باتريسيا جلاد

بعد تحقيق في الحسابات... عدد كبير من السياسيين والمصرفيين يدخلون السجون

ضاهر: بالمحاسبة فقط يرتفع منسوب إسترداد الودائع

3 تشرين الأول 2022

02 : 00

نصّ البند 25 وتحديداً النقطة 5 في برنامج الإصلاح المالي والإقتصادي، الذي أعدّته الحكومة، "على ضرورة حماية جميع الحسابات لغاية مبلغ 100 ألف دولار، شرط كفاية حجم اصول كل مصرف على حدة، علماً أن هذا البند لا ينطبق على الزيادات في ارصدة المودعين بعد 31 آذار 2022". وفي النقطة 6 ضرورة تحویل جزء من أرصدة الودائع التي تتعدى 100 ألف دولار إلى اللیرة اللبنانیة وتحویل جزء آخر الى اسھم لإعادة رسملة المصارف في إطار معالجة كل مصرف على حدة.

تلك الخطة تضع الإطار العام والتمنيات وهي لا تقر بمجلس النواب، وإنما تتفرع عنها قوانين تقرّ في البرلمان، بينها قانون إعادة هيكلة المصارف الذي يجب ان يتضمن مصير الودائع ولو بشكل غير مباشر.



كريم ضاهر



100 ألف دولار غير مضمونة

ويقول المحامي ورئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلّفين كريم ضاهر لـ"نداء الوطن" إن "ودائع الـ100 ألف دولار وفقاً للخطة ستتم ضمانة إعادتها بالدولار الأميركي أو وفقاً لسعر صرف الدولار الحقيقي، على سنوات عدّة وحسب إمكانية كل مصرف، ما يعني أنه يمكن للمصرف أن يعيد للمودع أقلّ من 100 ألف دولار.

وتحديد صغار المودعين بـ100 ألف دولار يعود كما أوضح ضاهر الى انها جاءت استناداً الى إمكانيات إعادة تلك الأموال. فإعادة الـ100 ألف دولار للمودعين تكلّف نحو 32 مليار دولار، والأموال تلك غير متوفّرة حالياً. فاحتياطيات مصرف لبنان تبلغ 9.5 مليارات دولار والمصارف لديها رساميل جاهزة بقيمة 2 مليار دولار، والذهب بقيمة 17 مليار دولار، وأصول للمصارف (ضمانات عقارية...) ... إذا احتسبت بأكملها فهي توازي هذا المبلغ. ولكن لا يمكن اليوم لا بيع الذهب، ولا تنازل مصرف لبنان عما تبقى من احتياطي الزامي اذ ينعدم لديه الهامش المتوفّر لتغطية استيراد السلع الأساسية من الخارج".

شرط الضمانة

من هنا يضيف: "إذا أعيدت رسملة القطاع المصرفي من المصرفيين، أي من الأموال الموجودة في الخارج، على أن يدفع مصرف لبنان جزءاً من الإحتياطي الموجود، وتسير عجلة الإقتصاد كما يجب، يتم التسديد التدريجي للودائع لفترة 8 أو 10 سنوات، علماً أنه في خطة التعافي لم يتمّ تحديد الفترة. على أن يسددوا قسماً من الودائع بالليرة اللبنانية وفق السعر الحقيقي للدولار من دون اشعال حالة تضخمية في البلاد.

توازياً، اذا لم يستقر الإقتصاد ولم يحصل توحيد لسعر الصرف تكون إعادة ودائع الـ100 ألف دولار غير مضمونة".

ودائع ما فوق الـ100 ألف

أما الأرصدة التي تتعدى مبلغ الـ100 ألف دولار، سيحوّل جزء منها استناداً الى ضاهر، "الى اسهم ما يعني بالتعريف الإقتصادي bail in، وقسم تطبق عليه صيغة الليلرة أي يسدّد بالليرة اللبنانية، وذلك من خلال تخريجة صندوق لإعادة تعويض المودعين مما قد ينتج عن استثمار أصول الدولة بعد المناقشات التي أجرتها الحكومة مع صندوق النقد الدولي.

ولكن صندوق النقد الدولي فرض على الدولة اللبنانية تحقيق فائض أولي في الموازنة لسنوات. سيسمح هذا الفائض بإقامة شبكة أمان إجتماعية، وتأمين فرص العمل بشرط الإستقرار والإستثمارات وتحسين جباية الدولة، كما ستسدّد الدولة الديون المترتبة عليها ضمن مبدأ استدامة الدين العام.

عندها يمكن للصندوق أن يبدأ بالإنتاج اذا توفّرت ايرادات من استخراج البترول على سبيل المثال في المستقبل. وبالتالي لا تعرف تلك الفئة من المودعين متى ستبدأ عملية استرجاع أموالهم من خلال الصندوق.

كما ستمنح دفّة إدارة اصول واستثمارات الدولة للقطاع الخاص ولكن بعد إعادة هيكلة الإدارة والموظفين. نسلمها للقطاع الخاص المتداخل مع السياسيين والنافذين.

