جاد حداد

مختبر بحجم كوكب

21 أيلول 2022

02 : 00

لقد بدأ العصر الذهبي لعلم الكواكب المقارن. تتزامن نشاطات المركبات الفضائية داخل نظامنا الشمسي مع استمرار استكشاف الكواكب الخارجية، وتسلّط هذه العمليات الضوء على تنوّع الكواكب، ما يسمح لنا بفهم عالمنا بطريقة جديدة. يبدو هذا الثلاثي المحلي من العوالم الصخرية المزودة بأغلفة جوية مبهراً بمعنى الكلمة. لا يمكننا أن نختبر أفكارنا حول تطور الكواكب عبر التجارب المخبرية، لذا نعتبر أنفسنا محظوظين نظراً إلى وجود كوكبَين قريبَين يحملان قواسم مشتركة كثيرة مع الأرض، فضلاً عن مجموعة من الاختلافات البارزة أيضاً.

لقد أصبح عصرنا مشحوناً بالاضطرابات لأن حضارة ارتياد الفضاء الجديدة بدأت تُغيّر كوكبنا بطرق غير متوقعة. تتعلق واحدة من الأولويات المُلحّة اليوم بفهم دور البشر في التغير المناخي. قد تكون دراسة الكواكب المجاورة مفيدة في هذا المجال لحسن الحظ.

يتمتع كوكب الزهرة بغلاف جوي مؤلف من ثاني أكسيد الكربون شبه النقي، وتساوي كتلته حوالى مئة أضعاف كتلة الأرض. تاريخياً، كانت محاولات تحديد مناخ الزهرة ترتبط بطريقة فهمنا للاحتباس الحراري على الأرض. لكننا نعرف اليوم أن كوكب الزهرة هو تجسيد مثالي للاحتباس الحراري الكثيف في الغلاف الجوي، حيث تصل حرارة السطح إلى 480 درجة مئوية تقريباً.

ربما لم يقترب كوكب الأرض بعد من أثر الاحتباس الحراري الجامح على الزهرة، لكننا نجازف بإبعاد توازننا المناخي عن المستوى الآمن الذي استفاد منه البشر لأكثر من 10 آلاف سنة. من خلال اختبار نماذجنا المناخية على كوكب الزهرة، سنكتشف مدى قدرتها على توقّع الأحوال الجوية بعيداً عن الظروف الراهنة على كوكب الأرض.

تتعلق واحدة من أبرز نقاط الضعف في النماذج الراهنة مثلاً بتوقع آثار الغيوم على المناخ المستقبلي. تُعتبر الغيوم شائكة نظراً إلى التفاعلات المعقدة بين إشعاعات القطرات وخصائصها الفيزيائية، فهي تستطيع أن تُبرّد الكوكب أو تُسخّنه، بحسب تفاصيل كل غيمة. من خلال دراسة ظواهر مثل غيوم الزهرة وآثارها على المناخ المتطرف في الكوكب، سنرفع سقف التجارب ونكتشف نقاط الضعف الخفية، ما يسمح بتحسين نماذجنا في جميع المهام الأساسية التي تُسهّل توقّع مسار التغير المناخي على الأرض.

يطرح كوكب المريخ مشكلة معاكسة. يتألف غلافه الجوي من ثاني أكسيد الكربون شبه النقي أيضاً، لكن تعني جاذبيته المنخفضة أن معظم كمية الهواء فيه فُقِدت مع مرور الوقت، ولم تبقَ إلا نسبة أقل من أن تعطي أثر الاحتباس الحراري. أصبح المريخ أشبه بصحراء مجمّدة بسبب هذا العامل ونتيجة وجوده على مسافة أبعد من الشمس. تشكّل قدرة نماذجنا على توقّع المناخ على سطح الكوكب الأحمر اختباراً مهماً آخر للتأكيد على فاعلية أدواتنا المناخية.

يعطينا المريخ تحذيراً حول مخاطر مناخية محتملة أخرى. طرح علماء الكواكب الذين يدرسون العواصف الرملية العالمية على المريخ نظرية الشتاء النووي، فتوقعوا ما يمكن أن يحصل لأي كوكب تغمره جزيئات الغبار بالكامل، وأدركوا أنهم يستطيعون تطبيق القواعد الفيزيائية نفسها على وضع الأرض التي يغمرها دخان الحرائق النووية. بفضل هذا النوع من الدراسات، تصبح العوالم الشقيقة للأرض بمثابة مختبرات لفهم (وتجنب) العواقب الخطيرة وغير المقصودة لتقنياتنا التي تزداد قوة.

انطلاقاً من المعلومات التي نجمعها من دراسة أقرب الكواكب إلينا واستكشاف الفضاء، نأمل في أن نكتشف كيفية تجنب الكوارث المتسارعة مستقبلاً، ونتعلّم طريقة الحفاظ على المحيط الحيوي الفريد من نوعه للعالم الذي نعيش فيه.

قد يكون كوكبا الزهرة والمريخ أقرب ما سنصل إليه لإجراء تجارب مدروسة عن كوكب الأرض. لنأخذ ثلاثة كواكب صخرية، اثنان منهما بالكتلة نفسها، والثالث يساوي عِشْر تلك الكتلة، ثم نضيف الماء إليها ونجعل واحداً من أكبر الكواكب أقرب إلى نجمنا، فيما يبقى أصغر الكواكب أبعد ما يكون عنه. ثم لننتظر مرور 4 مليارات سنة ونراقب ما يحصل.


MISS 3