نوال نصر

شتول التبغ والتنباك بالدولار الفريش

تبغ بالسمن وتفاح بالزيت... والصمود "إيد وإجر"!

22 تشرين الأول 2022

02 : 01

قبل أن يصبح سجائر
لا، لم نكن نريد أن نتعامل معها على أنها شتلة شيعية لكن حين يقف شيعة ويقولون: إنها شتلة الصمود والبقاء، يُصبح من حق المسيحيين (قبل أيام من إنتهاء عهد الرئيس المسيحي الذي سمى نفسه الأقوى) أن يسألوا: هل هناك ناس بسمن وناس بزيت؟ هل الشتلة المحسوبة على الشيعة بالسمن الحموي والتفاح رمز صمود المسيحيين في الجبال بالزيت العكر؟

يوم الثلثاء، بعد غدٍ، تبدأ الريجي في استلام محصول التبغ والتنباك. والدفع هذه المرة بالدولار الأميركي. هو أمرٌ رائع طبعاً أن يأخذ كل ذي حقّ حقّه وحبة مسك. نفرح لفرح هؤلاء لكن هل لنا أن نسأل كيف نجح المزارعون بعد أعوام عجاف - وفي هذا الزمن الصعب جداً- في نيل حقوقهم؟ يؤسفنا أن يكون الجواب أن ذلك تمّ لأن شتلة التبغ لا بُدّ منها لتجذر وصمود مزارعيها في أراضيهم أما مزارعو التفاح، وعددهم (وعيالهم) لا يقل عن 600 ألف، «فدرجة ثانية» على ما يبدو! نعود لنسأل مجدداً رئيس نقابة مزارعي التبغ والتنباك في الشمال عبد الحميد صقر عن أهمية صدور قرار الدفع الى مزارعي التبغ والتنباك بالدولار الطازج فيجيبنا «هذه الزراعة لا بُدّ منها خصوصاً في الجنوب في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي».



يستحقون وغيرهم يستحق أيضاً




يا زمان الطائفية

لا نتكلم طائفياً لكن نسأل ما سُئلنا عنه: هل أصبح المسيحيون العنصر الأضعف في البلاد؟

نُصغي الى مزارعي التبغ والتنباك، بعد قرار إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية التسعير بالدولار، فنسمع عبارات من نوع: شكراً دولة الرئيس نبيه بري. نعرف أن دولته يمسك برقاب النقابات والإتحادات العمالية، ونعرف أن الجنوب وأهل الجنوب في حساباته له، ونعرف أنه أراد التبغ شتلة صمود لجماعته، لكن ماذا عن سواهم؟ وهل الدولار الفريش يتأمن هنا ويستحيل تأمينه في مكان آخر؟

مؤسسة الريجي تبدو في الشكل نموذجية. لكنها تسقط في المضمون في أكثر من «دعسة ناقصة» تجعل بعض اللبنانيين ينفرون من تصرفات تقوم بها وكأنها «الآمرة الناهية» في توزيع أموالها يميناً أو يساراً وغالبا بأسلوب تطغى عليه الطائفية. كثيرون لم ينسوا تلك الورقة التي سُربت بأسماء طلاب لبنانيين إستحقوا، بمنطق الريجي، مساعداتها. جال الناظرون على الأسماء. محصوها، فلم يجدوا بينها إلا اسمين مسيحيين والبقية 99 في المئة من الطائفة الشيعية الكريمة. فهل حصل ذلك أيضا بالصدفة؟

مدير عام الريجي ناصيف صبحي سقلاوي معروف بولائه للرئيس نبيه بري. لا أحد يتجاهل الأمر أو ينكره. ومزارعو التبغ يقفون تحت ضوء القمر ويتلون الشعر له: «لكفك الخضراء المبسوطة تمسح أوراق تبغ الجنوب وترعاها كحارس يحنو عليها ويكفكف عرق مزارعيها ويحميها كأمانة عاهد الله وأرض الشهداء التي ارتوت بدمائهم أن يحفظها ويصونها». غريبٌ هو أمر من يمجدون أفعال مديري المؤسسات ويدرجون كل فعل في أطر سيمفونية المقاومة لكن، بما أننا في لبنان، يصبح الغريب سارياً والساري مألوفاً.




إنه الموسم


مسؤولية منتقاة

أموال كثيرة تدفعها الريجي سنوياً تحت خانة التنمية المستدامة. ناصيف سقلاوي قال لنا في لقاء جمعنا: «حين اتخذت الدولة قراراً بوقف المساعدات ودخلنا نحن في أيزو قالوا لنا لا يمكن أن تغفلوا الجانب الإجتماعي، لذا ارتأينا في البداية رفع ست ليرات على كل علبة دخان وتمويل مشاريع بها من خلال البلديات. نحن لا ننفذ ولا نلزّم ولا نختار بل نتجه الى البلديات التي في نطاقها زراعة تبغ ونطّلع على حاجاتها. سبق ودعمنا مشاريع في 44 بلدية في عكار. هذه هي المسؤولية الإجتماعية». نفهم من كلام سقلاوي أنه يُموّل أما الإختيار فللبلديات. فهل علينا أن نفهم من ذلك أن البلديات التي تُختار يهيمن عليها أتباع «الثنائي الشيعي» لهذا اختيرت أسماء شيعية لتستفيد من مسؤولية الريجي الإجتماعية؟

دعونا نعتبر الأمر «قضاء وقدر». لكن، منذ أيام، حين زفّ سقلاوي خبر دفع محصول مزارعي التبغ بالدولار الفريش كان حاضراً ممثل حركة أمل عضو قيادة إقليم البقاع أيمن زعيتر إلى كثير من قيادات الثنائي الشيعي و»زلمه». صدفة؟ ربما.

