رافي أغراوال

سياسة أميركا الجديدة تجاه الصين محفوفة بالمخاطر

4 تشرين الثاني 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

في الشهر الماضي، أصدرت وكالة فدرالية أميركية صغيرة وثيقة تنظيمية لم تحصد تغطية إعلامية واسعة، لا سيما المسائل المرتبطة بتشعباتها العالمية الهائلة. أعلن مكتب الصناعة والأمن في وزارة التجارة الأميركية عن فرض قيود عالمية للحد من قدرة الصين على استيراد أشباه موصلات متقدّمة. تتجاوز هذه القواعد الصارمة الجديدة أي محاولات سابقة لكبح تقدّم الصين التكنولوجي وطموحاتها.

بعد أسبوع على صدور الوثيقة، اعتبر جون بيتمان في صحيفة «فورين بوليسي» هذه الخطوة لحظة مفصلية في تاريخ العلاقات الأميركية الصينية، وهي تضمن برأيه متابعة المسيرة التي تُمهّد لفك الارتباط التكنولوجي بين البلدَين على نطاق واسع.

بيتمان مسؤول بارز في برنامج الشؤون التكنولوجية والدولية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. كان مساعِداً خاصاً لرئيس هيئة الأركان المشتركة السابق، الجنرال جوزيف دانفورد، وكان مدير تنفيذ الاستراتيجية السيبرانية في مكتب وزارة الدفاع. يناقش بيتمان في هذه المقابلة تداعيات أحدث التغيرات السياسية منذ نشر مقالته.

ما حقيقة هذه القيود الجديدة وما سبب أهميتها؟

فُرِضت قيود جديدة ومتعددة الأبعاد للحد من قدرة الصين على استيراد أشباه الموصلات المتطورة، أي الرقائق النهائية التي تُستعمَل في الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة، والمعدات المستخدمة لتصنيع تلك الابتكارات.

تعمّقت الولايات المتحدة في المجال التكنولوجي لكبح تطوير تقنية أشباه الموصلات في الصين بمستوياتها الراهنة وصولاً إلى تجميدها بالكامل. قد يكون هذا الإجراء من أكثر التدابير صرامة وتأثيراً ضد قطاع التكنولوجيا الصيني بعد أربع سنوات من الحروب التكنولوجية والاقتصادية المحتدمة، وهو عامل مهم جداً لأنه يشير إلى رغبة صريحة وقوية في احتواء التطور التكنولوجي الصيني وتقييده.

ما الذي يدفع واشنطن إلى اختيار هذا النهج؟

يتعلق التبرير العلني الوارد في الوثيقة التنظيمية بحجة الأمن القومي الكلاسيكية، على اعتبار أن الصين تستعمل أشباه الموصلات المتقدمة والحواسيب الفائقة لتطوير قدراتها العسكرية.

يمكن استعمال الحواسيب الفائقة والذكاء الاصطناعي لتطوير نماذج ديناميكية هوائية صاروخية، ويمكن استخدامها لتصميم نماذج من انفجارات نووية وتحقيق جميع أنواع الأهداف العسكرية. على صعيد آخر، يسود نقاش حول العمليات الاستخبارية المبنية على الذكاء الاصطناعي وإقدام الصــين على قمع شعبها.

لكن يجب أن يدرك الجميع أن القطاع الخاص في الصين سيتحمّل أكبر أعباء هذه القيود، حتى لو كانت الولايات المتحدة تستهدف التطور العسكري الصيني عبر ضوابط التصدير. وعندما تكشف إدارة بايدن استعدادها لكبح تطور الصين الاقتصادي والتكنولوجي الواسع ونطاقاتها التجارية والعلمية المدنية، ستثبت بذلك شكلاً من التفاوت في مواقفها وتكشف نوايا تتجاوز حدود معاقبة الجيش الصيني. ربما يريد الأميركيون بكل بساطة أن يكبحوا الصعود الصيني.

إلى أي حد قد تتضرر الصين من التدابير الأخيرة؟

على المدى القصير، قد تتضرر منها بدرجة بسيطة. تدرك الصين اتكالها الاستثنائي على واردات أشباه الموصلات المتقدمة، وهي تنفق عشرات مليارات الدولارات لتطوير صناعاتها الخاصة. لكن تُعتبر هذه التقنيات من أكثر المعدات تعقيداً وتطوراً على الإطلاق، وتبقى كمية القطع ودقتها والمهارات اللازمة لاستعمالها استثنائية بمعنى الكلمة.