رؤية المهن الحرّة: ودائع مشروعة وغير مشروعة

لدى اتحاد نقابات المهن الحرّة مقاربة مغايرة اذ يعتبر ضاهر ان "التفرقة بين مودع قديم وآخر جديد ومودع كبير وصغير، أمر مرفوض. فأرسى الاتحاد مفهوماً جديداً وهو الودائع المشروعة وغير المشروعة.

الأولى كما يوضح ضاهر، تتطلب من المودع إثبات مشروعية الوديعة والثانية تنطبق على من لا يستطيع أن يثبت مشروعيتها. ويتمّ ذلك من خلال تطبيق قانون الإثراء غير المشروع، فيُطلب من مدير عام وزارة معينة مثلاً بعد رفع السرية المصرفية عن حساباته تبرير وديعته البالغة مثلاً 40 مليون دولار، مقابل راتب بقيمة 3000 دولار (ما يعادل 4.500 ملايين ليرة) لفترة 30 سنة. فتتمّ مساءلته،عندها عليه أن يبرهن أن تلك الأموال أتت من عمله او تمت وراثتها من أحد افراد عائلته مع ذكر الشخص الذي أورثه تلك الأموال والتحقّق مما اذا كان دفع رسوم الإنتقال...".

وتنطبق تلك القاعدة أيضاً على المصرفيين الذين حوّلوا بعد 17 تشرين الأول أموالهم الى الخارج، أو كانوا يعلمون قبلاً أن القطاع المصرفي يشارف على الإنهيار فحوّلوا مع أعوانهم الأموال. وتنطبق على ذلك الفعل صفة الإفلاس الإحتيالي او التمويه لإعطاء صورة للزبائن أن المصرف ثابت ويقف على رجليه، "تعتبر أيضاً تلك الأموال غير مشروعة ويتمّ شطبها".

الى ذلك يضيف ضاهر: "تدرج ضمن الأموال غير المشروعة وتشطب، تلك الناجمة عن تجارة المخدّرات والأسلحة أوالأموال المحوّلة من الخارج للتهرّب من الضريبة، فتخفّض الفجوة ويمكن تسديد ودائع تفوق قيمة الـ100 ألف دولار.

خطة الحكومة: ودائع مؤهّلة وغير مؤهّلة

لم تتطرق الخطة الإقتصادية، الى تفاصيل الودائع بل ميزت بين الودائع المؤهلة أو غير المؤهلة، ولم تتناول موضوع الودائع المشروعة وغير المشروعة لأن المسؤولين لا يريدون المحاسبة والمحاكمة، لا للطبقة السياسية ولا للمنظومة المالية. ويشير ضاهر الى أن الحكومة اعتبرت أن الودائع التي تحوّلت من الليرة اللبنانية الى الدولار على سعر 1500 ليرة بعد 17 تشرين الأول 2019، هي غير مؤهّلة لحين توفير الحماية لها أي انها لا تتضمن الإجراءات الحمائية التي تتمتع بها الودائع التي تصل الى 100 ألف دولار، بل تسدد وفق سعر الـ 8000 ليرة".

ولناحية الفوائد، قال ضاهر: "اعتبرت الخطة أن الفوائد الإضافية المتراكمة منذ العام 2015 سيتم حسمها. وهنا الطامة الكبرى، اذ إن من شارك في الهندسات المالية حصل على الفوائد فوراً بنسبة 30% و20% وحوّل فوراً بعدها أمواله الى الخارج لعلمه أن تلك العمليات ستؤدي الى الإنهيار.

وفي خطة الحكومة، إن من اقتنص الفوائد المرتفعة وأخرج أمواله من البلاد لن تتمّ ملاحقته"، لذلك يعتبر هذا الفعل أكبر عملية سطو على الأموال وإخفاء لمعالم الجريمة.

تنظيم الامور وفق ما تشتهي البنوك

يقول ضاهر: "إن الدولة تريد اقرار قانون ضمان الودائع. ما يعني أن مصرف لبنان غير مفلس وحائز على ضمانة الدولة. وبالتالي الأخيرة غير مفلسة.

أي لا يمكن تغيير ادارات البنوك وتطبيق القوانين المصرفية عليهم الا وفق ما طرحوه في قانون إعادة هيكلة المصارف. والسلطة التي ستتولى تلك المسألة هي الهيئة المصرفية العليا التي تتألف من أفراد عينوهم الذين أداروا البلاد لتاريخ اليوم وأوصلوه الى ما وصل اليه. وبالتالي تنظّم الأمور كما تريد المصارف وتعتبر أنه لا يوجد مصرف مفلس لحين تذويب الودائع وتسييلها. وتضم الهيئة المصرفية العليا: حاكم مصرف لبنان ونواب الحاكم والقاضي هو المدعي العام المالي وممثل عن جمعية المصارف.

