كافيتا شودري

بعد 25 سنة... رئيس حزب المؤتمر الهندي من خارج عائلة غاندي

17 تشرين الأول 2022

المصدر: The Diplomat

02 : 00

مسيرة لحزب "بهاراتيا جاناتا" تحت عنوان توحيد الهند في ولاية كارناتاكا الجنوبية | الهند، 11 تشرين الأول 2022

سيتنافس نائبان من حزب المؤتمر في انتخابات 17 تشرين الأول: النائب المخضرم ماليكارجون خارغي (80 عاماً)، والدبلوماسي الذي أصبح سياسياً، شاشي ثارور (66 عاماً). للمرة الأولى منذ 25 سنة، يتجه حزب المؤتمر إلى اختيار رئيس من خارج عائلة غاندي.


كان راهول رئيس حزب المؤتمر بين العامين 2017 و2019، ثم استقال من منصبه لأنه وافق على تحمّل مسؤولية أخلاقية على أداء حزبه المريع في الانتخابات العامة للعام 2019. أصبحت والدته، سونيا غاندي، رئيسة الحزب المؤقتة ولا تزال تشغل هذا المنصب حتى الآن، علماً أنها كانت صاحبة أطول عهد كرئيسة للحزب (بين العامين 1998 و2019).

لطالما تعرّض هذا الحزب الهندي العريق للانتقادات باعتباره معقلاً لعائلة نهرو–غاندي. قاد ستة أفراد من هذه العائلة حزب المؤتمر (موتيلال نهرو، جواهر لال نهرو، أنديرا غاندي، راجيف غاندي، سونيا غاندي، راهول غاندي). وعلى مر وجود الحزب منذ 137 سنة، ترأس أفراد من عائلة نهرو-غاندي الحزب لأكثر من 50 عاماً.

في محاولة لتبديد الانتقادات المرتبطة بسطوة عائلة غاندي على الحزب، تكلم راهول عن ضرورة اختيار رئيس من خارج عائلة غاندي.

دعا عدد من قادة حزب المؤتمر والعاملين فيه إلى إعادة النظر بقراره، لكنه أوضح منذ بضعة أسابيع أنه لن يترشح، لا هو ولا أفراد عائلته، للانتخابات.

يُعتبر خارغي على نطاق واسع "المرشّح التوافقي" المفضّل، كونه يحظى بدعم كبار قادة حزب المؤتمر، وحتى القيادة العليا للحزب. كان لافتاً أن يحصد ترشيحه دعم "مجموعة 23" المؤلفة من كبار قادة الحزب: يحمل هؤلاء لقب "الثوار"، وقد وجّهوا رسالة مفتوحة إلى سونيا، في آب 2020، للمطالبة بإحداث تعديلات منهجية في الحزب.

أما ثارور، الذي كان جزءاً من "مجموعة 23"، فهو يُعتبَر المرشّح "الطموح" لأن الحرس القديم في الحزب يفضّل التوصّل إلى إجماع لانتخاب خارغي. دعت كوماري سيلجا، القيادية البارزة في حزب المؤتمر، ثارور إلى الانسحاب من الانتخابات علناً، لكن أصرّ هذا الأخير على استفادة الحزب من خوض انتخابات ديمقراطية.



(من اليسار) سونيا غاندي وراهول غاندي ورئيس الوزراء السابق مانموهان سينغ في اجتماع لحزب المؤتمر الوطني الهندي | 25 أيار 2019




ينحدر هذان المرشّحان من جنوب الهند (خارغي من "كارناتاكا"، وثارور من "كيرالا")، لكنهما مختلفان على جميع المستويات. خارغي هو زعيم المعارضة في مجلس الولايات، وكان في السابق ممثّلاً عن الحزب في مجلس الشعب. سبق وفاز في 11 استحقاقاً انتخابياً، على مستوى الولايات والبرلمان، منذ العام 1972، وقد واجه مصاعب عدة كقيادي في الحزب ويعرف طريقة عمله جيداً. هو معروف أيضاً بولائه الكبير لعائلة غاندي.

في المقابل، يحمل ثارور تاريخاً ناجحاً من العمل في الأمم المتحدة طوال 29 سنة. بعد محاولة فاشلة لملء منصب أمين عام الأمم المتحدة في العام 2007، دخل معترك السياسة الهندية وانضم إلى حزب المؤتمر. ثم فاز هذا الدبلوماسي السابق والسياسي الراهن بثلاثة انتخابات برلمانية متلاحقة في مقاطعة "ثيروفانانثابورام"، في "كيرالا". تروق قدراته البلاغية والمعرفية والإدارية لهذه الفئة من مناصري حزب المؤتمر، إذ يفضّل هؤلاء قيادة شابة وحيوية للحزب.

قارن ثارور مقاربته بنهج خارغي، فغرّد ما يلي: "تتعلق الاختلافات بكيفية تطوير الحزب في المراحل المقبلة وتحدّي حزب بهاراتيا جاناتا بقوة في العام 2024". ثم أضاف هاشتاغ #فكروا بالغد_فكروا بثارور.

