رفيق خوري

"مشروع" الشغور

22 تشرين الأول 2022

02 : 00

الشغور الرئاسي ليس قدراً بل خيار. خيار مخادع يحافظ على الشكل بإبقاء المسرح الإنتخابي في ساحة النجمة مفتوحاً، لكنه يوقف المسرحية من الفصل الأول. فما كان الشواذ، أي الشغور، الذي حصل لمرة واحدة بعد ولاية الرئيس أمين الجميل في الجمهورية الأولى، التي انتخبت رؤساءها على الموعد الدستوري حتى خلال الحرب، صار القاعدة منذ تولى «محور الممانعة» إدارة اللعبة عام 2006 بعد ولاية الرئيس إميل لحود. وما يمنع إنتخاب الرئيس في الموعد الدستوري ليس العجز بل التنظيم المنهجي للوصول الى الشغور من أجل أهداف تبدأ بالرئاسة ولا تنتهي بالجمهورية.

ذلك أن اللعبة الديمقراطية جرى تجريدها من جوهرها، وهو التنافس بين مرشحين في معركة تحسمها الأصوات ولا مجال فيها لفقدان النصاب. وما صار القاعدة هو أنه لا جلسة إنتخاب جديدة تدور فيها معركة بل جلسة مضمونة لإنتخاب مرشح وحيد. فالذين يصوتون بأوراق بيض يرشحون الشغور لأنهم لا يستطيعون إيصال مرشحهم غير المعلن الى قصر بعبدا. وهم يراهنون على تبدل في الظروف والحسابات أو على تعب خصومهم وصراخ الناس من قسوة الأزمات، على أمل أن يصبح المرشح مقبولاً.

لكن هذا ليس كل الرهان. فالشغور، كمرشح لمرحلة معينة هو أيضاً، بالنسبة الى «محور الممانعة»، «مشروع» سياسي يمهد لتغيير على مستوى الجمهورية. لا تغيير الى ما هو أفضل بل الى ما هو أسوأ. وليس أمراً قليل الدلالات أن يتقدم الشعارات في هذه الأيام شعار الحفاظ على الطائف الذي صار دستوراً قبل ثلاثين سنة ويزيد. فهناك خطر فعلي على الطائف، برغم إعلان الكل في الخطاب إلتزام الطائف. وحجة الداعين الى إعادة النظر في الطائف هي أن الظروف الخارجية وموازين القوى المحلية التي قادت الى الإتفاق تغيرت. وتعويد اللبنانيين على الشغور ليس فقط لكي يتكيفوا مع سلطة لا تحتاج الى رئيس جمهورية بل أيضاً كمرحلة في مشروع الخروج من الطائف والعيش من دون علاقات مع العرب.

وليس ذلك سهلاً في أية حال. فالطائف، بصرف النظر عما ظهر من نواقص وأزمات في إدارة الأمور باسم دستوره، لا يزال الإطار الواقعي للحفاظ على وحدة لبنان وشرعيته وإرتباطه بالشرعية العربية والشرعية الدولية. والكل يصطدم الآن بأن تأليف الحكومة التي ستتولى صلاحيات الرئيس يبدو أصعب من إنتخاب رئيس. فالقوى الممثلة في حكومة تصريف الأعمال تتصارع على المواقع في التعديل الحكومي بما يضمن لها السيطرة على اللعبة. وهي تتحدث عن الحفاظ على التوازن السياسي داخل الحكومة، متجاهلة أنها مختلة التوازن ولم تعد تعكس التوازنات التي صنعتها الإنتخابات النيابية.

يقول المفكر الروسي ميخائيل باختين: «أن تعيش داخل كذبة هو أن تصبح أداة شخص آخر». أليس هذا ما نعاني منه في لبنان؟