ليزا كورتيس

حان وقت تصعيد المواقف من "طالبان"

1 تشرين الأول 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

وفد من طالبان يشارك في المحادثات الدولية حول أفغانستان في موسكو | تشرين الأوّل 2021
بعد سنة على عودة حركة "طالبان" إلى السلطة في أفغانستان، إتّضح أن هذه الجماعة المتطرفة لم تتغير كثيراً منذ استيلائها على البلد للمرة الأولى في العام 1996. في آذار 2022، قررت "طالبان" ألا تعيد فتح المدارس الثانوية للفتيات في أنحاء البلد، مع أنها تعهدت بفعل ذلك قبل أيام، فأنهت بهذه الطريقة أي آمال متبقية بأن تحكم البلد بشكلٍ مختلف هذه المرة. وخلال الأسابيع التي تلت مقتل زعيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، خلال ضربة أميركية بطائرة مسيّرة من تخطيط وكالة الاستخبارات المركزية، أكدت "طالبان" مجدداً على استمرار إيوائها للجماعات الإرهابية.

حان الوقت كي يعترف الأميركيون وشركاؤهم بهذه الوقائع ويتعاملوا مع "طالبان" بطريقة قادرة على كبح تحركاتها بدل تشجيعها على متابعة إطلاق وعود فارغة وتقديم الأعذار لتبرير تصرفاتها المشينة. لا يعني تشديد المواقف من "طالبان" التأثير على المساعدات الإنسانية الموجّهة للشعب الأفغاني، بل يعني التعاون عن قرب مع الأمم المتحدة والدول التي تحمل العقلية نفسها لفرض العواقب على "طالبان" بسبب تصرفاتها غير المقبولة، ووقف أي تواصل رفيع المستوى مع الحركة إلى أن يطبّق قادتها سياسات أكثر اعتدالاً.

كجزءٍ من اتفاق الدوحة الذي أبرمته "طالبان" مع الولايات المتحدة في العام 2020، تعهدت الحركة بمنع "القاعدة" من استعمال الأراضي الأفغانية لتهديد أمن الأميركيين وحلفائهم. لكن انهارت أي أوهام مرتبطة باستعداد "طالبان" لتنفيذ هذا الوعد في أواخر شهر تموز، حين اتضح أن الظواهري كان يعيش في منزل مساعد وزير الداخلية بالوكالة، سراج الدين حقاني، في أحد أحياء كابول.

من ناحية معينة، يبرر قتل الظواهري رأي الرئيس الأميركي جو بايدن حين قال إن عمليات "ما وراء الأفق" هي طريقة فاعلة للتعامل مع التهديدات الإرهابية. لكنه يثبت أيضاً أن "طالبان" تحافظ على علاقات وثيقة مع "القاعدة" التي تستفيد من عودة الحركة إلى السلطة لإعادة بناء قاعدتها في أفغانستان. قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن إيواء "طالبان" للظواهري هو خرق لاتفاق الدوحة. لكن لا يفرض ذلك الاتفاق المبهم على "طالبان" صراحةً أن تطرد "القاعدة" أو أي جماعات إرهابية أخرى من الأراضي الأفغانية.

يظن بعض خبراء الأمن أن أفغانستان ستغرق في الحرب الأهلية والفوضى وتُسبب مشاكل متزايدة للغرب إذا لم تتابع الولايات المتحدة محادثاتها رفيعة المستوى مع "طالبان". ويشدد آخرون على أهمية أن تتفوّق الحاجة المُلحّة إلى التعاون مع نظام "طالبان" لتسليم المساعدات الإنسانية إلى الأفغان اليائسين على أي مخاوف في مجال حقوق الإنسان. لكن يغفل هذان المعسكران عن حقيقة الوضع.

لا يمكن إرساء الاستقرار على المدى الطويل من خلال الموافقة على التواصل مع "طالبان" بغض النظر عن سجلها في مجال حقوق الإنسان. بل إن أسلوب الحُكم الذي تختاره "طالبان" قد يُحدد فرص الاستقرار السياسي محلياً أكثر من استعداد الولايات المتحدة أو أي بلد آخر للمشاركة في محادثات مع "طالبان". إذا أصرّ نظام "طالبان" على مقاربته القمعية، سيصبح الشعب الأفغاني أكثر استعداداً لمقاومة انتهاكات الحقوق والحريات، حتى أنه قد يميل إلى المقاومة العنيفة أكثر من أي وقت مضى وبغض النظر عن إصرار المسؤولين الأميركيين على التحاور مع النظام. تقول باشتانا دوراني، المديرة التنفيذية لمنظمة "ليرن" التعليمية الأفغانية غير الربحية: "أهم ما يجب أن يفهمه المجتمع الدولي هو عدم جدوى مقابلة مسؤولين من "طالبان"".

