جاد حداد

تجربة بشرية وشيكة لعلاج جيني جديد بخلايا الأجسام المضادة

5 تشرين الأول 2022

02 : 01

لعبت الأجسام المضادة دوراً محورياً خلال أزمة كورونا، فقد استعملنا الاختبارات المنزلية بحثاً عنها وتلقينا لقاحات كي تُصنّع أجسامنا كميات إضافية منها. لكن لم تلقَ الخلايا البائية الاهتمام نفسه: إنها الخلايا المناعية التي تنتج الأجسام المضادة (حتى 10 آلاف في الثانية)، وقد تدوم لسنوات داخل النخاع العظمي بعد التقاط العدوى.

لكن أعلنت شركة التكنولوجيا الحيوية، Immusoft، في سياتل للتو أن "إدارة الغذاء والدواء" الأميركية وافقت على السماح لها بمتابعة أول دراسة بشرية حول نوع جديد من العلاج الجيني، عبر استعمال الخلايا البائية المعدّلة وراثياً. تُخطط هذه الشركة لاستخدام الخلايا البائية لمعالجة مرض وراثي نادر: النوع الأول من داء عديد السكاريد المخاطي (MPS-1). يقول المدير التنفيذي للشركة، شون إينسوورث: "أنا واثق بأننا أول جهة تحصل على الضوء الأخير لإجراء تجارب عيادية من هذا النوع".

يقضي هذا المفهوم بهندسة الخلايا البائية بطريقة تجعلها تُصَنّع بروتينات أخرى بدل الأجسام المضادة. عند الإصابة بداء عديد السكاريد المخاطي، تبرز الحاجة إلى أنزيم يُسبّب غيابه أعراضاً متنوعة وكارثية.

يتلقى المصابون بهذا المرض راهناً حِقَناً بالأنزيم المفقود، لكنها ليست كافية لمعالجة المرض مباشرةً. يقول المسؤولون في Immusoft إن شركتهم تستطيع أن تُهَندس الخلايا البائية لإنتاج ذلك الأنزيم.

علاجات دموية

من المنتظر أن يخضع العلاج المقترح لداء عديد السكاريد المخاطي للاختبار في مرحلة معينة من الأشهر الستة المقبلة في كلية الطب التابعة لجامعة مينيسوتا، وهو أحدث مثال على المقاربة التي يستعمل فيها الباحثون العلاج الجيني مع الخلايا في الدم، فيقومون ببرمجتها وراثياً لمنحها وظائف جديدة بالكامل.

من الناحية الإيجابية، يمكن استخراج خلايا الدم المستعملة لإضافة جينات جديدة من المريض وهندستها في المختبر، ثم إعادتها إلى الشخص نفسه عبر التقطير الوريدي.

من أصل 15 علاجاً جينياً صادق عليها المراقبون في الولايات المتحدة أو أوروبا، يقضي أكثر من نصفها بإضافة شحنة من الجينات إلى الخلايا الجذعية في النخاع العظمي (إنها الخلايا التي تنتج جميع كميات الدم الأحمر والخلايا المناعية)، أو خلايا الدم البيضاء المعروفة باسم الخلايا اللمفاوية التائية.

وفق "المعهد الوطني للسرطان"، تشمل ستة علاجات جينية من تلك التي تمت المصادقة عليها لاستهداف سرطان الدم في الولايات المتحدة خلايا تائية مُعدّلة. وتقضي علاجات جينية أخرى، مثل علاج فقر الدم المنجلي، باستبدال كامل النخاع العظمي بخلايا دم جذعية مُعدّلة وراثياً.

حتى الآن، لم تلقَ الخلايا البائية الاهتمام نفسه، ولم تخضع النسخ المعدّلة وراثياً لأي اختبارات على البشر. برأي شين ليو، أستاذة في كلية فرجينيا التكنولوجية كانت قد أثبتت في العام 2009 كيفية إنتاج الخلايا البائية المزوّدة بجينة مضافة، يتعلق جزء من السبب بصعوبة هندسة الخلايا البائية.

استكشفت تجربة أولية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا إمكانية توجيه الخلايا لحثّها على تصنيع أجسام مضادة لفيروس نقص المناعة البشرية، ما قد يُمهّد لظهور شكل جديد من اللقاحات.

لم تتحقق تلك الفكرة، لكن تريد شركات التكنولوجيا الحيوية الآن أن تستخدم الخلايا كمصانع للجزيئات لمعالجة أمراض نادرة وخطيرة. تقول ليو: "هذه الخلايا هي عبارة عن مراكز لإفراز البروتينات، وتريد تلك الشركات أن تستفيد من هذه الميزة".

