شربل داغر

الكتابة نكايةً بالحياة نفسها

7 تشرين الثاني 2022

02 : 01

تولعتُ بالكتابة منذ سنوات بعيدة. منذ احترافي الكتابة، في الصحافة بداية، ثم في إصدار الكتب.

كانت تستهويني منذ مراهقتي تلك الهالةُ التي تحيط بالكلمات، إذ كانت لي مثل هيكل، مثل وجود مادي، لما يتعالى أبعد من الهالة نفسها.

إلا أن مشاعر ومثالات مختلفة ما لبثت أن حددت ونوعت علاقتي بالكتابة، حتى إنها بلغت - خاصة في فترة عملي الصحفي- مرتبة المهنة. وهي ما يحتاج إلى مراس، وتدبر، وقواعد مهنية، ومسؤوليات، والتفكير، بل استهداف من يقع أمام أوراق الجريدة أو المجلة. أي القارئ نفسه الذي ينتظر أعداد المجلة التي بلغ توزيعها، في مطالع الثمانينات، المئة وثلاثين ألف نسخة.

كيف لا، وقد بات يستوقفني، في حي "الشورجة" البغدادي، أو في شارع طنجة العريض، من يطلب شراكة مع ما كتبتُ قبل أسبوع أو أكثر، أو من وقعَ على مقالي بعد استعادته ونشره في جريدة محلية.

هذا ما تحول كذلك إلى شاغل دراسي، بحثي، باشتراطاته وقواعده ومقتضياته...

إلا أن ما يشدني، في خريف عمري، يبقى ماثلا في الحركات التلقائية التي ألقاني اقوم بها، في السيارة أو الطائرة: أجدني اخطط كلمات فوق بنطالي، في تلك الفسحة الضيقة التي تكفيني في نزولي المتكرر عن السطر...

ذلك الولع القديم ألتقيه بشغف مختلف، بتصميم أشد، على أنني أتجه في مسارات مختلفة من دون قلق أو ارتباك.

ألتقيه من دون أن اعبأ بما يفاجئ البعض في إصداراتي الكتبية المتعددة أو المتكاثرة.

ذلك الولع القديم لا يفارقني، بل بات الخشبة المتبقية في لجج الأيام القاسية التي أعيشها مع غيري. في هذا التهاوي المرعب الذي يطيح بكل ما عملنا من أجله، بكل ما حلمنا به، بكل ما... كتبنا كذلك.

باتت الحياة رخيصة للغاية.

مهينة في ما نعيش، ونحتمل، ونكابد، ونكافح.

في هذا التهاوي الذي يجرف معه الأمل والحلم والجهد، كما لو أننا نعيش الحياة بالمقلوب: أيام الولع والتهور واللامبالاة في أول حياتنا، فيما يبقى لنا البؤس لِما كان له أن يكون "تقاعدنا" الهادئ.

يبدو أن النهايات ليست "سعيدة"، كما في الأفلام أو الروايات...

لهذا يبقى الشعر، في كتابتي، أبلغ وأحصن من ملجأ، بل هو الفضاء الذي أطير فيه، بين غصن وصخرة، بمتعة الفتى الذي ينقل خطاه بالخفة التي للرغبة.

لذلك باتت الكتابة أوسع من حياة، بل نكاية بها أحيانا.

لتحيا الكتابة! لتحيا حياة الكتابة، ولو مع شقاء الحياة نفسها!


MISS 3