في أواخر شهر آب، حذرت الأمم المتحدة من حاجة 24 مليون أفغاني إلى المساعدات الإنسانية حتى الآن، وضرورة تأمين أكثر من 700 مليون دولار لمساعدة الأفغان على تجاوز الشتاء المقبل. لكن يُفترض أن تحصر واشنطن تواصلها مع "طالبان" عبر تحديد مجموعة من المبادئ المتعلقة بتسليم المساعدات، بما في ذلك عدم تدخّل "طالبان" في عمل المنظمات التي تنفذ برامج المساعدات. بدأت المخاوف تتصاعد من أن يحاول قادة الحركة التلاعب بالمساعدات الإنسانية عبر اختيار الجماعات التي تتلقاها وتوجيه منظمات الإغاثة لتوظيف عاملين من القوائم التي تقترحها.

في الشهر الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن عدم إرسال أصول أفغانية مجمّدة بقيمة 3.5 مليارات دولار إلى البنك المركزي الأفغاني الذي تسيطر عليه "طالبان". إنها خطوة واعدة. وفي 14 أيلول، أعلنت إدارة بايدن عن توزيع تلك الأموال على الشعب الأفغاني عبر صندوق دولي يديره مسؤولون من الحكومة السويسرية وخبراء أفغان. من المنتظر أن يوزع الصندوق الأفغاني الجديد مبلغ 3.5 مليارات دولار بطريقة تفيد الشعب الأفغاني وتضمن عدم وصول المال إلى "طالبان".



من إحدى الثانويات الأفغانية للفتيات



لكنّ أهم خطوة تستطيع الولايات المتحدة اتخاذها لإقناع "طالبان" بأن الوضع تغيّر تقضي بإعادة فرض حظر السفر الذي أقرّته الأمم المتحدة على جميع قادة "طالبان"، علماً أن هذا القرار لم يعد ساري المفعول منذ العام 2019. لكن انتهت صلاحية ذلك الإعفاء في أواخر شهر آب، حين فشل مجلس الأمن في التوصل إلى اتفاق حول تمديده، مع أن روسيا والصين ستحاولان على الأرجح فرض إعفاءات إضافية لتسهيل سفر أعضاء "طالبان" مستقبلاً. إذا تابع المجتمع الدولي السماح للمسؤولين في الحركة بالسفر إلى الخارج، سيوجّه رسالة مفادها أنه يتقبّل إصرارهم على قمع النساء والفتيات. في السنة الماضية، استغلت "طالبان" إعفاءها من حظر السفر لمحاولة كسب الشرعية الدولية عبر حضور مؤتمرات عالمية في النروج في كانون الثاني، وفي أوزبكستان في تموز. في غضون ذلك، تابع النظام داخل أفغانستان انتهاك حقوق المرأة وكثّف حملته القمعية ضد المجتمع المدني الأفغاني.

فيما تسعى واشنطن إلى الحد من تواصلها الدبلوماسي مع "طالبان"، يجب أن تُركّز أيضاً على إيجاد طرق مبتكرة لدعم المجتمع المدني الأفغاني، منها تأمين الموارد للجماعات الأفغانية المحلية لمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان، ودعم حقوق المرأة وحرية الإعلام، ودعوتها إلى المشاركة في التجمعات الدولية. كذلك، يُفترض أن تُخصص واشنطن موارد إضافية لصالح بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان، ما يسمح لها بزيادة تركيزها على منع انتهاكات حقوق الإنسان والتعاون عن قرب مع المجتمع المدني الأفغاني. من الضروري أيضاً أن يحافظ المجتمع الدولي على إجماعه غير الرسمي لمنع الاعتراف بـ"طالبان" كحكومة شرعية في أفغانستان، إلى أن تلبّي الحركة أبسط معايير الحُكم وحقوق الإنسان على الأقل وتتخذ الخطوات اللازمة لقطع علاقاتها مع الإرهابيين.

لقد مرّت أكثر من خمسة أشهر منذ أن نكثت "طالبان" بوعدها بإعادة فتح المدارس الثانوية للفتيات. بعد إنفاق مئات ملايين الدولارات في آخر عشرين سنة لدعم المنظمات التي تعزز حقوق المرأة في أفغانستان، تحمل الولايات المتحدة واجباً أخلاقياً تجاه النساء والفتيات الأفغانيات. بدأت هذه الفئة النسائية التي شاركت واشنطن في تمكينها تفقد حقها في التعلّم والعمل، ويخشى عدد كبير منهنّ أن يخسر حياته اليوم.

وثّقت المنظمات الدولية والأمم المتحدة انتهاكات عدة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى انتهاك حقوق النساء والفتيات، بما في ذلك جرائم قتل خارج نطاق القضاء، واعتقالات تعسفية، ونزوح قسري، واضطهاد الأقليات، وممارسات التعذيب، وحملات قمع ضد الصحفيين وحرية التعبير على مر السنة الماضية. لا يمكن تقبّل تصرفات "طالبان"، ويجب أن تعكس السياسة الأميركية هذا الموقف الرافض عبر تبنّي مقاربة أكثر صرامة إلى أن تنفّذ الحركة وعودها السابقة وتحترم حقوق جميع الأفغان.