أليكس فاتانكا

موقف المرشد الأعلى قد يصبح سبباً لتوسّع الانقسامات...

ما تأثير الاحتجاجات ضدّ الحجاب الإلزامي على رجال الدين في إيران؟

30 أيلول 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

امرأة تقص شعرها خلال احتجاج ضد النظام الإسلامي في إيران ووفاة مهسا أميني | نيويورك
إندلعت أحدث جولة من الاحتجاجات الحاشدة في إيران بعد مقتل الشابة مهسا أميني (22 عاماً)، في 16 أيلول، على يد "شرطة الأخلاق"، على اعتبار أنها انتهكت القانون الإيراني الذي يفرض ارتداء الحجاب في الأماكن العامة. يأتي مقتل أميني المأسوي ليذكّرنا مجدداً بتجاهل الحكام الإسلاميين في طهران لمطالب الشعب الإيراني، إذ تُعتبر معارضة الحجاب الإلزامي جزءاً من مطالبات كثيرة.

لم تكن مظاهر العنف التي أدت إلى مقتل أميني عرضية، فهي جزء لا يتجزأ من مواقف المرشد الأعلى، علي خامنئي، تجاه أي معارضين سياسيين. هو لا يزال مقتنعاً بأن القمع العنيف سيدفع المحتجين إلى التراجع. لكن يبدو أن خياراته السياسية تؤجج الاستياء الشعبي ضد الجمهورية الإسلامية. لا يحرّض خامنئي الشعب الإيراني ضد النظام فحسب، بل إن إصراره على الحجاب الإلزامي بدأ يقسم طبقة رجال الدين في إيران.

حضّر خامنئي الأجواء اللازمة لإيصال إبراهيم رئيسي إلى سدة الرئاسة الإيرانية عبر إجراء انتخابات صُوَرية في حزيران 2021. كان يُفترض أن يُركّز رئيسي منذ وصوله إلى السلطة على تأمين فرص العمل، وبناء مساكن جديدة، ومعالجة الفساد. لكن لم يتحقق أيٌّ من هذه الوعود، بل خصصت حكومة رئيسي مبالغ إضافية لقوات الأمن المحلية كي تتمكن من فرض قانون الحجاب الإلزامي بصرامة متزايدة في إيران. كذلك، تفيد التقارير بأن إيران تحاول الآن فرض مراقبة إلكترونية جماعية على الطريقة الصينية.

لكن على عكس أي مرحلة أخرى منذ العام 1979، بدأ الجيل الأصغر سناً من الإيرانيين، لا سيما النساء، يلتفّ حول معارضة الحجاب الإلزامي، وهو لا يريد بذلك أن يتحدى هذا القانون وحده بل يسعى إلى الانتفاض ضد العقيدة الاجتماعية والدينية الصارمة للجمهورية الإسلامية وتماديها في فرض قِيَمها على المجتمع.

كانت السلطات تتخبّط دوماً في محاولة التصدي لهذه المعارضة (غالباً ما تطلق حملة اعتقالات عنيفة يتم تصويرها ونشر الفيديوات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي)، لذا أطلق النظام في طهران هذه المرة محاولة يائسة لربط الحركة المعارِضة للحجاب بأجهزة الاستخبارات الأجنبية. في هذا الإطار، ادعى وزير الاستخبارات الإيراني حديثاً أن قوات الأمن اعتقلت 300 شخص من "زعماء العصابة"، وهم أفراد يعملون لصالح "العدو" كما يقول.

في أوساط كبار القادة داخل النظام الإيراني، أصبح موضوع الحجاب الإلزامي مسألة حاسمة وغير قابلة للتفاوض لكل من يعلن ولاءه للجمهورية الإسلامية. يحاول النظام عبر رسائله الإيديولوجية أن يطرح الحجاب كركيزة للجمهورية، وكأن النظام السياسي سيصبح مُهدداً من دونه.

