بشارة شربل

جامعة القديس جاورجيوس: النموذج... واستعادة الدور

24 تشرين الأول 2022

02 : 00

دائماً هناك بصيص نور. ورأيناه قبل يومين في تدشين المبنى الرئيس لجامعة القديس جاورجيوس في بيروت. حدث استثنائي لم يكن ليحصل لولا الإرادة الصلبة للمطران الياس عودة والقيمين على إقامة صرح تعليمي يليق بلبنان الحقيقي. وفي ذلك تأكيد أن "أبناء الحياة" يتقدمون بالعلم والحداثة وأن إيمانهم يتجسد في خدمة الانسان.

وسط هذه الغيمة السوداء التي قد نحتاج لتنجلي وقتاً بطول دهر الأيام السبعة الأخيرة من "العهد العوني"، تبزغ إشراقة توحي بأن لا بدَّ من ضوء في نهاية النفق، شرط أن لا يتوقف العمل للبناء والتعليم، بموازاة النضال الصعب لكبح جماح "جمعية أشرار" لم تكتف بتدمير أركان الدولة وسرقة ودائع الناس، بل تسببت بتخريب المدرسة الرسمية، وبانهيار الجامعة الوطنية وتشريد طلابها نحو الشارع أو نحو الجامعات - الدكاكين التي فرختها الطائفية والزبائنية على مدى ثلاثين عاماً لتخرّج أشباه متعلمين يثقلون ادارات الدولة ولا محل لهم في سوق العمل الحقيقي.

في مقابل "الجريمة المنظمة" التي كانت ترتكب في السنوات الأخيرة، وبينها خصوصاً تفجير مرفأ بيروت الذي أصاب بين مَن أصاب "مستشفى الروم" مبانيَ ومرضى وجهازاً طبياً وإدارياً، هناك من عمل ليل - نهار لتضميد الجراح ورفع الركام وإصلاح الحجر، مثلما كان هناك أيضاً مَن لم تُثنه الجريمة النكراء التي ارتكبت بحق العاصمة ولبنان عن السير بمشروع إنشاء جامعة وإقرار مناهج متطورة وتوقيع اتفاقات مع أرفع الجامعات لضمان مستوى يواكب العصر ويقدم خدمة نوعية يحتاجها لبنان، سواء في مجال الطب أو سائر العلوم الأساسية التي تشكل عصب الجامعات العالمية.

بقدر ما يثير تدشين الجامعة الجديدة الفخر بقدر ما ينبّه الى كارثة حقيقية تطاول أكثر من نصف تلامذة لبنان وتتمثل في وضع التعليم الرسمي بشكل عام. ذاك الفقيد الذي يجوز البكاء عليه بلا انقطاع والذي أُصيب بالصميم ولا تستطيع جامعة أو مجموعة جامعات خاصة تعويضه على الإطلاق. هذا التعليم يحتاج ثورة كاملة ويجب أن يكون على رأس اهتمامات ساكن بعبدا العتيد مهما كانت مواصفاته، اللهُمَّ اذا لم تأت "المنظومة" برئيس من صُلبها لا يهمُّه إلا متابعة النهج القائم على استسهال تدمير الحاضر والمستقبل خدمة للمشاريع التي تلحق لبنان بمحاور التخلف والاستبداد.

يُذَكّرنا تدشين الجامعة الجديدة بدور لبنان الذي نسيناه غير مخيَّرين، مختبر تعايش وواحة حريات ومستشفى المنطقة وجامعتها. ولن تقوم قائمة للبلاد اذا لم نستعد الدولة وسيادتها لنسترجع هذا الدور الحضاري ونعاود بث الحياة في جامعتنا الوطنية. الجامعة الجديدة نموذج يُحتذى لعمل المؤسسات وكفاءة الأشخاص. رعاها مطران الأرثوذكس، وقُيّض لها أن يتولى المشروع طارق متري وأنطوان حداد، علمانيان يتميزان بالعلم والنزاهة والدفاع عن ثوابت لبنان.