لهذا السبب تشعر الصين بالقلق. تتعدد التقارير التي تشير إلى تخبّط الحكومة والقطاع الخاص في الصين لتطوير بعض خطط الاستجابة، ومن المتوقع أن تتمحور حول التركيز على تطوير الذات على المستوى الوطني. لكن ستكون هذه الطريق طويلة وشاقة.

كم سنة ستستغرق جهود التطوير؟ هل نتكلم عن قدرات تصنيع ملموسة أم رأسمال بشري؟

نحن نتكلم عن هذين الخيارَين معاً. تُمنَع الصين من استيراد الآلات المتطورة التي تعجز عن تصنيعها بنفسها، ولا يُسمَح لها أيضاً بتوظيف الأميركيين، ولا نعني بهم المواطنين الأميركيين فحسب بل مجموعة واسعة وأساسية من الناس لمساعدة بعض شركات أشباه الموصلات الرائدة في الصين على إحراز التقدم المنشود.

يقال إن الصين متأخرة بعشر سنوات تقريباً عن أحدث التطورات في قطاع تكنولوجيا أشباه الموصلات. قد تحتاج الصين إلى المدة نفسها على الأقل لمحاولة هندسة تلك القدرات محلياً. لكن تبقى هذه المدة الزمنية مبنية على التخمينات.

ما هو رد بكين المحتمل؟ ما الذي يمكنها فعله للرد على هذه التدابير؟

مرّت أربع سنوات منذ أن فرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رسوماً جمركية، وعشرات القيود على التصدير والتأشيرات، ومجموعة من العقوبات، والقوائم السوداء. وعلى مر هذه الفترة كلها، حرصت الصين على إطلاق ما قد نعتبره رداً مباشراً ومتبادلاً ومتوازناً. أظن أن الصين تدرك أنها ستخسر أكثر من الآخرين إذا أطلقت دوامة تصعيدية، وهي تفضّل التمسك بالروابط التي تجمعها بالغرب إلى أن تصل إلى المستوى الذي تريده من الاكتفاء الذاتي ويتغير الوضع لمصلحتها.

تملك الصين بعض الإمدادات لكنها تختار عدم استعمالها. تتكل الولايات المتحدة بشدة على الصين لتأمين المعادن الأرضية النادرة لتعدين ومعالجة مواد تحتاج إليها جميع الإلكترونيات، وسيواجه البلد مشكلة كبرى إذا عجز عن تلقي تلك المواد. تبقى الصين معقلاً صناعياً لشركات التكنولوجيا الأميركية مثل «آبل». وتُعتبر الصين منبعاً للمواهب في الجامعات والشركات الأميركية، وهي مصدر للرساميل أيضاً. تتعدد جوانب الترابط بين الطرفَين، وأظن أن الصين تبقى حذرة في طريقة استعمال هذه الموارد. لكن لن يبقى الوضع على حاله. لا مفر من أن تتغير حسابات بكين في مرحلة معينة ويدرك الرئيس شي جين بينغ أنه لم يعد يملك ما يخسره. لا أحد يعرف متى ستبدأ تلك المرحلة. أنا قلق لأن الناس لا تترقب هذا التحوّل. هم لا يفكرون بتوقيت تلك المرحلة، ويتزامن هذا الوضع مع زيادة الغموض في أداء القيادة الصينية وصعوبة توقّع تصرفاتها.

سبق وشرحتَ أن الولايات المتحدة تستطيع أن تُلزِم العالم بقواعدها. ما رأي بقية دول العالم بهذا الموضوع؟

لم تكن واشنطن مستعدة لانتظار موافقة حلفائها، وهو مؤشر مهم لتحديد الأولويات الدبلوماسية، ولا مفر من أن يلاحظ الناس في عواصم العالم ما يحصل.