لكن تحمل هذه الفكرة طابعاً مزيفاً وصحيحاً في آن. هي مزيفة لأن أتباع الخميني لم يتعهدوا بفرض قانون مماثل حين استلموا السلطة في العام 1979، حتى أن هذا الفرض لم يكن جزءاً من الاتفاق السياسي الذي أبرموه مع داعمي الثورة. لم يصبح الحجاب الإلزامي جزءاً راسخاً من القانون قبل العام 1983، حين أدرك أتباع الخميني أنه أداة فاعلة للسيطرة على المجتمع الإيراني المتمرد، اجتماعياً وسياسياً.

تسعى الأنظمة التوتاليتارية والاستبدادية دوماً إلى تنظيم الشؤون الاجتماعية عبر مجموعة من القواعد الأساسية التي تفرضها مقابل كلفة عالية. يتعلق الهدف الرئيسي بفرض السيطرة السياسية بوسائل مختلفة. في هذا السياق، يمكن اعتبار الحجاب الإلزامي ركيزة للجمهورية الإسلامية.

وفق هذا المنطق، قد ينتقل المعارضون إلى تحدي السياسات الأخرى التي يتمسك بها النظام بعد معارضة الحجاب الإلزامي أو حتى المطالبة بإلغائه، بما في ذلك المواقف المعادية للولايات المتحدة أو إسرائيل، أو الدفاع المستميت عن فكرة "المرشد الأعلى".

في غضون ذلك، لطالما كانت هذه السياسة تحظى بالدعم أو تواجه الرفض في أوساط رجال الدين. لا يعتبر المعارضون أن القرآن يشمل أي حُكم ديني لتبرير فرض الحجاب. برأيهم، يذكر القرآن مفهوم الحجاب سبع مرات، لكن لا تتعلق هذه الآيات بفرض الحجاب بالقوة بل بفصل المرأة وحشمتها. هذا النوع من التفسيرات الدينية المختلفة موجود منذ بداية النظام، حين رفضت شخصيات مرموقة، من أمثال القاضي السابق محمد بهشتي وعالِم الدين السابق محمود طالقاني، الحجاب الإلزامي.

في إيران اليوم، يتراجع عدد رجال الدين المستعدين لمعارضة الحجاب الإلزامي علناً. لكن يُميّز عدد أكبر منهم بين الحجاب كتقليد يجب التمسك به، والحجاب كفرض إلزامي على الجميع. بعبارة أخرى، يدعم بعض رجال الدين النظام لكنهم يفضلون التعامل بمرونة متزايدة مع مسألة فرض الحجاب خدمةً لمصلحة البلد.

منذ بضع سنوات مثلاً، أحدث رجل الدين الأصولي محسن غرافيان ضجة كبرى حين أعلن أن السائحات القادمات إلى إيران يجب ألا يُجبَرن على ارتداء الحجاب. لكن يبقى هذا النوع من الانتقادات المشروطة وغير المباشرة أقصى ما تستطيع الأوساط المتشددة بلوغه. تعجز هذه الفئة من رجال الدين عن تحدّي خامنئي صراحةً في هذه المسألة، إذ لا يزال التزامه بفرض الحجاب الإلزامي صارماً حتى اليوم.

سبق وحدّد خامنئي طبيعة الرد الإيراني على الحملة المعارِضة للحجاب، فاعتبر أن النساء اللواتي ينظّمن الاحتجاجات تعرّضن "للخداع" من الحكومات الأجنبية. لن يعترف خامنئي أو رئيسي على ما يبدو بأن المجتمع الإيراني هو القوة الدافعة وراء الحركة المعارِضة للحجاب، ما يعني أنها لا تشتق في جوهرها من مؤامرة خارجية. في هذا السياق، أطلق قادة النظام استراتيجية ثلاثية لمجابهة مطالب الحركة المستجدة.

أولاً، ينكر القادة وجود أي مطالب شعبية بجعل الحجاب خياراً شخصياً في المجتمع الإيراني، لا سيما وسط الجيل الأصغر سناً. ثانياً، يبحث هؤلاء عن طرق مناسبة لردع الرأي العام والناشطين المعارضين للحجاب. أخيراً، هم يسعون إلى الحد من مساحة النقاش حول هذه المسألة وسط الطبقة السياسية والدينية للحفاظ على سياسة واضحة وموحّدة.

