ضريبة التضامن الوطني لمرة واحدة... حلّ للأزمة الراهنة

02 : 00

كتب الخبير الاقتصادي سمير الضاهر: "خرج الدَّين العام في لبنان عن السيطرة. ولم يعد بالتالي وضعه على طريق مستدام من دون تعديل جذريّ في السياسة النقدية والمالية ممكناً. لكي ينجح لبنان في الوقوف مجدداً، لا بدّ من خفض خدمة الدَّين من الناتج المحلّي الإجمالي.


لطالما كانت إعادة هيكلة الديون النهج التقليدي المستخدم لمعالجة عبء ديون الدول المتراكمة. تستلزم إعادة الهيكلة خطوات عدة: تأجيل الدفعات والاتفاق على تواريخ مختلفة، بالإضافة إلى خفض مدفوعات الفائدة، والحد من المبالغ الرئيسية المستحقة. من الناحية القانونية، فإن الفشل في سداد المبالغ والفوائد المستحقة في الوقت المناسب، وعدم احترام الشروط التعاقدية الأصلية، يُفسّران على أنهما تقصير. قد يؤدي التخلف عن سداد دين معين، إلى وضع عبارات تقصير في جميع الديون المستحقة. وهذا يعني أن الدائنين الآخرين حتى وإن كانوا لا يتأثرون بالتخلف سيعتبرون أن أموالهم معرضة للخطر، ويحق لهم المطالبة بسداد أموالهم قبل الموعد المحدد.

في لبنان، المقرض الاساسي للدولة هو القطاع المصرفي المؤلف من بنوك تجارية ومصرف مركزي. لذلك، فإن إعادة هيكلة الدين العام ستؤثر على ميزانيات البنوك من خلال شطب حقوق ملكية المساهمين، وإذا لم تكن كافية، من خلال "حلاقة" بعض الودائع أو جميعها.

وستؤثر عملية إعادة الهيكلة على صورة لبنان الذي لم يتخلّف يوماً عن تسديد التزاماته المالية، حتى خلال أحلك الظروف. كما سيتم خفض التصنيف السيادي إلى أدنى درجة، ما سيعوّق قدرة البلاد المستقبلية على الوصول إلى الأسواق الدولية.

ولكن بعيداً من إعادة الجدولة التي ستُرتّب انعكاسات لا تُحمد عواقبها، يمكن إيجاد حلّ بديل الذي إن تحقق يمكن أن يؤدي الى الهدف عينه. يكمن الحلّ البديل والاكثر فعالية، بتعديل قانون الضرائب وهو حقّ سياديّ تنفرد به الدولة دون سواها. فتغيير السياسة الضريبية لا يتم تفسيره على أنه تقصير حتى إذا تمّ في سياق تسوية الديون. في هذه الحالة، يتحمّل المودعون من البنوك تكلفة هذا التعديل الضريبي للسعي إلى إعادة شراء الدين المقوّم بالعملة الأجنبية (أو جزء منه) والذي تبلغ قيمته 34 مليار دولار. يتحقق ذلك من خلال فرض ضريبة على "الثروة " تكون بمثابة ضريبة "تضامن وطني" لمرة واحدة. في هذا السياق، يتم تعريف الثروة على أنها ودائع بالعملات الأجنبية في البنوك اللبنانية باستثناء جميع الأصول الأخرى. ولضمان العدالة بين المودعين الذين أبقوا أموالهم في البنوك اللبنانية وأولئك الذين قاموا بتحويلها إلى الخارج، يمكن أن يؤثر الإجراء بأثر رجعي على قيمة الودائع الموجودة في لبنان في تاريخ معين. إذا تم تطبيق هذه الضريبة، فسيكون لها التأثير عينه "لقص الودائع" ولكن دون التسبب في تقصير في الدين مع تخفيض سيادي لاحق.

في هذا السياق، يمكن تصور عدد من السيناريوات، مع مراعاة توزيع وحجم الحسابات المصرفية؛ إذا تم فرض هذه الضريبة على جميع الودائع بالعملات الأجنبية البالغة 120 مليار دولار، فستحصل الدولة على العوائد التالية: 12 مليار دولار لمعدل الضريبة بنسبة 10%، و24 مليار دولار لمعدل الضريبة بنسبة 20 %، و30 مليار دولار لمعدل الضريبة بنسبة 25 %.

ولكي يكون المقياس عادلاً ومقبولاً اجتماعياً، يجب أن يستهدف حسابات أكبر. هنا أيضاً، يمكن اعتبار سيناريوات مختلفة. على سبيل المثال، فإن تطبيق ضريبة بنسبة 20% أو 25%، أو 30% على 1% من أكبر الحسابات (التي تمثل حوالى 80 مليار دولار في المجموع) سوف يسفر عن 16 مليار دولار و20 مليار دولار و24 مليار دولار على التوالي. يمكن إجراء نفس التحليل عند تطبيق معدلات ضريبية مختلفة على أكبر 10% أو 20% أو 30% من الحسابات.



*عن الخبير الاقتصادي سمير الضاهر- بتصرّف