مايز عبيد

لاجئون سوريون في عكّار بلا ملجأ... ونزوح داخل المخيم

3 كانون الثاني 2020

02 : 00

هنا في مخيّمات اللجوء للسوريين في لبنان، لا سقف بل أكياس نايلون ملفوفة على أمتار من الحديد ومثبّتة بدواليب سيارات. ولا أرض ولا سجادة بل بعض البطانيات التي اكتسحتها المياه. تلك هي أحوال مئات آلاف اللاجئين السوريين الذين يعيشون في مخيمات لا تتوافر فيها أدنى شروط السلامة والأمان لأنها أشبه بالنوم في العراء.

إنه الشتاء التاسع الذي يمر على اللاجئين السوريين في مخيمات عكّار. وليس أصعب وأقسى على هؤلاء من عيش المخيمات في زمن الشتاء. 9 سنوات تمر عليهم والمعاناة تتكرر كل سنة، أما المخاوف فتتكرر جراء العيش تحت سقف "شادر" أو داخل خيمة لا تحمي اللاجئ لا من صقيع وثلوج وأمطار الشتاء ولا من حرارة شمس الصيف.

شتاء هذه السنة أتى بعواصفه الشديدة أشبه بتسونامي مدمّر. لم يبق سوى الأنين في عتمات الليالي، وخيم هشّة لا تتحمل قساوة الطبيعة التي لا يتحملها الحديد. هنا في المخيمات العكّارية لا شيء سوى الخوف. في الليل خوف على الأولاد الصغار والعُجّز من الآتي مع العواصف، وفي النهار خوف أيضاً ومحاولة لملمة شتات ليل، لا تكاد تنتهي حتى تباغته عاصفة جديدة فتقضي على المحاولة ويعود الخوف ليسيطر مجدداً.

ولدى وصولنا إلى أحد المخيمات في المنطقة ويسمى "الريحانية" غرب ببنين في عكار، كان المطر قد أخذ استراحة. يتسارع الرجال إلى الخارج كي يصلحون ما تضرر وإعادة ترتيب النايلون المتطاير ليحميهم من مياه الأمطار، فيفاجئهم المطر من جديد مفسداً عليهم المحاولة. بالنسبة إلى أحمد الأشقر (لاجئ) فلم يعد للحديث جدوى: "كل سنة نناشد ونستغيث ولا مجيب. كل المساعدات تقلصت إن لم نقل انتهت ولا ندري ماذا نفعل في هكذا أوضاع مأسوية". نقص مادة المازوت أيضاً أحد أهم المشاكل". تشرح اللاجئة فطوم وهي أم لـ 9 أولاد تعيش معهم في خيمة واحدة: "غمرتنا المياه ولا أدوية وقد قطعوا عنا الكثير من المساعدات وأنا خائفة على الصغار أكثر من أي شيء".

مخيمات السهل

في مخيمات سهل عكّار المشهد نفسه يتكرر. الأمطار اكتسحت الخِيم فنام الأطفال والكبار على أرض مبللة بالمياه بانتظار توقف العاصفة. يضطر الأطفال الصغار والنسوة للخروج عند توقف الأمطار من أجل التزود بالمياه حيث الشاي هو مشروب الشتوية رغم كل الأسى، أو من أجل التحضير للطبخ كما يخرج البعض إلى الحمّامات الموجودة بعيداً من الخيم، ويضطرون للمشي في (الوحل) فتزداد المعاناة معاناة. يشتكي الرجال هنا في مخيم (كفرملكي) من قلّة فرص العمل ونقص المساعدات، في وقت تعجز فيه الدولة عن مساعدة مواطنيها. المسافات الترابية الفاصلة بين خيمة وأخرى تحولت هي الأخرى إلى بُركٍ فمستنقعات، ربما لا نغالي إن قلنا أنك بحاجة إلى جرار زراعي حتى تتمكّن من السير بينها.

نزوح فوق نزوح

مع توقف المطر يخرج اللاجئ منهم ليلقي نظرة على ما تبقّى من خيمة. يقول سامر: "عند كل هبوب هواء أشعر وكأن الخيمة قد طارت وصارت في البحر". أما علي رضا فكان وقتها في الخارج يثبّت خيمته بوضع دواليب السيارات على سقفها لحمايتها ومنع النايلون من التطاير. هذا ورغم كل المآسي إلا أن هؤلاء لديهم في خيمهم السابحة بالماء، أجهزة تلفزيون وديشّات (صحون لاقطة)، لمتابعة الأوضاع وآخر المستجدات خصوصاً مستجدات العاصفة على أمل أن تنتهي في أسرع وقت وبأقلّ الأضرار الممكنة. وأكثر ما يميّز المشهد على تعاسته وألمه هي فكرة اللجوء المزدوجة أو النزوح من خيمة إلى أخرى في المخيم نفسه، حيث ينزح من كانت خيمته قد تضررت بالكامل، وسبحت في الماء، أو طار سقفها، باتجاه الجار أو الأخ أو القريب، الذي ما زالت خيمته بوضع أفضل، فيجتمع الكل في خيمة مأساة واحدة تضيق بحالها.

وتزداد أوضاع اللاجئين صعوبة مع كل موسم شتاء. وهذا موضوع لا يمكن النظر إليه إلا من الجانب الإنساني البحت، حيث أنّ ثمة في لبنان بشراً ومنهم عدد كبير من الأطفال (مئات بل آلاف)، يعيشون من دون أبسط مقومات الحياة الإنسانية التي يجب أن تتأمن لإنسان، بغض النظر عن جنسيته ولونه وحالته وأوضاعه. هؤلاء لا أحلام كبيرة لديهم. فأكبرها ضاع مع سوء الأوضاع. أحلامهم بسيطة جداً. طعام وشراب وأدوية ومأوى لا تقتحمه الأمطار من فوق أو من تحته، بداخله مدفئة بسيطة والسلام.

ومع اللاجئين لا تنفع إرشادات القوى الأمنية لتجنب خطر العواصف، فالمخاطر اقتحمت خيمهم في ظل تراجع مساعدات الدول المانحة والمنظمات الدولية والمحلية. والسؤال الأبرز: كيف لهؤلاء أن يصمدوا أمام عواصف هوجاء اخترقت المنازل، وما حال تلك الأيادي الطفولية الصغيرة التي اختبرت معنى التشرد والموت وأوَت إلى بلدٍ علّها تجد أمانها، فإذا بالصقيع والأحوال الجوية تفعل بها فعله، في بلدٍ يئن أهله ومواطنوه من الإهمال، فكيف بلاجئيه؟!


MISS 3