طوني فرنسيس

لبنان بعد الترسيم

23 أيلول 2022

02 : 00

المهمة في نيويورك تبدو منتهية. خلال يومين أو ثلاثة كان رئيس الحكومة المكلف (والمؤلف بعد العودة) قد التقى المعنيين الأساسيين بالملف اللبناني من إيمانويل ماكرون إلى وزير الخارجية بلينكن، إلى صندوق النقد الدولي فإلى آموس هوكشتاين الوسيط الأميركي في مفاوضات الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل.

في كل تلك اللقاءات تكرّرت النوايا الطيبة بشأن مساعدة لبنان، وجدّد ممثلو الدول العربية والعالمية بمن فيهم قادة فرنسا وأميركا التأكيد على الإستقرار والإصلاح وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها كشرط لازم للسير في تطبيع أوضاع البلد التي ظهرت وكأنها تدخل في تطبيع جماعي عنوانه انخراط «حزب الله» في اللعبة الداخلية إلى الحد الأقصى.

ولهذا الإنخراط مؤشرات إقليمية كما له أثمان وتداعيات داخلية. فلا يمكن لحزب مرجعيّته القيادة الإيرانية أن يبقى بمنأى عمّا يحصل في إيران، في المجتمع والأمن والسياسة والإقتصاد، ولا يعوض بعض النفط الإيراني إلى لبنان صورة النقص الفادح الذي يعانيه الإيرانيون أو اللبنانيون، وهذا النفط عندما يصل سيعلن بالفم الملآن أن إذناً أميركياً قد منح لوصوله، كما في أذونات أعطيت للعراق أو لدول أخرى سمحت للنفط والغاز والكهرباء بالعبور إليها.

المؤشر الثاني هو التفاؤل بنجاح مهمة هوكشتاين وانخراط الحزب العميق في عملية ترتيب الإتفاق البحري.

إن اتفاقاً بين لبنان وإسرائيل في نطاق الإطار الذي أعلن قبل عامين، سيعني التزامات متبادلة بين البلد العربي الحدودي الوحيد الذي لا يقيم علاقة مع العدو الصهيوني، وبين هذا العدو ما يخلق مناخات جديدة لا تعود تنفع معها المشاريع التحريرية التي تتعدى حدود لبنان لتشمل فلسطين بطموحاتها.

وبالتأكيد سيقود الاتفاق البحري إلى بحث في الاتفاق البري، وهو ما جرى التلميح إليه خلال مفاوضات المياه الإقليمية، وعندها لن يكون صعباً على الذي خاض البحر ومحيط العداء أن يخوض مفاوضات أقل كلفة بشأن المزارع ونصف الغجر.

سينصرف «حزب الله» في المناخ الإقليمي والدولي الجديد إلى الانخراط أكثر في اللعبة الداخلية. سيضطره إلى ذلك موقع إيران في لعبة الأمم والصعوبات التي تعانيها، وحاجتها إلى الحزب كأحد أبرز نجاحاتها الخارجية، وإلى حضوره «القوي» في السياسة اللبنانية الداخلية الذي زاد رسوخاً خلال السنوات القليلة الماضية.

لا يفترض أن تزعج عودة الحزب إلى مقاييس اللعبة المحلية أحداً، فهذا كان مطلب مختلف القوى السياسية المناهضة له ولسياساته ولارتباطاته. لكن ذلك سيزيد مسؤولية هذه القوى، وسيفرض عليها واجبات أساسية تجاه بلدها، عنوانها البحث الجدي في النهج الذي عليها اتّباعه والتحالفات التي يجب أن تنسجها، عشية امتحان عهد جديد برئيس ينبغي انتخابه في الموعد، وحكومة وإدارة عليهما أن تطرقا أبواب التغيير والإنقاذ واستعادة الدولة والمؤسسات...


MISS 3