أسامة القادري

"رجوتهم ألا يقتلوني" واحتضنني اللاجئون السوريون... "مليون دولار بيرجعلك الوالد"

عمليات الخطف تتفاقم بقاعاً والأجهزة غائبة

31 كانون الأول 2019

02 : 00

غابت الدولة بأجهزتها، فانتشرت ظاهرة الخطف للمطالبة بفدية مالية، ومحاولات السلب بقوة السلاح، في البقاع حتى قاربت جرائم السلب والخطف الـ 70 جريمة شهرياً. وفي وضح النهار، وفي الليل يمكن لأي مواطن أن تكون حياته عرضة للخطر وسط تراجع عمل الأجهزة الأمنية، حتى تحولت عمليات التعدي على حياة الناس الى قضية تقلق البقاعيين خلال الاعوام السابقة، لتبلغ ذروتها العام 2019.

هي أشبه بقضية أسبوعية وأحياناً كثيرة تكون يومية حتى لامست جرائم الخطف ومحاولات السرقة الـ 70 جريمة شهرياً. فهذه القضية التي أمست خبراً يومياً تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي، ونادراً ما تأتي على ذكره وسائل الإعلام المحلية، أظهرت عجز الدولة بأجهزتها الأمنية والعسكرية في عدم قدرتها على توقيف عصابات السرقة ومافيا الخطف اللتين تنفذان جرائمهما بكل أريحية.

ينفذ الخاطف جريمته، وينقل المخطوف الى سهل البقاع الشمالي عابراً أكثر من 100 كلم على الطرقات الرئيسية والفرعية، والتي يفترض أن الاجهزة الامنية نصبت عدداً من الحواجز الامنية على امتدادها. وغالباً ما يتم نقل المخطوف بسيارات رباعية الدفع زجاجها داكن تحمل لوحات مزورة، ينتحل أصحابها صفات أمنية وحزبية لتسهيل عبورهم على الحواجز الامنية.

والمستغرب أن يتم الافراج عن مخطوفين بعد تدخلات حزبية، عدا عن أن هناك حالات خطف تمّ الافراج عنها بعد تدخل قيادات حزبية رفيعة في حركة "أمل" و"حزب الله"، ما خلف انطباعاً وكأن الخاطفين يستغلون أن منطقتهم حاضنة للثنائي "حزب الله" و"حركة أمل"، أكثر مما هي خاضعة لسيطرة أجهزة الدولة، وبالتالي فهي خاضعة لنظرية الامن بالتراضي على حساب القانون والمحاسبة. ويذكر أحد المخطوفين أن الخاطفين تركوه في سهل البقاع الشمالي، بعد دفع فدية مالية أو سلبه سيارته وما في جعبته من مال وهاتف محمول."أدركت أنني مخطوف"

أحد الذين خطفوا وتحولت قضيتهم الى قضية رأي عام، وهو الطبيب ربيع أبو شامة، يروي لـ"نداء الوطن" تفاصيل عملية خطفه التي تمت قبل نحو تسعة أشهر أي في الاول من آذار الماضي: "اعترضت سيارتي سيارة دفع رباعي في منطقة تعلبايا، قطعت الطريق أمامي وادعى الخاطفون أنهم من أحد الأجهزة الأمنية، أجلسوني في المقعد الخلفي وعلى يميني ويساري شخصان سألاني عن اسمي ورصيدي في البنك حينها أدركت أنني مخطوف".

يطلق الرجل تنهيدة طويلة متابعاً حديثه بحسرة "لحظات مؤلمة عصية على النسيان لما شعرت به من اعتداء على كرامتي كإنسان اولاً، وإعتداء على حقي ومالي وحياتي"، ويتابع رواية مأساته "رجوتهم ألا يقتلوني، أخذوا كل ما لدي، وتركوني في سهل إيعات في البقاع الشمالي". وبدأ أبو شامة رحلة السير في منطقة مظلمة لا يعرف عنها شيئاً، ليهتدي الى بصيص ضوء من بعيد، فإذا به مخيم للاجئين السوريين، فاحتضنوه وأمّنوا له الاتصال بعائلته.

ورغم تقديمه بلاغاً الى الاجهزة الامنية إلا أن أي تطور ايجابي لم يطرؤ رغم مرور تسعة أشهر على حادثة الخطف. وكما في هذه القضية كذلك في غيرها من القضايا المماثلة، لم يحصل ان ألقت الأجهزة الامنية القبض، إلا نادراً، على الفاعلين، ليتحسر هو وغيره على خسارته المادية "سيارة جيب مرسيدس بقيمة 40 ألف دولار، وهاتف خلوي وأموال في جيبه، فضلا عن خسارته الشعور بالامان في بلده والقلق من تكرار مثل هذه الجرائم "لأنني أسمع وأرى بشكل يومي عمليات خطف متزايدة".

وإزاء هذا الواقع تحولت منطقة البقاع الى مسرح لعمليات الخطف للبنانيين وأجانب كان يطلق سراحهم بعد تدخل السفارات، واتصالها بقيادات "حزب الله" و"حركة أمل" فتتولى القيادات التفاوض مع الخاطفين، فيتم

تخفيض الفدية المالية. وأحيانا يتم الافراج عن البعض من دون دفع الفدية نتيجة تعرض الخاطفين لضغوطات من "الثنائي". كذلك حال العديد من الذين خطفوا وتعرضوا للابتزاز المالي مقابل الافراج عنهم.

