آدم بيور

المعركة على البيانات الضخمة تحتدم

28 أيلول 2022

المصدر: newsweek

02 : 00

خلال جلسة استماع للجنة القضائية بمجلس النواب مع الرئيس التنفيذي لشركة "غوغل" Sundar Pichai | واشنطن، كانون الثاني 2018
تحاول الصين اليوم أن تسيطر على معظم بيانات العالم بكل عدائية، وستكون نتائج المقاربة التي يتّخذها الرئيس جو بايدن للتعامل مع هذه المشكلة مؤثرة لأقصى حدّ. في الأشهر الأخيرة، حذر عدد من المسؤولين المؤيدين لاستعمال القوة في مجال الأمن القومي في واشنطن من توجّه الحزب الشيوعي الصيني إلى السيطرة على جميع البيانات التي تتدفق في البلد، حتى تلك التي تصدر عن الشركات الأميركية أو الغربية الناشطة في الصين. تُعتبر هذه الخطوة تصعيداً للحملة الصينية التي تهدف إلى التجسس على الشركات عبر عمليات القرصنة، أو تصدير تقنيات صينية الصنع يُفترض أن تحتوي على قنوات خلفية تسمح للجواسيس الصينيين بالوصول إلى البيانات الأجنبية في أي لحظة.

يدعو مؤيدو استعمال القوة ضد الصين إدارة بايدن إلى إجراء مراجعة واسعة للإنترنت الصيني وشركات الاتصالات والتكنولوجيا الصينية التي تنشط في الولايات المتحدة، فضلاً عن حظر نشاطات تلك التي تطرح تهديداً على الأمن القومي والاقتصادي الأميركي. برأي هذا المعسكر، قد يسيء التساهل في هذا الملف إلى المصالح الإقتصادية والعسكرية والتجارية الأميركية ويُعرّض المواطنين للتجسس والتلاعب.

يبدو أن هذه الضغوط بدأت تعطي مفعولها. من المنتظر أن تُعقَد جولة جديدة من جلسات الإستماع في الكونغرس لمناقشة هذه المسألة في الخريف. ذكرت وكالة "رويترز" في شهر أيار أن إدارة بايدن تضع اللمسات الأخيرة على أمر تنفيذي يمنح وزارة العدل صلاحيات جديدة لمنع الخصوم الخارجيين، مثل الصين، من الوصول إلى بيانات الأميركيين الشخصية. كذلك، صرّح مسؤولون في وزارة التجارة الأميركية بأنهم أطلقوا في الأشهر الأخيرة أربعة تحقيقات على الأقل حول شركات تكنولوجيا على صلة بالصين أو خصوم خارجيين آخرين، وهم يخططون لإجراء تحقيق أوسع بعد.

لكن قد تسرّع أيّ ردة فعل مبالغ فيها من الجانب الأميركي ظهور شكلٍ من "البلقنة" الرقمية، حيث تبني الدول حواجزها الخاصة لمنع تدفق البيانات. يقـــول نايجل كوري، مدير مساعِد للسياسة التجارية في "مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار": "أيّ تحرك أميركي، بغضّ النظر عن طبيعته، سيوجّه رسالة إلى البلدان الأخرى حول العالم بشأن طريقة تحقيق الأمن القومي في عالمٍ تطغى عليه المظاهر الرقمية. أخشى أن يطلق البلد ردّة فعل مفرطة قد تُضعِف انفتاح الإنترنت الذي استفاد منه الاقتصاد وقطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة بكل وضوح".

تؤكد جهود الصين المكثفة لعزل بياناتها والتحكّم بها حقيقة مزعجة يغفل عنها معظم النقاشات المرتبطة بالأهداف الصينية. بدأت دول العالم تفهم قوانين خصوصية البيانات، لكن أدّت الأحقاد الحزبية والضغوط العدائية التي تفرضها شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى إلى شلّ جهود الكونغرس الأميركي ومنعه من تمرير أبسط التدابير التي تحمي بيانات المستهلكين. قد يشكّل هذا النوع من الحماية أساساً لإطار عمل جديد يمكن تعديله لاحقاً لحماية البيانات الأميركية من الاستغلال الصيني.

