إيمي ماكينون

نقطة ضعف أوروبا في قاع بحارها

7 تشرين الثاني 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

حراسة مشدّدة على مصنع كارستو للغاز في مقاطعة روغالاند | النرويج، في 3 تشرين الأوّل ٢٠٢٢
كشفت الانفجارات الحاصلة على طول خطوط أنابيب الغاز «نورد ستريم» في بحر البلطيق، في شهر أيلول الماضي، مدى هشاشة شبكات الطاقة والاتصالات الأساسية في بحار أوروبا الشمالية، تزامناً مع تصاعد الاضطرابات مع روسيا غداة غزوها الشامل لأوكرانيا.

يظن المحققون السويديون والدنماركيون أن «مئات الكيلوغرامات» من المتفجرات استُعمِلت لإحداث حُفَر ضخمة في خطوط الأنابيب في قاع البحر، علماً أنها تمتد من روسيا إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق. اشتبه الكثيرون فوراً بتورط موسكو التي تحاول استغلال هيمنتها على قطاع الطاقة في أنحاء القارة وترغب في حرمان أوروبا من الطاقة خلال الشتاء المقبل، لكن لم تُحدد التحقيقات التي تجريها السويد، والدنمارك، وألمانيا، الجهة المسؤولة عن الهجوم حتى الآن. أنكرت موسكو من جهتها أي تورط لها في هذه العملية.

لم تُعْطِ تلك الانفجارات أثراً فورياً على أمن الطاقة في أوروبا. علّقت موسكو عمليات نقل الغاز عبر خط الأنابيب الأصلي، «نورد ستريم 1»، في شهر تموز، طوال عشرة أيام، ونسبت المشكلة إلى أعطال تقنية. في غضون ذلك، علّقت ألمانيا إجراءات ترخيص «نورد ستريم 2» قبل أيام من بدء الغزو الروسي. لكنّ وقوع هذا النوع من الأعمال التخريبية الواضحة في بحر البلطيق المزدحم والمحاط بدول الناتو وبأعضاء يطمحون إلى الانتساب إلى الحلف، مثل فنلندا والسويد، يؤكد على صعوبة مراقبة الممرات المائية الشمالية الأوروبية الشاسعة التي تشمل منشآت طاقة وشبكات اتصالات أساسية.

في هذا السياق، يقول بروس جونز، مسؤول بارز في «مؤسسة بروكينغز»: «يمكن إيجاد 70% من مجموع الطاقة في العالم تحت البحار أو تتنقل هذه الكمية بحراً، ويُنقَل 93% من مجموع البيانات العالمية عبر الكابلات البحرية أيضاً. تبقى الحماية المتاحة لتلك الشبكات كلها محدودة جداً».

أصبحت النروج الآن أكبر موردة للغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي، فيما تسعى بروكسل إلى وقف اتكالها على مصادر الطاقة الروسية، وقد زادت مستوى تأهبها العسكري يوم الثلاثاء الماضي بعد تلقي وفرة من التقارير عن تحليق طائرات مسيّرة مجهولة المصدر بالقرب من منشآت الطاقة البحرية. كذلك، اعتقلت السلطات سبعة روسيين بتهمة التحكم بالطائرات المسيّرة وتصوير مناطق حساسة، وأعلنت السفارة النروجية في العاصمة الأميركية واشنطن عن تكثيف التدابير الأمنية وعمليات المراقبة في محيط منشآت الطاقة والبترول.

قال رئيس الوزراء النروجي، جوناس غار ستور، يوم الإثنين الماضي: «إنه أخطر وضع أمني نواجهه منذ عقود عدة. لا شيء يثبت أن روسيا تُوسّع نطاق حربها كي تشمل بلداناً أخرى، لكنّ تصاعد التوتر يجعلنا أكثر عرضـة للتهديدات، والعمليات الاستخبارية، والحملات المؤثرة».

في غضون ذلك، كثّف حلف الناتو وجوده الجوي والبحري في البلطيق والبحار الشمالية غداة تلك الاعتداءات، وعرضت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا المساعدة على أوسلو عبر مراقبة شبكات الطاقة في بحر الشمال. وفي بداية شهر تشرين الأول، تعهدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، باختبار شبكات الطاقة والاتصالات لرصد أي نقاط ضعف أمنية، وذكرت أن الانفجارات على طول خطوط أنابيب «نورد ستريم» (تملك شركة الطاقة الروسية الحكومية العملاقة «غازبروم» معظم الأسهم في شركتها الأم) أثبتت مدى هشاشة شبكات الطاقة في القارة الأوروبية.

