سارة عبدالله

الأجيال المقبلة ستفتقد الثلوج... و"الصرف الصحي" لكهرباء 24/24

31 كانون الأول 2019

02 : 00

في الوقت الذي ينشغل فيه اللبنانيون بأمنهم الغذائي، نتيجة أزمة إقتصاديّة يمرون بها هي الأشدّ منذ الحرب الأهلية، يغيب عنهم الإهتمام بأمنهم المائي، علماً أنّه حق أدرجته الأمم المتحدة ضمن أهدافها المنشودة لتحقيق التنمية المستدامة، كما أصدرت قراراً في تموز 2010، يقضي باعتبار تأمين المياه النظيفة والصرف الصحي من حقوق الإنسان الأساسية.

على الرغم من أنّ لبنان يضمّ 13 نهراً ساحلياً تصبّ في البحر الأبيض المتوسط و3 أنهر داخليّة هي الليطاني والعاصي والحاصباني، إلا أنّ معظم مياه الأنهار لا يتم استثمارها، كما أنّ كميات كبيرة باتت ملوثة بفعل صب الصرفي الصحي فيها والملوثات الصناعية، مثل ما حصل خلال صيف 2019 في بحيرة القرعون التي تحوّل لونها إلى الأخضر بفعل انتشار "السيانوبكتيريا"، فيما فرضت وزارة الصناعة على المصانع تركيب محطات لتكرير النفايات الصناعية قبل صبّها في الأنهار. وما يهدّد الأمن المائي في بلد تصل فيه كمية المتساقطات والموارد المائية سنوياً إلى 8600 مليون متر مكعب هو أنّها تتسرّب من دون جمعها، إذ يفقد لبنان منها حوالى 48%، في الوقت الذي تزداد الحاجة للمياه بسبب زيادة أعداد النازحين والتعداد السكاني للبنانيين والذي سيتخطّى الـ6 ملايين عام 2020.

خطر تراجع كثافة الثلوج

وإضافةً إلى أهمية الأمطار، تبرز الحاجة إلى الثلوج التي تؤمّن عند ذوبانها وصول المياه النظيفة إلى الآبار الإرتوازية حيث تخزّن في جوف الأرض، فالأمطار التي لا يتمّ تجميعها كما ينبغي في لبنان، كما أنها لا تتسرّب إلى التربة بكمية الثلوج نفسها، لا سيما في الجبال وعلى المنحدرات. والملفت أنّ كثافة الثلوج مهددة بالتراجع وكذلك كميات هطول الأمطار خلال السنوات المقبلة. وعن هذا الموضوع يوضح مدير برنامج تغيّر المناخ والبيئة في معهد عصام فارس للدراسات في الجامعة الأميركية في بيروت د. نديم فرج الله أنّ طلب المياه في لبنان مقسم على النحو التالي: 61% للزراعة، 18% للاستخدامات المنزلية و11% لاستخدامات المصانع. وتحدث فرج الله خلال ورشة عمل أقامتها منظمة Cewas Middle East عن أنّ البنية التحتية للمياه تحتاج إلى تحسين. وعن تغير المناخ الذي يؤثر على المياه، أشار إلى أن هناك توقعات بزيادة درجة الحرارة بنسبة درجة واحدة على الساحل ودرجتين في المناطق الجبلية عام 2040، على أن تصبح الزيادة 3 درجات على السواحل عام 2090 و5 درجات على الجبال. كذلك ستنخفض نسبة هطول الأمطار من 10 إلى 20% عام 2040 ومن 25 إلى 40% عام 2090. والثلوج قد تتراجع بنسبة تصل إلى 70٪، وخط سقوط الثلوج يمكن أن يبدأ من ارتفاع 1900متر عام 2090.

إدارة المياه

وفي هذا السياق، توضح دراسة أعدّها باحثون في مركز البحوث البيئية في جامعة القديس يوسف بالمشاركة مع باحثين من مراكز أخرى، أنّ الثلوج تغطي 25 ٪ من المناطق اللبنانية في فصل الشتاء، ويقدر أن حوالى 30٪ من الموارد المائية في لبنان تأتي من ذوبان الثلوج الموسمية. وهذه الأرقام السابقة الذكر حول المياه تدق ناقوس الخطر وتنذر بشحها، خصوصاً مع زيادة المقالات والأبحاث عمّا يسمّى "حروب المياه"، وعلى سبيل المثال، بعد 70 عاماً لن تشهد طريق ضهر البيدر التي ترتفع 1500 متر عن سطح البحر زحمة مواطنين عالقين بسبب تساقط الثلوج.