لكن تمكّنت الصين أيضاً من جمع البيانات الأميركية وتخزينها بسبب الطابع الفوضوي والعشوائي لتدفّق البيانات الأميركية، وهو وضع استغلّته شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة مثل "فيسبوك"، و"غوغل"، و"أمازون"، لزيادة نفوذها.

مع ذلك، يعتبر المشرّعون على ما يبدو حماية بيانات الأميركيين من الصين مسألة منفصلة عن حمايتها من معقل التكنولوجيا في "سيليكون فالي". في المقابل، لا تُميّز بلدان أخرى بين هذين الهدفَين.

يبقى هذا النقاش على صلة وثيقة بتعطّش شركات مواقع التواصل الاجتماعي الأميركية للبيانات. في شهر تموز، طرحت لجنة حماية البيانات الايرلندية مسودة قرار أمام المنظمين الأوروبيين لمنع شركة "ميتا" من إرسال بيانات المستخدمين من أوروبا إلى الولايات المتحدة. ردّاً على هذا الطلب، كتبت الجهات التنظيمية في النروج أنها تدعم فرض غرامات ثقيلة على "ميتا" إذا تابعت نقل البيانات إلى الخارج. نتيجةً لذلك، حذّرت "ميتا" من احتمال أن تمنع الشركة وصول الأوروبيين إلى "فيسبوك" و"إنستغرام" إذا فشل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق حول قانون أوروبي جديد لحماية الخصوصية.

إذا انهارت هذه المفاوضات ومنع الاتحاد الأوروبي "فيسبوك" من نقل بيانات المواطنين الأوروبيين إلى خارج الاتحاد، فقد تقلب هذه السابقة مسار تدفق البيانات العابر الأطلسي رأساً على عقب وتُكلّف الشركات "مليارات الدولارات"، برأي بول تريولو، نائب رئيس قسم السياسة التكنولوجية تجاه الصين في "مجموعة أولبرايت ستونبريدج" (شركة عالمية تُعنى باستراتيجيات العمل في واشنطن)، ومسؤول سابق في الحكومة الأميركية ضمن فريق السياسة التكنولوجية تجاه الصين.

من المتوقع أن تؤثر طريقة تعامل الولايات المتحدة مع هذا الوضع على الدول الأخرى. في آخر خمس سنوات، مرّر 62 بلداً على الأقل قوانين جديدة لتحديد مواقع البيانات، وهي تسهم في ضبط البيانات التي يمكن نقلها إلى خارج الحدود أو تفرض على الشركات تخزين نسخة محلية من المعلومات التي تجمعها. حتى أن الولايات المتحدة تطلب من شركات الحوسبة السحابية المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأميركية أن تخزّن البيانات السرية على خوادم داخل الولايات المتحدة.

يشكّل اضطرار الشركات إلى تخزين البيانات محلياً حاجزاً أمام اختراق البيانات، وينطبق ذلك على الشركات المحلية أيضاً. يوضح جاستن شيرمان، خبير في سياسة الأمن السيبراني في مؤسسة "نيو أميركا": "إذا قررتُ مثلاً أن أجمع البيانات عن الهنود، فسأضطر في هذه الحالة لإنفاق أموال طائلة على بنية تحتية إضافية للبيانات ويجب أن أتنبه إلى وجهتها أيضاً. كذلك، سأضطر لإنفاق المال على المحامين والخبراء للتأكد من أنني لا أخالف القانون. وعندما أنقل بيانات أو رسائل إلكترونية عن أحد العملاء إلى شخص محدد، أو إذا أردتُ أن أعمل مع عميل دولي، فسأضطر الآن لتحمّل هذه الإجراءات كلها للمصادقة على ما أفعله".