تلاحقت الأحداث الدراماتيكية في المرحلة التمهيدية للانتخابات، فانسحب أقوى مرشّح، وهو رئيس وزراء راجستان أشوك جيلوت، من السباق الرئاسي لأن راهول تكلم عن تطبيق قاعدة "لكل رجل منصب واحد". وبما أن جيلوت كان يعارض الاستقالة من رئاسة الحكومة ورفض أتباعه في الولاية هذه الفكرة أيضاً، توقّع الكثيرون أن يتمرّد مناصروه.

بعد انسحاب جيلوت، أبدى قيادي مخضرم آخر في حزب المؤتمر اهتمامــــه بالترشّح، وهو رئيس وزراء ولاية "ماديا براديش" الســـابق، ديجفيجاي سينغ، لكنه عاد وانسـحب بعدما أثبت خارغي نفســه كأقوى منافِس.

يبدو خارغي خياراً مثالياً لحزب المؤتمر، فهو ينتمي إلى طائفة "الداليت"، وينحدر من ولاية "كارناتاكا" التي ستشارك في انتخابات مجلس الولايات في السنة المقبلة. وإذا تم انتخابه فعلاً، قد يسهم في تحسين فرص الحزب الانتخابية في تلك الولايات، حيث يواجه "حزب بهاراتيا جاناتا" الحاكم موجة معادية للمسؤولين الحاليين.

برأي معظم الناس، تبدو نتائج الانتخابات الرئاسية محسومة. وبعد إطلاق مسار الانتخابات أخيراً، تلاحقت التوقعات حول دور الرئيس الجديد.

خلال مؤتمر صحافي في ولاية "كارناتاكا" الجنوبية، حيث تتلاحق المواكب التابعة لمسيرة التوحيد في الوقت الراهن، سُئِل راهول عن احتمال أن تتحكم عائلة غاندي بأي رئيس لا ينتمي إليها عن بُعد، فأجاب قائلاً: "يحمل المرشّحان للانتخابات مواقف ووجهات نظر معينة، ولكل واحد منهما مكانة مرموقة وثقل فكري. لا أظن أن أياً منهما سيكون رئيساً يمكن التحكم به عن بُعد. هذا السؤال مهين بحق المرشّحَين معاً".

مع ذلك، تستمر التكهنات حول صلاحيات الرئيس الجديد. هل سيكون قائداً بحكم القانون، بينما تبقى صلاحيات اتخاذ القرارات بيد عائلة غاندي؟

على عكس الأحزاب السياسية الأخرى، بما في ذلك "حزب بهاراتيا جاناتا" الحاكم، قرر حزب المؤتمر، رغم جميع عيوبه، أن يجري انتخابات لاختيار رئيسه. بعد هذه المرحلة، سيصوّت حوالى 9 آلاف مندوب، في 17 تشرين الأول، لاختيار رئيس حزب المؤتمر.

إنها المرة الأولى التي يجذب فيها هذا الحزب اهتمام الرأي العام لهذه الدرجة منذ هزيمته أمام "حزب بهاراتيا جاناتا" بقيادة ناريندا مودي، في العام 2014، ويتعلق السبب بانتخاب رئيس الحزب المرتقب واستمرار مسيرة التوحيد. فاجأ مستوى الدعم العام لمسيرة راهول المنتقدين و"حزب بهاراتيا جاناتا" في آن.

من الواضح أن هذه المسيرة تستهدف سياسة الكراهية التي يطبقها الحزب الحاكم ومنظمة "راشتريا سوايامسواك سانغ" التي تُوجّهه إيديولوجياً، وهذا ما دفعه على ما يبدو إلى إجبار المنظمة على تعديل صورتها. تواصل رئيس المنظمة، موهان بهاجوات، حديثاً مع مفكرين مسلمين ودعا إلى إنهاء النظام الطبقي التمييزي في الهندوسية، فاعتبر حزب المؤتمر هذه المبادرات جزءاً من نتائج مسيرته.

حتى أشرس منتقدي راهول تفاجؤوا بالدعم الكبير الذي حصدته تلك المسيرة من الناس العاديين، بما في ذلك سكان ولاية "كارناتاكا" التي يحكمها "حزب بهاراتيا جاناتا"، وقد اندهشوا من تغيّر رأي الناس براهول الذي تحوّل من سياسي لامبالٍ إلى زعيم يتعاطف مع الناس ويتواصل مع الحشود. على مر السنين، صوّر "حزب بهاراتيا جاناتا" وأبرز وسائل الإعلام الموالية له راهول كشخصٍ "فاشل".

بعد مرور مسيرة راهول الطويلة بثلاث ولايات حتى الآن (من المقرر أن تمرّ بتسع ولايات أخرى وتبلغ ذروتها في كشمير في السنة المقبلة)، يتوقع الكثيرون أن تتغير صورة رئيس حزب المؤتمر بطريقة إيجابية قبيل الانتخابات العامة في العام 2024.

يأمل حزب المؤتمر الوطني الهندي إذاً في كبح الانتقادات اللاذعة التي يطلقها خصومه السياسيون ضده، بعد انتخاب رئيسه الثامن والثمانين من خارج عائلة غاندي. في غضون ذلك، من المتوقع أن يسمح تجديد الكوادر الحزبية، بعد نجاح مسيرة التوحيد، بالاستعداد لمعركة العام 2024 ضد "حزب بهاراتيا جاناتا" وناريندرا مودي الذي يبدو الزعيم الأقوى على الإطلاق اليوم.