دعوة أمميّة لإنهاء "عصر الإبتزاز النووي"

التعبئة الجزئيّة تُغرق روسيا في الفوضى

02 : 00

جنديّان أوكرانيّان يُحضّران مدفع هاون في الخطوط الأمامية في منطقة دونيتسك أمس (أ ف ب)

بعدما تعرّض الجيش الروسي للإذلال في الميدان الأوكراني أكثر من مرّة وعلى جبهات عدّة، ما أظهره بموقع الجيش المترهّل الذي يفتقد للتنظيم والتخطيط، تتعرّض اليوم روسيا برمّتها للإذلال أمام أعين البشريّة بعدما أعلن "القيصر" فلاديمير بوتين "التعبئة الجزئية"، إذ يرفض الكثير من الروس تلبية الدعوة لخوض حرب لا يُريدونها ضدّ "إخوتهم الأوكران"، فيما تغرق البلاد أكثر فأكثر بفوضى أهليّة مع خروج تجمّعات رافضة للحرب وتسجيل مواجهات بين عناصر أمنية وأهالٍ يرفضون تسليم أبنائهم إلى السلطات لخوض "حرب بوتين" التي عزلت البلاد عن العالم وخلقت عداءات مع الشعب الأوكراني الذي تربطهم به علاقات تاريخية وصلات قرابة.

وفتح مسلّح النار في مركز تجنيد للجيش الروسي في بلدة أوست إيليمسك النائية في منطقة إيركوتسك في سيبيريا، ما أسفر عن إصابة عسكري بجروح خطرة، ويأتي ذلك مع اعتراف الكرملين بارتكاب "أخطاء" في حشد مئات الآلاف من جنود الاحتياط للقتال في أوكرانيا، متعهّداً تصحيحها، إذ منذ الإعلان عن "التعبئة الجزئية" الأسبوع الماضي، استُدعي العديد من كبار السن والمرضى والطلاب الذين أكدت السلطات أنهم غير معنيين.

وتُتّهم الحكومة الروسية بإعطاء الأولوية لتعبئة سكان المناطق الفقيرة والبعيدة. وخرجت في الأيام الأخيرة تظاهرات في العديد من المناطق المحرومة ضدّ التعبئة الفوضوية. واندلعت احتجاجات وصدامات مع الشرطة في جمهورية داغستان الروسية في القوقاز. واعتُقل أكثر من 100 شخص الأحد في العاصمة الداغستانية محج قلعة، وأظهرت مقاطع فيديو نشرتها وسائل إعلام روسية نساء يُهاجمنَ الشرطة أثناء الاحتجاج ويهتفنَ "لا للحرب!". ويظهر أحد المقاطع إمرأة تسأل: "لماذا تأخذون أطفالنا؟ هل تعرّضت روسيا لاعتداء؟ روسيا هي التي اعتدت على أوكرانيا!".

ومنذ بدء الهجوم الروسي ضدّ أوكرانيا، سُجّلت هجمات عدّة بعبوات مولوتوف على مراكز عسكرية في مناطق مختلفة من روسيا. ومن أحدث تلك الهجمات، محاولة إضرام النار في مركز للشرطة العسكرية في منطقة فولغوغراد ليل الأحد - الإثنين، وفق ما أعلنت السلطات. وفي وقت يتدفق فيه عدد كبير من الرجال إلى حدود جورجيا وأرمينيا وفنلندا وكازاخستان ومنغوليا، لتجنّب إرسالهم إلى القتال، دعا السيناتور الروسي سيرغي تسيكوف إلى إغلاق الحدود أمام الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و55 عاماً، بينما أوضح الكرملين أن السلطات لم تُقرّر بعد إغلاق الحدود أمام الفئة المعنية بالتعبئة.