يدعو بعض الخبراء إلى إبرام اتفاقيات جديدة ومتعددة الأطراف، وإنشاء هيئة دولية تشبه منظمة التجارة العالمية لتنظيم تدفق البيانات، واستعمالها كمنتدى لتجاوز الخلافات، ومساعدة الشركات على متابعة نشاطاتها العابرة الحدود. قد يسمح هذا المنتدى أيضاً للشركات الغربية بمنافسة الصين إذا قررت حكومتها عزل بياناتها عن بقية دول العالم.

قد تدعم دول كثيرة هذا النوع من أُطُر العمل، في المبدأ على الأقل. خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، في العام 2019، في دافوس، سويسرا، طرح رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي مفهوم "تدفق البيانات الحر والموثوق به". كذلك، تُحضّر "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" مبادرة لطرح مجموعة من المبادئ المشتركة بين الدول الأعضاء للتحقق من الرقابة الحكومية وتفسير طريقة وصول وكالات إنفاذ القوانين إلى البيانات. في غضون ذلك، أنشأت إدارة بايدن فريقاً مشتركاً يُعنى بمراقبة البيانات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

يتطلب الاتفاق على سياسات دولية لحماية البيانات سنوات طويلة. لكن إلى أي حد يجب أن تشعر الولايات المتحدة بالقلق من تعطش الصين إلى البيانات قبل بلوغ تلك المرحلة؟ يظن بعض مراقبي الصين أن سياسات البيانات الصينية ترتبط اليوم بالمخاوف المحلية أكثر من الهيمنة على بيانات العالم. تقول سام ساكس من "مركز بول تساي الصيني" في كلية الحقوق في جامعة "يال": "تدرك الحكومة الصينية والحزب الشيوعي أن البيانات لها قيمة هائلة لكنها تحمل نقاط ضعف أمنية أيضاً. في هذه المرحلة، يُركّز البلد بكل بساطة على تكثيف جهوده للسيطرة عليها".

لكن يحذر خبراء آخرون في الشؤون الصينية من خطورة العواقب المحتملة على المدى الطويل. يوضح مات بوتينغر، نائب مستشار الأمن القومي في عهد ترامب، ومسؤول زائر اليوم في "معهد هوفر"، ومستشار للشركات الناشطة في الصين: "لن تتّضح قيمة المعلومات التي يجمعونها في البداية. الأمر أشبه بالنظر إلى جبل والاعتراف بأنه مجرّد جبل. لكنه منجم للذهب أيضاً. تبقى هذه القيمة كامنة، لكنها قد تصبح بالغة الأهمية لاحقاً بطريقة تُضعِف أمننا وقدرتنا التنافسية في آن". بغض النظر عن الوضع الحقيقي، يظن البعض أن العالم بدأ يصبح رقمياً وثنائي القطب، ولا مفرّ من أن يتسارع هذا التحوّل تزامناً مع احتدام السباق للهيمنة على قطاع الذكاء الاصطناعي بين الصين والولايات المتحدة.

أخيراً، تكاد معالم المستقبل تتّضح منذ الآن. يقول فرانك وو، رئيس جامعة "كوينز كوليدج" ومؤلف كتاب Yellow: Race in America Beyond Black and White (أصفر: العِرْق في أميركا ما وراء الأسود والأبيض): "نحن نتعامل اليوم مع شبكتَي إنترنت. يقف الإنترنت الصيني وراء جدار الحماية العظيم، وينشط في المقابل الإنترنت الذي تقوده الولايات المتحدة. وعند النظر إلى تكنولوجيا الهواتف الخليوية والذكاء الاصطناعي، يسهل أن نستنتج أنها أصبحت مجزّأة الآن. يُطلَب من الدول في أوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية بشكلٍ متزايد اليوم أن تختار بين الصين والولايات المتحدة".

باختصار، قد تسمح الخطوات التي تتّخذها إدارة بايدن خلال الأشهر المقبلة بتجنب هذا النوع من الانقسام الرقمي أو تسريع حصوله.