أسعد بشارة

السعودية وفرنسا تستأنفان مساعيهما الرئاسية

4 تشرين الثاني 2022

02 : 00

أول ارتدادات الخروج غير البطوليّ للعماد ميشال عون من بعبدا، تحرّك الجهود الدولية والعربية للتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، وتهدف هذه الجهود إلى تسريع هذا التوافق، لأنّ الفراغ سيكون مكلفاً في الداخل وعبئاً على الخارج، ومزيداً من الانحدار إلى انهيار أكبر.

لم يكن العماد عون في الخروج «الاوبرالي» من بعبدا، يهدف الّا للتغطية على انكسار سياسي واضح مُني به، بعد عجزه عن دفع «حزب الله» للضغط على الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي كي يشكّلا حكومة جديدة يكون فيها لصهره اليد الطولى. عجز عون عن تشكيل الحكومة فهرب إلى «الكرنفال» الشعبي الذي لا يمكن تقريشه، في المعادلة، على اعتبار أنّ الوقائع السياسية والتوازنات هي التي تحكم المرحلة المقبلة لا الاهازيج.

مع انتهاء «الخطة ألف» إلى فشل ذريع، بعد اخفاق استجداء ميقاتي في الساعات الأخيرة انتاج التشكيلة ذاتها، انتقل عون إلى «الخطة باء» التي لا يتوقع لها أن تلقى الّا النتائج نفسها التي رافقت الفشل العوني في الحصول على حكومة جبران باسيل. يريد عون في «الخطة باء» أن يستنفر المشاعر الطائفية للمسيحيين تحت عنوان الحقوق والصلاحيات، ويريد أن يستفز المسلمين كي يسعّر الطائفية، على طريقة الاطفائي المهووس، الذي يشعل النار ويقبض ثمن إطفائها.

هذه الخطة المكررة، تعثّرت بالأمس في مجلس النواب، وهي ستتعثر في المستقبل، لأنّ القوى المسيحية والمرجعيات لم تعد تأبه لمزايدات الجنرال وتحريضه، خصوصاً أنّه وبالدليل القاطع مرغ أنف الجمهورية والرئاسة والصلاحية، ونسف بنفسه نظرية الرئيس القوي، عندما مارس الحكم برعونة خلقت شرخاً مع المسلمين، ولم تضف للمسيحيين الّا عداوات جبران وفواتير مصالحه التي يعطيها عون طابع حقوق المسيحيين.

ولأنّ إجهاض المزايدة العونية بات في صلب مصلحة المسيحيين، ولأنّ هذه المزايدة لم يعد وقعها كما كان بفعل انكشاف عون وصهره ومصالحهما، فقد كانت توجيهات الكتل المسيحية المعارضة إلى النواب أن يواجهوا اي استفزاز او مزايدة عونية بعنف وقسوة، كي لا يعتقد عون أنّ خرافة امساكه بيافطة حقوق المسيحيين لا تزال مادة صالحة للابتزاز.

قبل الجلسة اجتمع 27 نائباً في بيت الكتائب المركزي، وقرروا مواجهة الجلسة بموقف وطني عاقل وعابر للطوائف. شارك في الاجتماع نواب من مختلف الاطياف، بينهم المرشح الرئاسي ميشال معوض في حضور يتجاوز الاستدراج العوني إلى القوقعة، إلى جانب أعضاء «كتلة تجدد» أشرف ريفي وفؤاد مخزومي بما يمثّلان من ثقل سني شمالي وبيروتي، كذلك نواب مستقلون من مختلف المناطق والطوائف، وكان صوت هؤلاء واحداً في مواجهة الفتنة الطائفية.

في السياق نفسه، لم يلاق الدعوات التحريضية للعماد عون أحد في الوسط المسيحي، فقد كان من الواضح أنّ «القوات اللبنانية» لم تعد تأبه للتحريض العوني، وأعطيت التوجيهات لنواب كتلة «الجمهورية القوية»، بأن يتجاوزوا أيّ «برازيت» ويواجهوه، باعتبار أنّهم يمثّلون الأكثرية المسيحية، وبأنّه لا مجال لمراعاة أيّ ابتزاز عوني يمارس في موضوع الحقوق والصلاحيات.

اذا كان ما يحدث في الداخل في مرحلة ما بعد ولاية السنوات الست العجاف، قد أصبح أكثر وضوحاً، فإن جهداً عربياً ودولياً قد بدأ يسجل لتقصير أمد حرائق الفراغ الرئاسي. فقد سجل تحرك سعودي فرنسي مشترك، حيث تولى كلّ من الدولتين الاتصال بجميع الاطراف، لمحاولة انتاج اسم توافقي، وفي المعلومات أنّ أسماءً بدأت تُطرح (مدنية وعسكرية) تختلف عن التداول ببعض الاسماء الذي حصل في السابق، وتريد فرنسا والسعودية أن تقصّرا فترة الفراغ إلى الحد الأدنى الممكن، ويمكن القول إنّ البحث التفصيلي بالاسماء قد بدأ، وهذا ما سيقطع الرهان على تطويل أمد الفراغ، وملء الشغور في قصر بعبدا.