نسأل عن عدد نقابات التبغ والتنباك في لبنان فيجيبنا أحد النقابيين: هناك نقابة مزارعي التبغ والتنباك في الشمال ويرأسها عبد الحميد صقر (أو سقر كما تكتب أحيانا) وهناك في الجنوب إتحاد نقابات مزارعي التبغ في لبنان ويرأسه حسن فقيه. والأخير شغل فترة رئاسة الإتحاد العمالي العام بالإنابة يوم أقيل بشارة الأسمر وهو «أملي» بامتياز وقيادي في الحركة. أما صقر- أو سقر- فهو يتبع القيادة القطرية لحزب البعث ويرفع على الدوام صور حافظ الأسد. لا يهم. هذا هواه. لكن، هل الدولة يفترض أن يكون لها «هوى» فتنسى في خضمّ الحاجيات الكثيرة لدى اللبنانيين مزارعي التفاح وتتذكر مزارعي التبغ لأنها شتلة شيعية؟



حقه أن يصمد



التبغ جنوباً... التنباك شمالاً

كل الذنب هو على الدولة، أو بالأصح على عدم وجود دولة. فالمسيحيون، كما الشيعة، كما السنّة والدروز يفترض ألّا يسألوا: لماذا هم لا نحن؟ يفترض أن يكون الجميع سواسية. في كل حال، مزارعو التبغ لهم - كما لكلّ الآخرين - كل الحقّ بأن يتقاضوا ثمن ما يتعبون من أجله طوال السنة بالدولار الطازج. هنا، في هذا الإطار، سألنا النقيب عبد الحميد صقر عن حالهم فأجاب: «في 25 تشرين هذا سيبدأ تسليم المزارعين محصولهم الى إدارة الريجي، حسب الأسعار التي تمّ الإتفاق عليها مع الإدارة. سينزل المزارع الى الإدارة على أن يكشف الخبير على محصوله، وبحسب جودته - ممتاز أو جيد أو وسط - تحدد الأسعار، ويوقّع المزارع على تسليمه المحصول. وفي نفس «التكة» يعرف المزارع المبلغ الذي سيحصل عليه على أن يتقاضاه في خلال أسبوع وذلك عبر BOB FINANCE». يستطرد صقر بالقول: «كنا نتعامل سابقاً مع المصارف ما جعلنا في أزمة كبيرة لذلك طلبنا من الإدارة أن لا يضطر المزارعون الى التعامل معها».

ماذا عن الرخص؟ يجيب «هناك إتفاق مع إدارة الريجي منذ أيام الرئيس رفيق الحريري أن الرخصة تعادل 330 كيلوغراماً تسلّم من المزارع الى الإدارة، وكان الإلتزام واضحاً من المزارعين حتى العام 2019، لكن في الأعوام الثلاثة الماضية، برزت عوامل عديدة منعت المزارعين من إعطاء المحصول اللازم بسبب عجزهم عن سداد نفقات الإنتاج وهناك أناس لم يزرعوا هذه السنة لهذا تبدلت رخص كثيرة». يتابع: «هناك التبغ وهناك التنباك. وفي الشمال وعكار تطغى زراعة التنباك على التبغ. ورقة التبغ في الجنوب صغيرة، ويعطي الدونم الواحد المزروع منها مئة كيلوغرام. في حين يعطي الدونم في الشمال 200 كيلوغرام. أما سعر الكيلوغرام الواحد من التنباك فيتراوح بين دولارين و80 سنتاً وثلاثة دولارات ونصف. أما لجهة كمية الإنتاج فكان يبلغ قبل العام 2019 مليون و600 ألف كيلوغرام (وهذه حصة الشمال). في العام 2019 تراجع قليلاً فسلمنا مليون و300 ألف كيلوغرام. وفي 2020 عاد وتراجع الى مليون و200 ألف وها نحن نقدر اليوم الموسم بحدود 800 ألف كيلوغرام.

هذا في الشمال ماذا عن الجنوب؟ يجيب صقر «هناك تراجع كبير أيضا علماً أن هناك نحو 25 ألف مزارع كانوا يقدمون خمسة ملايين كيلوغرام للإدارة والكمية تراجعت كثيراً في الفترة الأخيرة. وسعر التبغ الجنوبي حُدد بين أربعة وخمسة دولارات.

لمن يهمه الأمر ورقة التبغ الجنوبي الأفضل تسمى سعدى، سعدى 6، والسؤال، ماذا عن الدخان حالياً في الريجي؟

يجيب أحد المسؤولين في الإدارة «الأسماء في السوق المحلية باتت كثيرة اليوم، وهناك بضاعة تهريب أو تزوير، لكن لا علاقة لنا بها. ثمة أسماء دخان كثيرة تنزل بأقل من أسعار الدخان الذي كان رائجاً من قبل. إنها تجارة تنافسية. ومعظم المدخنين في السوق اللبنانية - من أبناء الشعب طبعاً - يأخذون سيدرز لأكثر من سبب، أهمها أن نوعيته أفضل من سواه وهو وطني».



بالأرقام

في أرقام الريجي «ينتج مزارعو التبغ في لبنان 7 ملايين كيلوغرام سنوياً. وكانت تدفع لهم الريجي - قبل أن يحدث ما حدث في لبنان - 90 مليار ليرة ثمن الدخان، أي ما يعادل 60 مليون دولار. و90 في المئة من مبيعات الريجي اليوم من الدخان هي من الأصناف الرخيصة لا من «البريميوم». وهذه دلالة أخرى على تقهقر الإقتصاد وأحوال الناس.

دخّن عليها تنجلي. قديماً قالوا ذلك. واليوم، دخنوا عليها تنجلي. إنها نصيحة أهل الريجي أولاً.