أدلى آلن إستيفيز، وكيل وزارة التجارة الأميركية للصناعة والأمن، بتعليقات في الأسبوع الماضي حيث سُئِل عن هذا الموضوع، فزعم أن حلفاء الولايات المتحدة لا يرون مشكلة في التحركات الأميركية، وهو يتوقع منهم أن يدعموا تحركات واشنطن خلال فترة قصيرة ويفرضوا قيوداً محلية موازية أيضاً. وحتى لو وافق حلفاء الولايات المتحدة على مواكبة هذه التدابير، أظن أنهم سيلاحظون أن الخطوة الأولية كانت أحادية الجانب وسيوافقون عليها على مضض. هل سيكون إصرار واشنطن على جرّ حلفائها إلى حملتها استراتيجية مستدامة؟ قد تنعكس هذه المقاربة على الخطوات الإيجابية التي يُفترض أن تتخذها الولايات المتحدة، مثل تنسيق جهود دعم الرقائق والتنظيمات التكنولوجية، والتضامن ضد الصين لتشكيل جبهة موحّدة. نتيجةً لذلك، لا يمكن استعمال هذه القواعد القسرية إلا في مناسبات معينة.

إلى أي حد قد تزيد صرامة هذه التدابير، وبأي سرعة قد تنتقل إلى قطاعات مثل التكنولوجيا الحيوية أو صناعة الأدوية؟

تتعدد الخطوات التي أصبحت قيد التطوير الآن، وهي تتجاوز نطاق تقييد التصدير. في وقت قريب نسبياً، سيظهر في الولايات المتحدة نظام لمراقبة الاستثمارات الخارجية، وهو تدبير حكومي غير مسبوق لتنظيم التدفقات المالية العابرة للحدود. يُفترض أن يبدأ العمل به خلال الأشهر المقبلة. على المدى الطويل، أعلنت الإدارة الأميركية أنها بصدد مراقبة قيود التصدير في مجال التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي الكمّي.

لا يمرّ أسبوع واحد من دون طرح اقتراح جديد وبارز، أو وضع شركات جديدة على قائمة الكيانات التابعة لوزارة التجارة، أو اقتراح تشريع في الكونغرس. لقد أصبحت بيئة صناعة السياسة ناشطة لدرجة أن يعجز أشخاص مثلي عن مواكبتها. كل شيء ممكن اليوم.

مع اقتراب الانتخابات الأميركية النصفية في الأسبوع المقبل، ما سيكون تأثير النتائج على خطوات إدارة بايدن في المرحلة المقبلة برأيك؟

يتمتع البيت الأبيض بسلطة تنفيذية لا يمكن تصوّرها لفرض قيود على التصدير وأنواع أخرى من الضوابط، ما يعني أنه لا يحتاج إلى أي تشريعات في الكونغرس وهو لم يتكل عليها يوماً.

مع ذلك، قد تتصاعد الضغوط على الرئيس الأميركي جو بايدن والديمقراطيين وتزيد التكاليف المترتبة عليهم إذا استولى الجمهوريون على الكونغرس. لقد لاحظنا أن التعامل الصارم مع الصين هو واحد من أبرز الحملات الهجومية التي يستعملها الجمهوريون ضد إدارة بايدن منذ يومها الأول في السلطة، لا سيما المرشّحون المستقبليون للرئاسة. يجب أن يتجنب بايدن ذلك الهجوم بطريقة ما، وأظن أن قيوداً أخرى أصبحت قيد التحضير.

من الواضح أن أحدث نقطة تحوّل سياسية تزعجك وتثير قلقك. ما هي أكبر التكاليف المترتبة عن فك الارتباط بين الطرفَين وما هي وجهتنا المقبلة؟

أنا أشعر بالقلق فعلاً وأتساءل: هل من نقطة توقّف في مرحلة معينة؟ هل ستُسبب هذه القيود يوماً أضراراً تفوق المنافع المُحققة على مستوى المصالح الأميركية والعالم ككل؟ أظن أننا نقترب من تلك النقطة اليوم.

أنا قلق في المقام الأول على علاقة الولايات المتحدة مع الصين لأنها ترتبط بالاستقرار العالمي العام وبقدرتنا على التعاون لمعالجة تحديات كبرى مثل التغير المناخي أو الأوبئة، أو حتى الحفاظ على استقرار مناسب لمتابعة التواصل في زمن الأزمات. كلما اتّضحت رغبة الولايات المتحدة في احتواء التطور الصيني، لا مفر من التفكير بحجم التداعيات الجيوسياسية العميقة والمخاطر التي تطرحها علينا جميعاً. يشعر فريق بايدن وعدد كبير من المسؤولين في واشنطن بأن العوامل الخارجية تصبّ في مصلحتهم وأن هذه التدابير الصارمة بدأت تعطي المفعول المنشود. لكنهم يغفلون على ما يبدو عن المخاطر المطروحة. هذا الوضع يثير قلقي.