رفيق خوري

تطبيق الطائف صعب والخروج منه مستحيل

5 تشرين الثاني 2022

02 : 00

ليس أمراً قليل الدلالات أن يصبح إتفاق الطائف محور معركة وطنية وسياسية بعد 33 سنة من التوصل إليه بين البرلمانيين اللبنانيين في مؤتمر عربي مدعوم دولياً شهدته مدنية الطائف السعودية، ولا من المسائل العابرة أن يكون عنوان المعركة عودة الروح الى الإتفاق الذي جرى إغتيال روحه بإغتيال الرئيس رينيه معوض عام 1989 يوم ذكرى الإستقلال، ورد الخطر عن تغيير نصه. فالتمسك بالطائف حالياً هو رمز التمسك بلبنان الواحد «البلد - الرسالة»، «العربي الهوية والإنتماء». والخطر عليه هو عملياً الخطر على لبنان عبر السعي لتغيير هويته وتاريخه وموقعه الجيوسياسي. فما العمل بالطائف إذا صرنا في «لبنان آخر»؟ وكيف نصحح تشويه «فلسفة» الطائف التي أساسها نقل السلطة من طائفة حاكمة الى مشاركة كل الطوائف على قدم المساواة عبر التمثيل الحقيقي في مجلس الوزراء، بحيث صار مجلس الوزراء حصصاً للنافذين من أتباعهم، إذا تحكمت بالسلطة طائفة حاكمة أخرى؟

الواقع أن الطائف، بصرف النظر عن سوء تطبيق بعضه وعدم تطبيق بعضه الآخر، لم يعد مجرد إتفاق يمكن الخروج منه والعمل لإلغائه بل صار دستوراً. فمن مبررات الدعوات الى التعديل أن الممارسة كشفت ثغرات في دستور الطائف. وهذا صحيح. ومن مبررات الخروج على الطائف أن موازين القوى الداخلية والخارجية التي جاء على أساسها تغيّرت، ولا بد من أن يتغيّر معها الدستور. وهذا منطق خطير يعني أن الدستور محكوم بالتغيير كلما تبدل إتجاه الرياح في الداخل والعواصف في الخارج. فضلاً عن أن من يقف وراءه طرفان: واحد يريد العودة الى ما قبل الطائف. حلم سوريالي. وآخر يريد العودة الى ما قبل الدولة لتأسيس دولة على قياسه. كابوس تراجيدي.

أما الطائف، فإنه رسم الطريق الى تطويره نحو الأفضل، عبر تأليف هيئة وطنية تدرس الوسائل الضرورية لتجاوز الطائفية الى دولة المواطنة المدنية. لكن تأليف الهيئة بقي حبراً على ورق. وعلى العكس، فإن أمراء الطوائف الذين خافوا من عبور الباب الأمامي الذي فتحه الطائف الى الدولة المدنية، قادوا البلد الى الباب الخلفي حيث الإنتقال من الطائفية الى المذهبية.

ومن الوهم إستسهال الذهاب الى «مؤتمر تأسيسي» تريده قوى محددة من دون أن تطرحه رسمياً. فالذهاب الى الطائف كلف لبنان خمسة عشر عاماً من حرب مدمرة تداخلت فيها العوامل والأدوار اللبنانية والفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية. والقوي اليوم هو الذي يفرض على الضعفاء مخرجات أي مؤتمر تأسيسي، وإن كان لتوازن المصالح دور الى جانب توازن القوى. والكل يعرف المعادلة المتحكمة بالطائف: تطبيقه صعب، الخروج منه مستحيل، والبديل منه خطير.

ما نخشاه هو أن يصح فينا ما قاله أفلاطون في «الجمهورية»: «الطغاة يرفضون النصيحة الجيدة».