"علّمني أهلي معنى المصلحة العامة"... الخليل: الخروج من الأزمة يتطلب استعادة الثقة

15 : 50

عقد وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، مؤتمراً صحافياً، في مكتبه في الوزارة وسط بيروت، عرض فيه جردة شاملة عن الخطوات التي اتخذتها الوزارة منذ تسلّمه مهامها، وتطرّق الى موقفه وقناعاته في كلّ خطوة، محملاً الطائفية التي تتحكم في البلاد بعرقلة العديد من المشاريع الأساسية.


استهل وزير المالية كلامه بالقول: "اسمي يوسف الخليل، ولدت في صور، مدينة علّمتني كيف تُبنى روابط اجتماعية تكون متماسكة ومتضامنة. والدي أحمد كان مسؤولاً عن الإرشاد الصحي في وزارة الصحةِ العامة، والدتي بشرى كانت ممرضة وعاملة اجتماعية قبل رواج هذه المهنة، علّمني أهلي معنى وأهمية خدمة المصلحة العامة في المرافق والمؤسسات، علّماني عدم التزلف، علماني احترام محاورك أياً كان، الصغير قبل الكبير، علّماني الصدق والتهذيب دائماً مهما كانت نتائجه عليك".

وأضاف: "أعمل منذ عقود في التعليم الجامعي وفي مصرف لبنان الذي دخلته أيام الحاكم ميشيل الخوري، ثم المرحوم إدمون نعيم. أسّست في صور جمعية "إنماءِ القدرات في الريف" وهي تخصصت في القروض الصغيرة لصالح المهمشين الذين لا يستطيعون الوصول إلى التسليف المصرفي. وأدخلت الجمعية تقنيات الزراعة العضوية والزراعة المتخصّصة التي أمّنت مداخيل إضافية للمزارعين كما واكبت صيادي السمك لتأمين العيش الكريم لهم ولأسرهم، وبنت لهم مجمّعاً سكنياً أداروه بأنفسهم بواسطة تعاونية "البقاء" السكنية التي أَنشأوها هم لهذه الغاية. وانطلاقاً من قناعتي بأنَّ السكن اللائق هو حقٌ أساسيٌ للجميع، ساهمت أيضاً في متابعة مشروع قروض الإسكان في مصرف لبنان وقد استفاد منه الآلاف من الشباب والأسر".


وتابع: "جئت إلى وزارة المالية ليس بحثاً عن الشهرة أو المنفعة بل بقناعة راسخة أن عمق الأزمة التي يمرُّ بها بلدنا واقتصادنا تحتّم على من يستطيع المساعدة أن يفعل، وعلى من يستطيع تحمّل المسؤولية أن يتقدم دون تلكؤ. قد مرّت الآن سنة أو أكثر من سنة بقليل على تسلمي مسؤولياتي في وزارة المالية، لم أستطع الإجابة على تساؤلات النواب بسبب ضيق الوقت، اليوم وبعد إقرار الموازنة، لدينا الوقت الكافي، فدعوني أقدم كشف حساب للشعب اللبناني عما حاولت أن أقوم به خلال هذه السنة. دعوني أكاشفكم بصراحة عن نجاحاتي وإخفاقاتي عسى أن تكون هذه المصارحة عبرة للمرحلة القادمة".


وقال الخليل: "يعيش بلدنا أزمة اقتصادية عميقة، ولهذه الأزمة مستويات متعددة. تصوروا للحظة مريضاً يحتاج إلى عملية قلب مفتوح، ويعاني أيضا من نزيف ومن سوء تغذية. بالتأكيد، لا تستطيع أن تعالج كل هذه الأمراض دفعةً واحدة، وفي الوقت ذاته لا يستطيع كل علاج أن يتجاهل الآخر. إنه مسار طويل وعلاج متماسك".


أضاف: "بداية، اعتنت هذه الحكومة بحاجات قرابة 300 ألف من موظفي القطاع العام والقوى العسكرية والأمنية، وكذلك أساتذة التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية. وقد سعت إلى تأمين حاجاتهم في الطبابة والتعليم، ولذلك سمّيت عن قصد بـ"حكومة طوارئ" هدفها الأول كان لجم التدهور، لا سيما تدهور الأوضاع المعيشية وخصوصاً في القطاع العام، والثاني وربما الأهم، الحفاظ على كيان دولة قادرة على النهوض بالإصلاح المطلوب، وتأمين الحد الأدنى من الإنتاجية في العمل. بسبب الانهيار وجانحة كورونا، لم يكن لدينا من خيار آخر. ونجحنا في ربط دعم القطاع العام بالوجود الحضوري في الوظيفة لمنع، قدر الإمكان، تفتّت ما تبقى من الدولة. إذا بدايةً، دُعِمَ القطاع العام لئلا تنهار الدولة، وبمعنى ما، هذا ما عبَّرت عنه موازنة عام 2022 ولو بشكلٍ متأخر".