تزامناً، قُتِلَ 17 شخصاً على الأقلّ، بينهم 11 طفلاً، وجرح نحو 24 آخرون، منهم 22 طفلاً، عندما أطلق مسلّح النار داخل مدرسة في مدينة إيجيفسك في وسط روسيا، فيما ندّد بوتين بـ"هجوم إرهابي غير إنساني". وأفاد المحققون بأنّ المشتبه فيه الذي انتحر "يرتدي قميصاً باللون الأسود عليه رموز نازية ويضع قناعاً". وأكدوا في بيان منفصل أنّ مطلق النار "تلميذ سابق في المدرسة ويُدعى أرتيوم كازانتسيف، ولد عام 1988". وأضافوا: "نُجري تحقيقاً لمعرفة ما إذا كان من أتباع الفاشية الجديدة والأيديولوجية النازية".

وفي أوكرانيا، تُحقق القوات الأوكرانية في موقع عسكري روسي سابق يُشتبه في أنه يضمّ مقبرة جماعية تحتوي على عشرات الجثث بالقرب من الحدود مع روسيا. والموقع عبارة عن مزرعة دجاج صناعية مهجورة خارج منطقة كوزاتشا لوبان وعلى بُعد كيلومترين من الحدود الدولية مع روسيا استخدمتها القوات الروسية لوضع دبّاباتها، في حين أعلنت الولايات المتحدة عن مساعدة إضافية لقوات الأمن الأوكرانية بقيمة 457.5 مليون دولار في أحدث تمويل لكييف التي تُقاوم الغزو الروسي. وستدعم المساعدة الشرطة الوطنية وحرس الحدود، فضلاً عن الجهود المبذولة للتحقيق في الفظائع التي ارتكبتها القوات الروسية.

واتفق أعضاء الكونغرس الأميركي على إدراج نحو 12 مليار دولار مساعدات جديدة لأوكرانيا، استجابة لطلب من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وفق ما أفاد مصدر أميركي مطلع وكالة "رويترز"، فيما فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على 92 فرداً وكياناً روسيّاً على خلفية إجراء نظام بوتين استفتاءات ضمّ "زائفة" في المناطق الانفصالية في أوكرانيا وتصعيده التهديدات ضدّ الغرب.

وفي الغضون، جدّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعوته إلى القضاء على الأسلحة النووية حول العالم. وخلال جلسة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة مخصّصة لمناقشة مسألة نزع الأسلحة النووية، قال غوتيريش: "الآن، بعد عقود من سقوط جدار برلين، يُمكننا أن نسمع مرّة أخرى قعقعة السيوف النووية"، داعياً إلى ضرورة وضع حدّ "لعصر الابتزاز النووي". واعتبر أن فكرة خوض أي دولة قتالاً وانتصارها في حرب نووية هي "فكرة مختلّة"، مشدّداً على أنّه لا يُمكن أن يكون هناك سلام من دون إزالة الأسلحة النووية.

وعلى صعيد آخر، أعلن جهاز الأمن الفدرالي الروسي (أف أس بي) أنه اعتقل القنصل الياباني العام في فلاديفوستوك موتوكي تاتسونوري للاشتباه بقيامه بأعمال مرتبطة بالتجسّس واعتبره شخصاً غير مرغوب فيه، مشيراً إلى أنه "تم اعتقال الديبلوماسي الياباني متلبساً بينما كان يتلقى معلومات سرية مقابل المال، ترتبط بتعاون روسيا مع بلد آخر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ". وأفادت الخارجية الروسية في بيان بأنّ أمراً صدر للديبلوماسي بمغادرة البلاد في غضون 48 ساعة.

وفي استفزاز واضح لواشنطن، منح بوتين المتعاقد السابق مع أجهزة الاستخبارات الأميركية ادوارد سنودن، اللاجئ في روسيا، الجنسية الروسية، بينما اعتبر الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس أن سنودن ما زال مواطناً أميركيّاً، وقال: "لا علم لدي في شأن أي تغيّر طرأ على وضع جنسيته... الأمر الوحيد الذي تغيّر هو أنه نتيجة لجنسيّته الروسية، يبدو أنه الآن سيُجنّد للقتال في حرب متهوّرة"، في وقت أقرّ فيه رجل الأعمال الروسي المقرّب من الكرملين يفغيني بريغوجين بأنّه أسّس مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية العام 2014 للقتال في أوكرانيا واعترف بانتشار عناصر منها في سوريا وأفريقيا وأميركا اللاتينية خصوصاً.


MISS 3