على مر تاريخ الجمهورية الإسلامية، كانت سياسات النظام تضع مناصريها ومعارضيها في صدام دائم في معظم الأوقات، ونادراً ما كانت قرارات السلطات تؤدي إلى اندلاع عنف حقيقي بين المجموعتين. لكن تواجه إيران واقعاً مختلفاً اليوم، إذ تتوسّع المشاجرات المباشرة في الشوارع بين مناصري النظام والحركة المعارِضة للحجاب. ولا تقتصر هذه الظاهرة على مدينة طهران، فقد امتدت لتشمل مختلف أجزاء البلد.

يعود أصل المشكلة إلى الفترة التي شجّع فيها خامنئي مناصريه على "استهداف" كل من يقاوم النظام وسياساته عمداً. بعبارة أخرى، يستطيع المواطنون الموالون للنظام أن يتدخلوا ويستعملوا العنف لمواجهة ما يعتبروه "حجاباً غير لائق"، علماً أن هذا المفهوم يحمل معنىً قابلاً للتأويل.

يؤكد هذا الوضع مجدداً أن حسابات خامنئي السياسية بشأن أفضل الطرق للسيطرة على المجتمع بدأت تُضعِف دور رجال الدين وتقوي أكثر الفئات تطرفاً في إيران. يكمن الخطر الحقيقي في نشوء رد مضاد وعنيف على الممارسات الصارمة لفرض قانون الحجاب الإلزامي.

لا يمكن تجاهل احتمال تعمق الصراع الاجتماعي بعد الآن. وفق دراسة مستقلة من العام 2020، يعارض 72% من الإيرانيين الحجاب الإلزامي. في المقابل، تقتصر نسبة مؤيديه على 15%. يسهل أن نتخيّل إذاً حجم الاضطرابات وأعمال العنف المحتملة في الشوارع بسبب هذه المسألة، حين تطلق حكومة رئيسي حملتها لفرض الحجاب بالقوة، وهو وعد سبق وأطلقه الرئيس الإيراني.

في نهاية المطاف، يخشى خامنئي أن يُمهّد أي تساهل في فرض القوانين الاجتماعية والدينية الصارمة في إيران للمطالبة بتغيرات إضافية، فتتلاحق حينها المشاكل المعقدة. كذلك، لا يميل خامنئي بطبيعته إلى الرضوخ للضغوط، لا سيما حين تصدر عن الناشطين الشعبيين، فهو يعتبر هذه الفئة مجرّد مجموعة ساذجة وقعت ضحية المكائد والحملات الدعائية الغربية.

تتعلق مسألة فرض الحجاب إذاً بالحفاظ على أعلى درجة من السيطرة السياسية وإخماد زخم الخصوم. في ظل تصاعد المعارضة للحجاب الإلزامي وتوسّع الحملة المضادة لها، أصبح استفحال العنف بين المناصرين والمعارضين احتمالاً واقعياً جداً. هذا الوضع يُصعّب على خامنئي الحفاظ على سياسة موحّدة في هذه المسألة، وهو هدف يتمسك به ونجح حتى الآن في تحقيقه في أوساط نظامه الداخلية.

من المتوقع أن يتعرّض كبار رجال الدين للضغوط كي يتخذوا موقفاً أكثر وضوحاً ولا يخفوا رأيهم الحقيقي وراء تفسيراتهم الدينية للشريعة. هذا الوضع قد يُمهّد لتوسّع الانقسامات وسط علماء الدين في إيران، لا سيما بين مناصري النظام ومعارضيه الدينيين.

باستثناء أفغانستان التي تفرض قواعد أكثر صرامة على لباس المرأة في عهد "طالبان"، تُعتبر إيران اليوم البلد الوحيد في العالم حيث يفرض القانون ارتداء الحجاب. من المتوقع أن تتصاعد جميع أنواع الضغوط على النظام كي يغيّر مساره، لكن يبدو هذا التوجه مستبعداً طالما يبقى خامنئي على قيد الحياة.