وتابع: "إسوةً بكل دول العالم، حاولنا أن نمنع بداية انهيار المجتمع والقطاع العام على أن تكون موازنة عام 2023 موازنة البدء بالإصلاح البنيوي بالحد الأدنى المقبول الذي يتطلبه بلدنا واقتصاده. بوحيٍّ من خطة التعافي الاقتصادي، وبالتنسيق مع صندوق النقد الدولي، جهزنا كحكومةٍ رزمةً أولى من الإصلاحات البنيوية، ومن بينها مشروع السرية المصرفية والكابيتال كونترول، وموازنة عام 2022 ومن ضمنها التصحيح المالي والدولار الجمركي، وإلى جانب الموازنة، بدأنا عملية توحيد سعر صرف العملة"، مشيرا الى أن "ما آلت إليه مشاريع السرية المصرفية والكابيتال كونترول يتطلب مني مطوّلات ليس المجال اليوم للغوص فيها".


وقال: "دعوني فقط أعلّق القليل على موضوع الموازنة والدولار الجمركي وتوحيد سعر صرف الليرة. بالنسبة لهذا الأخير، أكتفي بالقول إن الدولَ التي فيها أكثر من سعر صرف هي دول مريضة اقتصاديا. استراتيجيا، يجب أن يتجه سعر صرف الليرة ليتطابق مع سعر الدولار الحقيقي، وهي ربما أبسط وسيلة للجم التهريب والتخلص من المضاربة على حساب قيمة الليرة وبالتالي من اغتناء أقلية من المحتكرين على حساب عامة الناس".


أضاف: "بالنسبة للموازنة، إذا كان صحيحاً أن عدم إنجازها في شهر تشرين الأول من السنة السابقة هو شرٌّ، فعدم إنجازها أبداً هو شرٌّ مطلق. ومن الأفضل إنجازها متأخرة بدلاً من عدم إنجازها، كما حصل قبل سنوات، وذلك حفاظاً على الحد الأدنى من حسن الأداء المالي ولجم العجز والإنفاق وفق أطرٍ محددة. هنا لا بدّ من التوضيح للرأي العام أن الموازنة كانت جاهزة منذ شهر نيسان، وإن لم تمثل أمام الهيئة العامة لمجلس النواب إلا في شهر أيلول".

وأعلن أن موازنةُ عام 2022 التي خرجت من الوزارة كانت مقبولة بكل المقاييس المحلية والدولية، ولكن التأخير في إقرارها وتدهور قيمة العملة الوطنية وتقلبات سعر الصرف، كل ذلك، فرض علينا إعادة تصحيحها باستمرار حتى الساعات الأخيرة (كما لاحظتم مثلاً بعد إضافات وزارتي المواصلات والأشغال العامة مشكورتين). وقال: "أياً يكن، بجهود لجنة المال البرلمانية، وصلنا الى مشروع موازنةٍ حظيَ على موافقة أكثرية الكتل البرلمانية لئلا أقول كلها".


وتابع: "كم كانت دهشتي (وربما سذاجتي) كبيرة عندما اكتشفت أن "المقررين" البرلمانيين في لجنِة المال قادرون على الانتفاض في الهيئة العامة على ما اقترحوه هم في اجتماعاتِ اللجنة، وأن يعودوا بالأخير ويصوتوا مع الموازنة! الحمد لله أن في كل كتلة نيابية دون استثناء، هناك نواب عقلاء لا يلجأون إلى الشعبوية الرخيصة، وقد عبّروا لي بوسائل مختلفة عن امتنانهم للجهد الذي بذل".

وأردف: "أخيراً، لا بد أن أنتقل إلى موضوع الدولار الجمركي. سبق وقلت أن الفارق بين الدولار الجمركي ب1500 ليرة وقيمة الدولار الحقيقية أي 37 أو 39 ألف، هي موارد تحرم منها الدولة، والدولة بأمسّ الحاجة إليها لكلِّ مهامها، من تطبيب الناس وتعليمهم وغيرها. في المحصِّلة، هي موارد تحرم منها الناس. بالتأكيد، كما سبق وقلت أيضاً، بلى، اعتماد سعر صرف 15,000 ل. ل. أحسن من الإبقاء على الـ 1,500 ل. ل. ولكن بصراحة ما زال الفارق كبيراً بين القيمة الجديدة للدولار الجمركي وقيمته الحقيقية، وعلينا أن نعمل تدريجاً لتقليصه".


واكد أن "التصحيح الجمركي، هذا الذي يُهوَّل بأنه سيخُرِّب البلد، الغاية منه هي رفع إيرادات الدولة، وتخفيض عجز الموازنة، وتقليص نسب الاستدانة، وتحسين الميزان التجاري، وتحفيز الإنتاج المحلي. لماذا إذاً كل هذا التهويل؟ لتبرير جشع الذي يُريد أن يستورد ويدفع الرسوم على قاعدة 1500 ل.ل.، ثم يريد أن يسعّر ويبيع على قاعدة 40 ألف وربما أكثر. هذا لا يجوز، هذا لا يُبرّر، هذا حرام. هذا اسمه – لا أجد كلمة أخرى – إثراء غير مشروع، وكان من واجبي وضع حد لهذه الفضيحة "الفلتانة" التي كانت تدفع فاتورتها الدولة والناس. كأن الدولاب عاد إلى الوراء بعد نصف قرن، بدلاً من أن نتقدم. كأنَهُ نفس "الكباش" مع الإصلاح، وهو مستمرٌ منذ أيام إميل بيطار والياس سابا". 

MISS 3