لم يتفاجأ الخبراء البحريون باحتمال تعرّض خطوط الأنابيب لهجوم متعمد في بحر البلطيق، مع أن تلك المساحات المائية اعتُبِرت حديثاً «بحيرة للناتو». لكن يقول الخبراء أيضاً إن الاطلاع المتواصل على ما يحصل فوق السطح وتحته شبه مستحيل، حتى لو كانت المنطقة المستهدفة صغيرة. برأي جونز، يبقى البحر الصغير نسبياً شاسعاً جداً.

يقول جوليان بافلاك، باحث مساعِد في جامعة القوات المسلحة الاتحادية في هامبورغ، ألمانيا، إن جيوش الناتو وقواته البحرية أطلقت تحذيراً تعتبر فيه قاع البحار في أوروبا نقطة ضعف حساسة.

بعد إقدام روسيا على ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014، توسّعت نشاطات الغواصــات الروسية بدرجة كبيرة بالقرب من الكابلات البحرية في شمال الأطلسي. خلال اجتماع لوزراء دفاع دول الناتو في العام 2020، خضعت نشاطات روسيا للنقاش في ظل تصاعد المخاوف من إقدام موسكو على قطع الكابلات البحرية في المنطقة أو استغلالها. وفق تقرير طلبته لجنة فرعية في البرلمان الأوروبي حول الأمن والدفاع ونُشِرت نتائجه في شهر حزيران الماضي، تبيّن أن الكابلات البحرية تشكّل «ركيزة أساسية للاقتصاد العالمي» وتمرّ بها معظم الاتصالات العالمية، بما في ذلك صفقات مالية بقيمة 10 تريليون دولار يومياً، لكن لا تزال الإدارة الأوروبية لحماية الكابلات والحفاظ على مرونتها متأخرة، وهي تحتاج إلى التطوير.

وجد الجيش الروسي صعوبة في إحراز التقدّم في الحرب البرية التقليدية في أوكرانيا، رغم تفوّقه النسبي عددياً، لكن تتكل موسكو منذ فترة طويلة على نشاطات استخبارية واسعة النطاق، منها حملات تضليل، وتدخّلات سياسية، واغتيالات، لزعزعة أوروبا وتقسيمها.

يقول مسؤول أوروبي رفض الكشف عن هويته: «تُذكّرنا الأعمال التخريبية الكبرى في وسط بحر البلطيق وجميع النشاطات الأخرى بأننا نعيش اليوم في عالمٍ مختلف بالكامل عن الظروف التي كانت سائدة في شهر كانون الثاني الماضي».

في ظل تلاشي القدرة الروسية على خنق قطاع الطاقة في أوروبا وتخبّط القارة لتنويع إمدادات الوقود فيها، يتوقع الخبراء أن تلجأ موسكو إلى تكتيكات حربية غير متكافئة أخرى لممارسة الضغوط على الآخرين. في هذا الإطار، يقول هينينغ غلويستين، خبير طاقة في «مجموعة أوراسيا»: «لم تعد «غازبروم» وروسيا تملكان النفوذ الكافي للتسبب بأضرار اقتصادية في قطاع الغاز. يجب أن تحرزا التقدم لمتابعة إحداث الأضرار وإضعاف الأمن بدرجة معينة في أوروبا».

تملك موسكو أكثر برامج الغواصات تطوراً في العالم بعد الولايات المتحدة، ولم يتضرر أسطولها البحري عموماً بسبب الحرب في أوكرانيا، مع أن هذه الحرب نفسها أضعفت الجيش الروسي. يوضح جونز: «يملك الروس القدرات اللازمة لاستغلال كابلات نقل البيانات تحت البحر أو تعطيلها. هم يستطيعون تخريب خطوط أنابيب الطاقة وأمثالها تحت البحر».

لم تتردد روسيا في التهديد باستعمال القوة في بحار أوروبا الشمالية، لكن يظن غلويستين أن الانفجارات على طول خطوط أنابيب «نورد ستريم» وقعت في شبكات تملكها روسيا. هو يتساءل عن استعداد موسكو لتحمّل ردود قوية بعد تخريب خطوط الأنابيب في بلد أوروبي أو أحد أعضاء حلف الناتو. في شهر كانون الثاني الماضي، حذر قائد القوات المسلحة البريطانية، الأميرال توني راداكين، من اعتبار أي محاولات لتخريب الكابلات البحرية «عملاً حربياً».

يتوقع غلويستين أن يؤدي أي هجوم على خطوط الأنابيب الأوروبية إلى «تفعيل بنود المادة الخامسة، فيُعتبر الاعتداء هجوماً مباشراً ضد الاتحاد الأوروبي أو ضد أحد أعضاء الناتو مثل النروج. لكن يبقى هذا الاحتمال برأيه مستبعداً حتى الآن.