تشارلز ليستر

تجديد التواصل مع نظام الأسد تجربة فاشلة

3 تشرين الأول 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

في الأسابيع الأخيرة، انتشرت توقعات حول احتمال أن تفكر تركيا بتجديد التواصل مع نظام الرئيس السوري بطريقة معينة. وتتعدد الأسباب التي تبرر التشكيك بهذا الاحتمال، لكنّ فكرة استكشاف أدوات مختلفة للتواصل مع دمشق ليست جديدة. أصبح سجل نظام الأسد المريع في جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية معروفاً، ومع ذلك أطلقت حكومات عدة في الشرق الأوسط حديثاً سياسات تهدف إلى تطبيع العلاقات معه. في ظل الظروف الراهنة، تبرز الحاجة إلى تقييم مصير هذه المبادرات المثيرة للجدل وعواقبها المحتملة. تجنبت الجزائر مثلاً معارضة النظام السوري لفترة طويلة، لكنها بذلت جهوداً مكثفة بين العامين 2021 و2022 لإقناع أعضاء جامعة الدول العربية بضم سوريا إليها مجدداً، لكن تأكد فشل جهودها في المرحلة الراهنة. وخلال فترات معينة، جدّدت مصر والبحرين وسلطنة عمان تواصلها مع نظام الأسد، لكن لم تُحقق هذه المساعي الأثر المنشود.

يتّضح أكبر فشل في تجديد التواصل مع الأسد، من دون منحه مصداقية كاملة أو إضعاف العدالة، في الأردن تحديداً. دعم هذا البلد المعارضة المسلّحة والمعادية للأسد في سوريا منذ العام 2012، لكنه غيّر موقفه في العامَين 2017 و2018. حتى أنه ذهب إلى حد السماح بإطلاق حملة وحشية يقودها النظام السوري، بالتنسيق مع روسيا، ضد جنوب سوريا في صيف العام 2018. انقلب الأردن ضد المعارضة السورية لأنه يفضّل إرساء الاستقرار على طول حدوده، ويريد إنشاء الظروف التي تسمح بعودة اللاجئين، وتجريد جنوب سوريا من خلايا "الدولة الإسلامية"، وتقليص وجود إيران و"حزب الله" في تلك المنطقة.

مقابل استعداد الأردن للانقلاب على شركائه القدامى وتجريدهم من دفاعاتهم، قررت سوريا والأردن إعادة فتح معبر نصيب الحدودي، في تشرين الأول 2018، لاستئناف العمليات التجارية بين البلدين. خلال السنوات اللاحقة، زادت التجارة بين سوريا والأردن بنسبـة 15% تقريباً، وبلغ مجموعها 94 مليون دولار بدءاً من العام 2020.

لكن باستثنـاء منفعة استئنــاف التجارة، لم يتحقق الوعد الروسي "بالمصالحة". أصبحت محافظة درعا الجنوبية اليوم من أكثر المناطق التي تفتقر إلى الاستقرار في سوريا، إذ تكثر فيها اعتداءات المتمردين يومياً، ويحتدم الصراع بين مختلف الفصائل، وتقع اغتيالات مستهدفة هناك. في خضم هذه الفوضى العارمة التي فشلت روسيا في حلّها، تحافظ إيران على مكانتها مع "حزب الله" وشبكة من الميليشيات العميلة، حتى أن الإيرانيين وعملاءهم وسّعوا نطاق نشاطاتهم ونفوذهم هناك، فهم يديرون حوالى 150 منشأة عسكرية في جنوب سوريا. كذلك، تتابع "الدولة الإسلامية" تنفيذ اعتداءات متفرقة في المنطقة.

