طوني فرنسيس

لبنان والقمم العربية

3 تشرين الثاني 2022

02 : 00

فقد لبنان حضوره المستقلّ في القمم العربية وبعض المنظمات الدولية الأخرى (عدم الانحياز مثلاً) منذ منتصف سبعينات القرن الماضي.

في تلك الفترة كان العرب والعالم بدآ يتعاملان مع لبنان بوصفه أرض منظمة التحرير الفلسطينية. كان ياسر عرفات هو الرئيس «اللبناني» والحكومات الرسمية حاملةً لأختامه. كان اللبناني في أي لقاء دولي يُعامل بوصفه آتياً من «دولة عرفات»، والقرارات التي كانت تصدر عن القمم والمؤتمرات حرصت جميعها على تأكيد حق الفلسطينيين في النضال من أجل العودة، وهذا النضال كانت ساحته الوحيدة المتاحة والمطلوبة بلداً اسمه لبنان. كان ذلك مأساة للبنانيين وللفلسطينيين معاً انتهت بكارثة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.

تشاركت «منظمة التحرير» القرار اللبناني مع النظام السوري طوال تلك المرحلة، وقدم وزير الخارجية الراحل فؤاد بطرس في كتاب مذكراته تفاصيل مدهشة لكيفية الهيمنة السورية - الفلسطينية على الدبلوماسية اللبنانية، وحتى بطرس رجل الدولة المخضرم والمحترم كان عليه أن ينسّق مع عبد الحليم خدام ويكسب رضا فاروق القدومي، قبل الادلاء بموقف أو باقتراح يُضاف إلى جدول أعمال القمم العربية، ومن ذلك تدخّل خدام باسم حافظ الأسد لمنعه من إثارة قضية الإمام موسى الصدر في قمة عقدت في المغرب.

بعد إخراج «منظمة التحرير» من لبنان، وبدء الانسحاب الإسرائيلي، إنتقلت إدارة الشؤون اللبنانية إلى القيادة السورية تدريجاً، ثم أمسكت دمشق بالسياسة اللبنانية كلياً بعد تسليمها البلاد إثر اتفاق الطائف ووقوفها إلى جانب الولايات المتحدة في حرب الخليج الأولى. لم يعد المسؤول اللبناني يتحرك الا عبر دمشق، ولاحقاً عنجر. كان الوزير اللبناني اذا دُعي إلى باريس يمر في العاصمة السورية اولاً للاستئناس برأيها، وخلال عودته يهبط فيها اولاً لابلاغها بالنتائج وتقديم تقريره إلى «الجهات المختصة»، وفي إحدى المرات تناهى إلى مسامع الرئيس اللبناني أنّ الأسد سيقاطع قمة عربية في عمان، فسارع إلى رفض المشاركة ليفاجأ في اليوم التالي بذهاب الأسد إليها...

غاب لبنان الدولة طوال ما يقارب نصف قرن، أو أكثر من ثلثي سنوات استقلاله، تاركاً تمثيله الخارجي كما سياسته الداخلية إلى مسؤولين خارجيين هيمنوا على أرضه وقراره، ولم يكن ذلك ليحصل لو كانت الدولة حاضرة بدستورها وقوانينها، ولو كانت القوى الطائفية والسياسية وضعت صراعاتها تحت سقف الدولة لا في خدمة الدول.

خرجت إسرائيل منذ 22 عاماً وسوريا منذ 17 عاماً، لكن الدولة اندثرت حتى في الشكل لمصلحة الميليشيا والمافيا وأباطرة الطوائف والمذاهب، فكيف يمكن للبنان أن يتابع سياسة خارجية فاعلة انطلاقاً من مصالحه الوطنية العليا، وكيف له أن يقول شيئاً في الإجتماع العربي الأبرز، غير انتظار فقرة تقليدية تصاغ له والموافقة على بيان توافقات الآخرين.