منحت شركة Immusoft رخصة للتقنية التي اختبرها معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وحصلت على استثمار أولي من صندوق التكنولوجيا الحيوية Breakout Labs الذي يموّله رجل الأعمال بيتر ثيل. أطلق مؤسس الشركة، ماثيو شولتس، وهو مصمّم برمجيات، توقعاً جريئاً في العام 2015 مفاده أن التجربة قد تبدأ فوراً. لكن لم تكن التكنولوجيا التي وضعتها الشركة في خانة "برمجة جهاز المناعة" بسيطة بقدر ترميز أجهزة الكمبيوتر.

يقول إينسوورث إن شركة Immusoft اضطرت في البداية لاستكشاف طرق فاعلة لإضافة الجينات إلى الخلايا البائية طوال سنوات. بدل استعمال الفيروسات أو تقنية التحرير الجيني لإحداث تعديلات وراثية، تستعمل الشركة اليوم الجينة القافزة (جزيئة تميل إلى قص ولصق شرائح الحمض النووي).

كذلك، تطلّب إقناع "إدارة الغذاء والدواء" بإعطاء الإذن لإجراء التجربة بعض الوقت، إذ من المعروف أن الحمض النووي المضاف قد يتحول في نهاية المطاف إلى جينات شبه سرطانية وقد ينشّطها في بعض الحالات.

يقول الطبيب بول أوركارد من جامعة مينيسوتا، وهو المسؤول عن تنفيذ الدراسة واختيار المرضى المشاركين فيها: "يشعر المسؤولون في إدارة الغذاء والدواء بالقلق من احتمال نشوء سرطان الدم بعد إجراء هذه التجربة داخل خلية بائية. من المتوقع أن يراقبوا هذا الجانب من العملية عن كثب".

مصانع للخلايا البائية

قد تعالج أول تجربة على البشر جزءاً من الأسئلة العالقة حول التكنولوجيا الجديدة. هل تقبع الخلايا المُحسّنة مثلاً داخل النخاع العظمي البشري الذي تتركز فيه الخلايا البائية لفترة طويلة؟ نظرياً، قد تصمد الخلايا لعقود عدة، أو حتى طوال حياة المريض. لكن هل ستنتج كمية كافية من الأنزيم المفقود لتسهيل إبطاء داء عديد السكاريد المخاطي الذي يتطور بوتيرة تدريجية.

يقول ريتشارد جيمس الذي يطوّر مختبره في جامعة واشنطن مقاربات لهندسة الخلايا البائية: "لا أستطيع التأكيد على نجاحها، لكننا نشعر جميعاً بحماسة فائقة بعد أخذ الإذن لبدء التجربة".

يظن جيمس أن هذه التقنية تحمل ميزة كبيرة لأن الخلايا المُعدّلة لن تطلق أي ردة فعل مناعية. في المقابل، يقال إن المريض يطوّر مناعة تجاه العلاج حين تستعمل العلاجات الجينية الفيروسات لإدخال الحمض النووي الجديد إلى الجسم. إذا تلاشت هذه العلاجات (تتصاعد الأدلة التي تشير إلى زوالها في الدراسات الطبية)، يعجز الناس عن تلقي جرعة ثانية.

يضيف جيمس: "عند استعمال الخلايا، يمكن تجديد الجرعة مراراً لأنها لا تفتعل أي استجابة مناعية. يمكننا أن نعطي المريض إذاً كمية معينة، ثم نضيف المزيد، أو نمتنع عن أي إضافات". كذلك، لن يكون هذا العلاج مُنهِكاً ومكثفاً بقدر استبدال النخاع العظمي.

إذا أعطى العلاج مفعوله ضد داء عديد السكاريد المخاطي، يعرف الباحثون الأمراض التي يمكن استهدافها في المرحلة اللاحقة. في هذه الحالات، يجب أن تكون البروتينات العائمة في الدم (كتلك التي تدفعها الخلايا البائية) قادرة على إحداث فرق معيّن. يقول إينسوورث إن شركة Immusoft تهتم باستعمال الخلايا لضخ جينة الفوليستاتين المرتبطة بنمو العضلات كعلاج محتمل للساركوبينيا (مرض شيخوخة العضلات) أو متلازمة هزال الجسم. أو يمكن استعمالها أيضاً لإنتاج عوامل التخثر المفقودة لدى المصابين بالهيموفيليا.

في النهاية، يستنتج أوركارد: "يتعلق الهدف النهائي بابتكار نظام توصيل آمن قدر الإمكان. يجب أن ننتظر حتى ظهور النتائج".