إذا لم تكن هذه التطورات كلها دليلاً على فشل تجديد التواصل بين الأردن والنظام السوري، فيُفترض أن يكون تكثيف عمليات تهريب المخدرات، برعاية نظام الأسد عن طريق الأردن، إثباتاً كافياً على ذلك. في ظل انهيار الاقتصاد السوري بعد أكثر من 11 سنة على بدء الصراع، ونظراً إلى استفحال الفساد منذ عقود، لجأت النخبة المقرّبة من النظام إلى المخدرات، لا سيما إنتاج الكبتاغون غير الشرعي. في العام 2021، تم إنتاج كميات كبتاغون تصل قيمتها إلى 30 مليار دولار في منشآت يحرسها متعاقدون عسكريون من القطاع الخاص، وجرى تهريبها من سوريا عبر أقوى جهاز أمني محلي: إنها الفرقة المدرّعة الرابعة التي يقودها شقيق بشار الأســد، ماهـــــر، وغالباً ما تحصل عملياتها بالتنسيق مع "حزب الله".

لطالما كانت عمليات تهريب المخدرات ناشطة على طول الحدود السورية الأردنية، لكنها بلغت مستوىً قياسياً في آخر سنتين. سُجّل أخطر ارتفاع في هذه النشاطات في تشرين الأول 2021، ولا يزال هذا الوضع حتى الآن. منذ ذلك الحين، قُتِل عشرات الناس خلال اشتباكات حدودية على صلة بتجارة المخدرات السورية. كان الأردن نقطة عبور نحو السوق الرئيسي في منطقة الخليج سابقاً، لكنه تحوّل منذ ذلك الحين إلى سوق أساسي بحد ذاته، إذ يُعتبر تعاطي الكبتاغون في البلد اليوم بمثابة "وباء"، لا سيما وسط فئة الشباب، تزامناً مع وصول معدل البطالة إلى 30%.

تؤكد هذه الموجة غير المسبوقة من تهريب المخدرات، مقابل حرص الأردن على تجديد تواصله مع النظام السوري، سوء تعامل الأسد مع الدول المجاورة التي كانت تحاول إسقاطه منذ فترة. ونظراً إلى ضخامة قطاع الكبتاغون في المناطق السورية التي يسيطر عليها النظام، لا يمكن أن يكون تصاعد عمليات التهريب إلى الأردن بهذه الدرجة الاستثنائية مجرّد صدفة. يؤكد هذا الوضع أيضاً أهمية تجارة المخدرات بالنسبة إلى الاقتصاد المتعثر في عهد الأسد. في الأوقات الحاسمة، تطغى أهمية تدفق أموال المخدرات على محاولات تشجيع التواصل الإقليمي والمبادرات الرامية إلى تطبيع العلاقات. بعبارة أخرى، يُفترض أن يكون النظام السوري مسروراً بهذا الوضع، فهو يحصل على حصته الخاصة من هذه العمليات ويستفيد منها على أكمل وجه.

بـــــــــرأي الدبلوماســـــيين الأردنيين، بات قطاع تهريب المخدرات في سوريا "منظّماً في الفترة الأخيرة"، فقد أصبحت هذه العمليات يومية، وتشمل كل واحدة منها حوالى 200 شخص يتوزعون على مجموعات، ويتولى البعض المراقبة عبر استعمال طائرات مسيّرة وفِرَق تمويهية مسلّحة لإلهاء القوات الأردنية. زار كبار المسؤولين الأردنيين واشنطن منذ ذلك الحين، وقدّموا بيانات خاصة حول التهديدات التي يطرحها تهريب المخدرات، وعلاقتها المباشرة بالنظام السوري، ودور إيران و"حزب الله" في هذه النشاطات.

ليس مفاجئاً إذاً أن تتوقف عبارات الصداقة "الأخوية" التي كان الأردن يستعملها علناً للإشارة إلى النظام السوري، حتى أن الوزراء حصروا تصريحاتهم عن سوريا بمواضيع مثل اللاجئين وإيران، ما يثبت عودتهم إلى مواقفهم السابقة، باستثناء إصرار الأردن على إقناع الحكومة الأميركية برفع العقوبات لإبرام صفقة إقليمية تتطلب مرور مصادر الطاقة في سوريا. تهدف هذه الصفقة إلى تزويد لبنان بساعة أو ساعتين من الكهرباء يومياً، لكنها ستزيد قوة سوريا داخل لبنان وتجعل الأسد محور اتفاق إقليمي كبير يحظى بدعم دولي.