طروحات جذرية

يقول ضاهر: الأولوية لدينا لعزل إدارات المصارف الحالية وحجز أموالهم إحترازياً والتحقيق معهم، من لم يثبت عليه أي فعل يحصل على أمواله ومن يعتبر مرتكباً لمخالفة تحجز أمواله، واذا كان هناك سياسيون مرتكبون مخالفون فليتحمّلوا مسؤوليتهم. فيتم تعيين لجان إدارية جديدة تتألّف من الكفاءات توحي بالثقة، عندها يتمّ تخفيف الفجوة من 72 مليار دولار الى 30 ملياراً. فتزيد فرص تسديد الودائع. عندها نوافق على منح الدولة ضمانتها لكن بعد بدء المحاسبة وتحديد المسؤوليات وعزل الإدارات الحالية للمصارف.

وحول الجهة التي ستقوم بالتحقيق، قال: "القضاء الذي يجب ان يكون شجاعاً ويقوم بعمله، أو من خلال محكمة خاصة وهيئة خاصة لإدارة موضوع إعادة هيكلة المصارف. ولكن ليس بالشكل الحالي بل بعد تغيير أعضاء الهيئة المصرفية العليا الذين يتحمّلون المسؤوليات مثل حاكم مصرف لبنان والمدعي العام المالي والممثل عن جمعية المصارف. اذ يتمّ ضمّ ممثلين عن المجتمع المدني والمودعين لمراقبة مجريات الأمور بكل شفافية".

- "اذا بدأت المحاسبة وتحديد المسؤوليات وتخفيض الفجوة، يمكننا السير في الإطار المرسوم من قبل الحكومة في خطتها. ولكن مع تغيير الصندوق المعروض الى آخر إئتماني وفقاً للقانون 520/96 باعتبار ان الدولة هي التي تحافظ على اصولها. فتتم إدارة الصندوق (من خلال قانون الشراء العام الجديد ) من جهة خارجية متخصصة معروفة لتكون خارجة عن الإصطفافات السياسية والتأثيرات السياسية، مع شرط عدم خسارة السيادة.

- تطبيق قانون السرية المصرفية 189/2020 بالنسبة الى الموظفين العامين من الفئة الرابعة الى رئيس الجمهورية الذين قدموا تصريحاً برفع السرية في 31/3/2021 فترسل الى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وتبدأ المقارنة مع الموجودات قبل أن يصار الى شطب غير المشروع منها. وكذلك الأمر بالنسبة الى المدراء المصرفيين والتنفيذيين. وهذا التدبير سبق أن اعتمد في إيسلندا وقبرص وأنجز بأقل من عام".

تصفير الرساميل والأسهم التفضيلية وسندات الدين

إستناداً الى التسلسل الهرمي لامتصاص الخسائر، يقول كريم ضاهر: «تعتبر الخطة أن رؤوس أموال المساهمين تعادل صفراً. ما يعني أن كلّ اصحاب الأسهم التفضيلية وسندات الدين خسروا حقوقهم بعد أن أوهمتهم الحكومة وقتها أنها مضمونة على غرار الودائع، مخالفين المبادئ المهنية والأنظمة الواردة في هيئة الأسواق المالية CMA (التي تحدّد شروط التعاطي مع الزبائن في ما يتعلق بالأدوات المالية والمخاطر )، من دون إعلام حامل الأسهم التفضيلية او سند الدين أنه في حال حصول أي تعثّر طارئ waterfall (تحمّل مسؤوليات) تلقى المسؤولية على عاتقه. وإنما فقط اقتصر إعلامهم أنها تعود عليه بالفائدة بنسبة 7.5% بدلاً من 4% وهي تلك التي تمنح للأموال المودعة في البنوك».

وفي السياق، يشير ضاهر الى أن «كل من لديه سندات دين أو اسهم تفضيلية لدى المصارف، طارت أمواله وفقاً للخطة الإقتصادية التي وضعتها الحكومة. الى هؤلاء، هناك مساهمو المصارف الذين سيخسرون حصّتهم، ما يتطلب إعادة الإكتتاب في المصرف برأس المال ليصبح مجدّداً مساهماً». مشيراً الى أن «المفارقة بين الحكومة والمصارف، أن الأخيرة لا تريد أن تخسر رساميلها وإنما تريد تكبيدها خسائر بجزء من رأسمالها على أن تضمن الدولة ما تبقى منها. الأمر الذي لا تريده الحكومة بل تريد أن «تَمحي» الدين وتحمّل المسؤوليات عن طريق المساهمين وأصحاب السندات وأصحاب الأسهم التفضيلية».

تغيير الواقع أو ينتهي لبنان

أكّد كريم ضاهر انه اذا تمّ فتح تحقيق في الحسابات، فان عدداً كبيراً من السياسيين والمصرفيين والمواطنين سيدخلون السجون، لذلك لن يفتحوا التحقيق ولن يتغير البلد. فإما نغير الواقع أو نتجه صوب اللاتغيير وينتهي لبنان.