وبناءً على ما تقدّم، لا بدّ من تضافر الجهود لإدارة المياه بشكل جيّد، من تجميعها إلى منع مصادر التلوث عنها، وصولاً إلى معالجة مياه الصرف الصحي ما يقلّل من التلوث عند صبّها في مجاري الأنهار كذلك هذه الطريقة تمنع اختلاط المياه الآسنة بالمياه الجوفية النظيفة، خصوصاً مع وجود الكثير من الجور الصحية البدائية وتخلّف نسبة كبيرة من المنازل في مناطق عدّة عن إيصال مياه الصرف الصحي إلى الشبكات الخاصة بالصرف الصحي. كما يمكن الإستفادة من هذه المياه بعد تكريرها في الريّ والأعمال المنزلية، وتوليد الطاقة الكهربائية في لبنان وحلّ هذه المشكلة المزمنة، كذلك إنتاج الأسمدة.

وإذا ما تحدّثنا في التفاصيل عن الصرف الصحي في لبنان، نجد أنّه لا بدّ من تفعيل محطات التكرير، مثل محطة لتكرير مياه الصرف الصحي في حمّانا، حيث تتم تنقية المياه وإعادة صبّها نظيفة في مجرى نهر بيروت. وخلال البحث في الأراضي اللبنانية، يبدو أنّ أموالاً رُصدت لإنشاء محطات تكرير وهي مموّلة من منظمات أوروبية، حتى أنّ مجلس الإنماء والإعمار كان قد كشف أنّ قيمة العقود المنجزة في قطاع الصرف الصحي بلغت 745 مليون دولار أميركي ما بين مطلع 1992 وآخر 2017، ويبلغ عدد محطات التكرير المنفذة من قبله 22 محطة تكرير من بينها 15 محطة تكرير موضوعة في الخدمة حالياً هي التالية: طرابلس، شكا، البترون، إهدن، الغدير، الجية، كفرقطرة، صيدا، النبطية، تبنين، بعلبك (ايعات)، اليمونة، زحلة، جب جنين وصغبين.

ومع ذلك، يوضح بحث في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية أنّ هناك 53% فقط من المنازل في البقاع متصلة بشبكة صرف صحي، و33% من فواتير المياه في البقاع تُجمع علماً أنّ 59% من المنازل متصلة بشبكة مياه، و11% فقط من مياه الصرف الصحي تتم معالجتها، وفي جنوب لبنان هناك 54% فقط من المنازل متصلة بشبكة صرف صحي، و26% فقط من مياه الصرف الصحي تتم معالجتها و36% من فواتير المياه، ما يعني أنّه لا بدّ من إعادة النظر بشبكات الصرف الصحي وتفعيل محطات التكرير العاملة وتسريع العمل بالمحطات الأخرى لكي تباشر العمل، لا سيما وأنّ صب الصرف الصحي سواء من المنازل أو المصانع في الأنهار يتسبب بانتشار ميكروبات تتسبب بأمراض للإنسان، مثل السيانوبكتيريا التي تتسبب بأمراض في الكبد، إضافةً إلى جرثومة الإيكولاي وغيرها من الأمراض الخطيرة التي تصل للإنسان نتيجة ملامسته المياه أو تناول مزروعات رويت بمياه الأنهار، التي أصبحت مختلطة بمياه الصرف الصحي، هذا عدا عمّا تسببه من أضرار للثروة المائية.

الصرف الصحي والكهرباء

وحتى أنّ الصرف الصحي يمكن أن يحلّ مشكلة الكهرباء التي كلّفت لبنان مبالغ كبيرة وحتى الآن لا يزال اللبناني يفتقد حقه الأساسي بكهرباء 24 على 24، إذ بعد معالجة مياه الصرف الصحي التي تتعدد استخداماتها كما ذُكر سابقاً، يمكن الإستفادة من "الحمأة" أي مخلفات الصرف الصحي الصلبة، والتي يمكن الحصول منها على غاز الميثان والذي من خلاله يتمّ توليد الطاقة الكهربائية، مثلما فعلت عجمان والتي كلفها مشروعها لتوليد الكهرباء الخضراء 120 مليون درهم إماراتي (32671730 مليون دولار) وبطاقة إنتاجية تبلغ أكثر من 26 ألف كيلوواط يومياً. كذلك الأمر في التجربة المتطورة في محافظة كفر الشيخ المصرية في إنتاج الأسمدة والبيوغاز، علماً أنّ هذه الطريقة في توليد الطاقة تقلل أيضاً من انبعاثات الكربون. كذلك فقد نجحت تجربة في الدنمارك بتوليد كهرباء بنسبة تزيد 70% عن احتياجاتها عام 2016، من خلال الحمأة. وفي لبنان، تزداد الحاجة إلى الطاقة بشكل سنوي مع ارتفاع أعداد الذين يحتاجونها في لبنان من مواطنين ونازحين، فلمَ لا يلجأ المسؤولون عن هذا الملف إلى الخبراء اللبنانيين للبحث في هذا الخيار؟!


MISS 3