مليون دولار مقابل الوالد

يروي محمد عريشي، مقيم في سوريا يعمل مقاولاً، كيف تمت عملية خطفه أثناء زيارته لنجله المقيم في بلدة قب الياس في البقاع الاوسط.

أثناء توجه الإبن وأبيه الى نقطة المصنع الحدودية، للتأكد من الوضع القانوني لسيارتهما، وهي جيب من نوع Audi مسجلة في سوريا رقم لوحتها 898359/دمشق، اعترضهما 4 مسلحين على متن جيب أسود، في منطقة الأكرمية على طريق الشام، الواقعة بين بلدتي عنجر والمصنع، وخطفوهما مع سيارتهما، ليفرجوا بعدها عن الابن بدر الدين في أعالي محلة كسارة - زحلة، ويتركوا السيارة على الاوتوستراد العربي جهة تعنايل، لتجري بعدها عملية التفاوض على دفع فدية مالية وقدرها مليون دولار مقابل الافراج عن الوالد ولم يفصح عن قيمة الفدية التي دفعت بعد ذلك.

ومنذ اسبوع تعرض أحد رجال الأعمال من البقاع الغربي لعملية خطف على طريق البيرة على يد مجهولين، وطالب الخاطفون بفدية مالية وقدرها مليون دولار أميركي لإطلاق سراحه. بعدها تمكنت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، من القاء القبض على افراد العصابة اثناء تواجدهم في بلدة المرج وفي غضون ساعات.

يؤكد ضابط أمن سابق لـ "نداء الوطن" أن "تفاقم عمليات الخطف أصبح أمراً غير مقبول ويشكل قلقاً فعلياً لوحدات الأمن الداخلي، لأن بعض هذه العمليات يتم في وضح النهار، ما يساهم بزعزعة ثقة المواطن بالأجهزة الأمنية. ولفت الى أن الإشكالية التي تواجه قوى الأمن في المعالجة تكمن في عدد من النقاط منها: أولاً لأن غالبية الخاطفين من البقاع الشمالي معروفون بالاسماء، فيما مسرحهم في البقاع الاوسط.

ثانياً، نطاق عمل قواتنا في البقاع الشمالي يشوبه الكثير من العوائق، ودائماً نحتاج الى حملات أمنية توافق عليها قيادات الأحزاب النافذة فيها".

كما لفت الى الاشكالية في السيارات ذات الزجاج الداكن، متمنياً أن تلغى جميع رخص "الفيميه"، ليتسنى لعناصر الأمن توقيف أي سيارة زجاجها داكن، وقال: "عندما يوقف العنصر الامني سيارة مشبوهة مخالفة بزجاج داكن أو لوحة مزورة يتم الاتصال من قبل السياسيين وتمارس عمليات ضغط للافراج عنه وعن سيارته، وكثيراً ما تكون هذه السيارات لقياديين في الاحزاب، حينها يتحول العنصر أو الضابط إلى خصم يعمدون على ابعاده عن المنطقة، فيضطر العنصر على مجاراة الواقع ولا يوقف السيارة المشبوهة، كي لا يتعرض للمساءلة". لذا تجري عمليات الخطف وانتقال الخاطفين بكل سلاسة. عقيص: فشل الدولة

ويتوقف النائب جورج عقيص عند ظاهرة الخطف المتزايدة، ويرى فيها عنواناً لعجز وفشل الدولة، داعياً، في حديث لـ"نداء الوطن"، الدولة إلى "إما تأمين الأمن للمواطنين وإما إعلانها الفشل"، وقال: "الانطباع العام المكون لدى أهالي زحلة وقرى البقاع الاوسط، أنه اذا خالف شخص في البناء مخالفة صغيرة تأتي الدولة لتحاسبه، وأن وزارة المالية تحاسب المؤسسات الزحلية بدقة متناهية وكأن ايرادات الخزينة متوقفة على زحلة ومنطقتها، بينما هي تعاني اساساً من مشاكل عديدة في ظل الأزمة الحالية"، وشدد عقيص على أن "الزحلي وأبناء البقاع الاوسط ليسوا ضد القانون، بل يمتثلون للأحكام القانونية، لأن الإمتثال للقانون يدخل ضمن تكوينه الفكري وايمانه بالدولة".

وتعليقاً على عمليات الخطف قال: "لا يمكن الإستمرار في معاملة البقاعيين والزحليين بازدواجية المعايير. تستوفي منهم الدولة الضرائب والرسوم ويسري عليهم تطبيق القانون، بينما هي عاجزة عن تأمين أدنى مقومات الحياة وأهمها الأمن والأمان". وختم مطالباً "المعاملة بالمثل وبسط الهيبة والامن والضرائب على الجميع أو الاعتراف بالفشل والعجز، خصوصاً وأن المواطن بات يخاف أن يتنقل ليلاً كي لا يتعرض للخطف والسلب وتركه وسط الطريق. لذا لتتفضل الأجهزة الأمنية وتقوم بواجباتها تجاه مواطنيها، وأن لا يترك الزحلي لقدره".


MISS 3