يزعم وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أن الأزمة السورية يمكن حلّها عبر "مقاربة تدريجية" تقضي بإعادة التواصل مع نظام الأسد، حيث يعرض المجتمع الدولي على دمشق منافع معينة مقابل اتخاذ خطوات إيجابية متبادلة من الجانب السوري. عملياً، ترتكز المقاربة الأردنية على قناعة مفادها أن ضم نظام الأسد إلى الآليات الإقليمية يُشجّعه على تبنّي سلوكيات حسنة وتجنب التصرفات السيئة. لا شيء يثبت صحة هذه الفرضية، لكن تتعدد الأمثلة التي تشير إلى احتمال معاكس. قد تكون تجربة الأردن في إعادة التواصل مع نظام الأسد أفضل دليل على استفادة دمشق وحدها من التنازلات التي تقدمها "المقاربة التدريجية" المقترحة.

يدّعي المسؤولون الأردنيون في أوساطهم الخاصة اليوم أنهم لم يرغبوا يوماً في تجديد التواصل مع نظام الأسد أو تطبيع العلاقات مع سوريا. لكن اتخذ المسؤولون موقفاً دفاعياً مختلفاً في أواخر العام 2021، حين واجهوا موجة من الانتقادات بعد قرار الأردن بتجديد التواصل مع سوريا. في تلك الفترة، اعتُبِرت الزيارات رفيعة المستوى والتواصل مع النظام السوري في الأوساط الخاصة خطوات لإرساء الاستقرار في جنوب سوريا وإنشاء الظروف اللازمة لتسهيل عودة اللاجئين، تزامناً مع تعزيز التجارة، وتقوية أمن الحدود، وإنهاء تهريب المخدرات، واستكشاف خيار التواصل التدريجي مع الأسد.

لكن كانت هذه الحسابات كلها خاطئة، وقد اتضحت عواقبها بأسوأ الطرق. بدت السياسة الأردنية التي طُرِحت على البيت الأبيض، في تموز 2021، قريبة من المواقف الروسية القديمة تجاه سوريا، وكان يُفترض أن تشكّل جرس إنذار حول التداعيات اللاحقة. في النهاية، تزامن انقلاب المواقف الأردنية من سوريا في العام 2017 مع تكثيف التفاوض والتنسيق مع موسكو، وقد تسارع التواصل بين الطرفَين منذ ذلك الحين. في الوقت نفسه، حصل الأردن على الإذن للمضي قدماً، شرط تطبيق مقاربة حذرة بما يكفي.

في الأشهر الأخيرة، بالكاد انتقد الأردن الغزو الروسي لأوكرانيا. ونظراً إلى العلاقة الاستراتيجية الوثيقة بين عمّان وواشنطن، أدت نتائج التواصل القصير بين الأردن ونظام الأسد إلى تعثر الجهود الدولية الرامية إلى طرح سياسة فاعلة لترسيخ التغيير والعدالة في سوريا. تتابع الولايات المتحدة اليوم استعمال نفوذها ومواردها لإقناع شركائها الدوليين بالحفاظ على جبهة موحدة لمعارضة عودة الأسد إلى الساحة العالمية، لكن لا مفر من تصدّع تلك الجهود حين يخالف أحد أقرب حلفائها الإقليميين هذا النهج.

مع ذلك، حصل الأردن للتو على اتفاق اقتصادي بقيمة 10.5 مليارات دولار مع الولايات المتحدة، وبدأ يستفيد من توسّعٍ ملحوظ في التعاون العسكري متعدد الأطراف لإرساء الأمن على الحدود مع سوريا. ربما تساهل صانعو السياسة مع الأردن، رغم حساباته الخاطئة في الملف السوري، لكن يجب ألا ينسى أحد الدروس المستخلصة من تلك الأخطاء. يُفترض أن تُقابَل الأفكار التي تتوقع تحقيق منافع ملموسة عبر التعاون مع نظام الأسد بالتشكيك الذي تستحقه.