بشارة شربل

فخامتك... "حِلْ" عن القضاء

3 تشرين الأول 2022

02 : 00

كنت آليت على نفسي اعتبار تشرين الأول من "الأشهر الحُرُم" فأتوقف خلاله عن التنديد بـ"العهد القوي" وبما جناه على اللبنانيين من خراب انسجاماً مع القول المأثور "الضرب بالميت حرام". ودفعني الشعور بالشفقة الى البحث في نهايات عهود رؤساء ثارت في وجوههم جموع وطوائف وتظاهرات بفعل فساد أقارب، كالرئيس بشارة الخوري، أو اختلاف سياسات، كالرئيسين كميل شمعون وإميل لحود، فلم أجد أثراً لعدٍّ تنازلي، بالأيام والساعات والدقائق والثواني، شبيه بانتظار اللبنانيين مقيمين ومغتربين جلاء الرئيس عون عن قصر بعبدا أملاً في استقبال رئيس مستحقّ ينفخ في رميم الدولة بعض الحياة.

أهو الانهيار العميم الذي حصل في السنوات الستّ الأخيرة أم انفجار وسائل التواصل الاجتماعي الذي أخرج المكنونات وجعلَ البوح سريع الإنتشار؟ كلاهما على الأرجح مسؤولان عن سيل تعليقات درَّتُها تحوير أغنية ملحم بركات المرحِّبة بـ"الرئيس المقاوم" الى "فْرِحنا إنك فالل...".

هناك مهمة تاريخية توجِب أن يستجمع أحد المستشارين شجاعته ليبلغ الرئيس المغادر أن جُلَّ ما يمكنه انجازه في الهزيع الأخير من ولايته، هو منح أوسمة وتلقي زجليات المدح واستغلال حدائق القصر لتغذية ألبومات صور الأحفاد، ذلك أن إطلاقه تصريحات سياسية هو استمرار لنهج مُدان قوامه التضليل والإنكار، وكأنه لم يكتفِ بالأضرار التي ألحقتها مواقفه بالبلاد خلال جلوسه على الكرسي فأراد أن يطبّق مَثلَ "يا رايح..." بالتمام والكمال.

كنا غضضنا النظر في الأيام الأخيرة عن جملة "تخبيصات" أبرزها أن فخامته يتمنى انتخاب رئيس يكمل مسيرته الإصلاحية، لكن المحاضرة التي ألقاها السبت بالوفد الأوروبي تدفع مجدداً الى المطالبة بوقف الأذى المقصود للسلطة القضائية والاستهداف المبرمج لمجلس القضاء بشخص رئيسه سهيل عبود المشهود له بالنزاهة والحياد.

تحت ستار الحملة الرئاسية الوهمية لمكافحة الفساد شنَّ فخامته هجوماً على القضاة المتقاعسين عن جلب اللص رياض سلامة الى التحقيق. وهو كلام حقّ يراد به باطل، خصوصاً أن حاشيته وحلفاءه هم رواد المنظومة الفاسدة التي "أبدعت" في فنون الهدر والنهب وانتهاك مقومات الدولة والتي تمرّست في الإفلات من العقاب.

وإذ لم يكتفِ فخامته بزرع الشكوك في أهل القضاء مستخدماً "علكة" التدقيق الجنائي، فإنه لم يتورّع عن دعم هجوم صهره على مجلس القضاء بحجة عرقلة بدعة تعيين قاض عدلي رديف في "جريمة النيترات"، مبدياً حرصاً متساوياً على أهالي الضحايا المكلومين وأهالي الموقوفين المعذبين، وهي معادلة ساقطة يعلم الرئيس أنها لا تستقيم كون واجبه وقسمه يفرضان عليه تسهيل مهمة القاضي الأصلي عبر الضغط على "الثنائي" الشيعي لوقف استخدام أداة اسمها يوسف خليل، فيفصل طارق البيطار في التوقيفات ويتابع جهوده لإخراج القرار الظني الى النور.

هو التضليل بعينه حين يحوِّل الرئيس وصهره وكل فريقه السياسي قضية التحقيق الى قضية موقوفين جاعلاً أحدهم حبيساً طاهراً لا محبوساً متهماً، بدل أن يَنهى وزير العدل عن اقتراف اجتهادات في تسمية "الرديف" او ترشيح قاضية عونية "فاقعة" لتولّي هذا المنصب المفتعل. لكن لا مجال للغرابة، فتقرير خطورة "النيترات" كان في قصر بعبدا قبل عشرين يوماً من 4 آب!

حبذا لو يُسَنُّ تشريعٌ عاجل يفرض "الصمت الرئاسي" في ما تبقى من أيام على غرار "الصمت الانتخابي" قبل انتخاب البرلمان. التشريع ممكن بمادةٍ وحيدة وبرفع الأيدي ولمرّةٍ واحدة. أليس مجلس النواب "سيّد نفسه"؟.