلس النيابي سيوافقون على الطرح الذي تقدم به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أثناء مناقشة الموازنة العامة للعام 2022، لإعطاء موظفي القطاع العام بمختلف مسمياتهم، وكذلك الموظفين المتقاعدين، زيادة على رواتبهم وتعويضاتهم تصل إلى ثلاثة أضعاف ما يتقاضونه حالياً.

الخطير في هذا الامر أن هذه الزيادة، وهي مطلوبة بإلحاح في ظل التدهور الدراماتيكي للقيمة الشرائية للرواتب والأجور، ستقر عشوائياً بشكل غير مدروس. المطلوب تحديد نسب لهذه الزيادة ووضع سقوف لها، لكي تحصل الفئات الدنيا من الموظفين المستهدفة من هذا المشروع على النسبة العالية. وكذلك لربط هذه الزيادة بالحضور والإنتاجية، تحقيقاً للعدالة والإنصاف بين الموظفين كافة ومنعاً لإحداث آثار سلبية حتماً ستنعكس على حسن سير العمل والانتظام في الإدارات والمؤسسات العامة. ولتدارك ما جرى ارتكابه من «خطيئة» إقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب الجديدة، الذي جاء في إطار قانون الموازنة العامة للعام 2017، من دون إقرار حزمة من الإجراءات الإصلاحية اللازمة، ومن أهمها إعادة هيكلة القطاع العام والعمل على تطهيره من آلاف «الودائع» من الموظفين المحسوبين على المنظومة السياسية والذين تمّ تعيينهم بمسميات غير قانونية!؟ ما رتب على الدولة أعباء مالية ضخمة ساهمت، إضافة إلى مسببات كثيرة أخرى، في التدهور المالي - الاقتصادي الذي وصلنا إليه. وقد كان من المؤسف بل والمعيب السماح بالاستفادة من هذه الزيادة «السخية» لشريحة من الموظفين الذين لا يعملون ولا ينتجون. فهم قطعاً لا يستحقون حتى الاستمرار في عملهم وتقاضي رواتبهم، فما بالك بهذه الزيادة!؟

المطلوب من السلطات المعنية كان ولا يزال هو، على اقل تقدير، اتخاذ الحد الأدنى من الإجراءات الإدارية الإصلاحية الأساسية البديهية، قبل الشروع في ورشة عمل كبرى لإعادة هيكلة القطاع العام برمته والتي لا مفر منها في نهاية المطاف. من أولى هذه الاجراءات، قيام رئيس الحكومة بتكليف مجلس الخدمة المدنية وبالتنسيق مع التفتيش المركزي، إيداع الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والمصالح المستقلة استمارات (معدة سابقاً ويمكن تنقيحها)، عنوانها: «التوصيف الوظيفي» Job) description) و»تقييم الأداء» (Performance appraisal)، تشمل جميع موظفي القطاع العام بمختلف تسمياتهم، وتتضمن شرحاً تفصيلياً للمهام الوظيفية التي يقوم بها فعلياً صاحب العلاقة، مع تقييم أدائه لجهة: الإنتاجية/ الحضور/ السلوك والانضباط. تنظم الاستمارة من الرؤساء التسلسليين مع وجوب اطلاع صاحب العلاقة عليها والسماح له بتسجيل اعتراضه.

يجري التصديق على مضمون الاستمارة من رأس الإدارة المعنية (الوزير)، مع بيان الرأي لجهة حاجة الادارة المعنية لخدمات الموظف صاحب العلاقة أو انتفائها. وفي المرحلة الأخيرة من هذه العملية، تقوم الهيئتان الرقابيتان، الآنف ذكرهما والتابعتان مباشرة لرئاسة مجلس الوزراء، بالتدقيق في محتوى الاستمارات واجراء المقتضى القانوني المناسب، تجاه كل موظف يثبت عليه إخلاله بواجباته الوظيفية، استناداً إلى أحكام المرسوم الاشتراعي رقم 112/1995 (نظام الموظفين)؛ تدرجاً من فرض العقوبة التأديبية المناسبة وصولاً إلى إنهاء خدمة الموظف/ فسخ عقد الاتفاق أو إبطال مستند التعيين (لغير الموظفين الدائمين).

هكذا تبرهن السلطات المعنية على جديتها ونزاهتها وحرصها على»قدسية المال العام» {مبدأ نستعيره من رئيس هيئة الشراء العام الصديق الدكتور جان العلية}.

وذلك تحقيقاً للعدالة والإنصاف للموظفين العموميين الأكفاء والشرفاء، وترسيخاً للقاعدة القانونية:

«لا أجر من دون عمل»... كما أن لا عمل من دون أجر {عادل}.

(*) مستشار سابق لوزير الإعلام لإدارة الموارد البشرية