بشارة شربل

"وثيقة دريان"... لا عزاء لعلمانية ساذجة

26 أيلول 2022

02 : 00

تستحق مبادرة "دار الفتوى" لجمع النواب السُنة الثناء. لا يعيبها اطلاقاً شكلها المذهبي، مثلما لا تؤثر فيها المزايدات "العلمانية" كون العبرة في المضمون الذي صدر عنها، وهو أتى وطنياً شاملاً بامتياز.

لولا خطأ "الدار" الجسيم في حماية حسَّان دياب في مواجهة القاضي بيطار والذي ساهم في تعطيل التحقيق بـ"جريمة النيترات" وصبَّ في مصلحة المرتكبين لانتفى أي لوم أو انتقاد لمسيرتها في عهد سماحة المفتي دريان، فهو انحاز الى مواطنيه في مواجهة سلطة الفساد والإجرام منذ اندلعت ثورة 17 تشرين ولم يتردد في رفع الصوت نصرةً للشعب المسروق وللدولة المستباحة.

للمفتي دريان رصيدٌ يتيح له الدعوة الى أي اجتماع حتى ولو كان من لون واحد، أما "ترفُّع" ثلاثة نواب عن المشاركة فلا يوحي إلا بمراهقةٍ يسارية متأخرة. فالقصد هو الأساس، والمخرَجات واضحة بلا التباس: مطالبةٌ باحترام "وثيقة الوفاق" وتفعيل المؤسسات الدستورية وانتخاب رئيس بلا إبطاء لوضع لبنان على طريق الخلاص.

بديهي أن يأتي البيان الختامي مراعياً الانتماءات السياسية المتناقضة أو المتمايزة للنواب الاربعة والعشرين الحاضرين. أغفل المواضيع الخلافية المتعلقة بالسلاح غير الشرعي لكنه وضع سقفاً للتنازل والإبتذال في أي بيان وزاري مقبل، فلم يعد أي رئيس حكومة مضطراً لنسج الأكاذيب وتدوير زوايا ثلاثية "جيش شعب ومقاومة" لتبرير انتهاك سيادة الدولة على أرضها وحدودها. أعاد الاعتبار الى "اتفاق الطائف" باعتباره مرجعاً وحيداً للحياة الدستورية والسياسية "غير قابل للتجزئة والانتقاء"، وثبَّت حق اللبنانيين في دولة تحمي وحدتهم واستقلالهم وحرياتهم. وكلها عناصر تناقض بالطبع ما تحاول قوى"8 آذار" تكريسه بالخروج على المسلَّمات الوطنية والشراكة الإسلامية المسيحية عبر المغالبة والاستقواء.

بيان الإجماع هو جيِّد وأفضل الممكن، غير أن مقدمة المفتي دريان التي افتتح بها اللقاء هي الوثيقة الأساس. فيها من روح "الطائف" ما يفيض عن النص ليكرس أعراف العيش المشترك وما يعتمل في الوجدان، وفيها من الاعتدال ما يردع جموح "حزب الله" الى كسر التوازنات مستفيداً من فائض القوة، وما يطمئن المسيحيين القلقين من نقص المناعة الديموغرافية الى ثبات موقع الصدارة لهم شرط أن يتمتع الرئيس بحكمة المسؤولية والأخلاق.

قيمة أي نصّ تكمن في مضمونه التنويري أو المتخلّف سواء أتى من موقع ديني أو مدني علماني. و"وثيقة دريان" تلاقي ما يعظ به البطريرك الراعي ويعمل له، مثلما تُذكّر بآثار مشرِّفة لرجال دين راحلين مثل البطريرك صفير والسيّدين هاني فحص ومحمد حسن الأمين. كلّهم تشاركوا الايمان بلبنان مساحة للتفاعل والفكر الحرّ رافعين قيمة الانسان فوق الانتماءات.

أحلى أمنياتنا مجتمعٌ علماني يفصل الدين عن الدولة. لكن تصوّروا لو عارضنا "نداء المطارنة" في العام 2000 ولقاء "قرنة شهوان" بحجة صدورهما عن بكركي وسرنا في ركاب علمانيين أقحاح مثل الرئيس اميل لحود.

للمناسبة، ستالين وهتلر وصدام حسين كلّهم كانوا علمانيين. فلاديمير بوتين والرفيق كيم علمانيان يهدّدان بالسلاح النووي... وإن ننسَ لن ننسى ميشال عون، علمانيّته من طراز رفيع.