ندوة موسّعة في الأونيسكو أكّدت أهمية تطبيق البنود غير المطبّقة والتمسّك بالاتفاق

السعودية تلمّ شمل "الطائف" في ذكراه الـ33... لتعيد تثبيته

02 : 01

جانب من الحضور في الندوة (فضل عيتاني)
في توقيت لا يخرج عن مسار الأحداث الكبيرة التي شهدتها الساحة الداخلية، مذ انطلاق انتفاضة 17 تشرين، مروراً بالانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والنقدي، وصولاً إلى حالة الشغور في الرئاسة الأولى، للمرة الثالثة على التوالي، مقرونة بحالة من التشكيك بشرعية حكومة تصريف الأعمال في قدرتها على وراثة صلاحيات رئاسة الجمهورية، بشكل يمهّد لموجة اعتراض سياسي قرر التيار الوطنيّ الحرّ قيادتها... قررت الممكلة السعودية الاحتفاء بالذكرى الـ33 لاتفاق الطائف، وسط مخاوف من أن تكبر كرة ثلج الأزمات التي تهدد الوضع الداخلي، لتطيح بالاتفاق وتأخذ اللبنانيين إلى طاولة حوار مستديرة تنتج تعديلات دستورية على وقع موازين القوى المحلية. ولذا يمكن اختصار الندوة التي حضرها حشد من السياسيين، باستثناء ممثلين عن الثنائي الشيعي، فيما ارتأت عائلة الحريري أن تتمثّل بشفيق الحريري، بالخلاصة التي أدلى بها السفير السعودي وليد البخاري، صاحب المبادرة، في ختام مداخلته، حين جزم قائلاً إنّ «الفرنسيين أكدوا لنا أنه ليس هناك أي نية في طرح لدعوة أو نقاش طائف أو تعديل دستور». وهذا ما يفسّر الانفجار الذاتي الذي تعرّضت له المبادرة السويسرية قبل ساعات من التئامها بمشاركة مجموعة كبيرة من القوى السياسية والشخصيات المستقلة.




في الذكرى الـ33 لإبرام اتّفاق «الطائف»، وبدعوة من السفير السعوديّ وليد البخاري، عُقِدَت في قصر «الأونيسكو» يوم السبت الماضي ندوة حول الاتفاق، في حضور رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وزير خارجيّة الجزائر الأسبق الأخضر الإبراهيمي، رئيس الجمهورية الأسبق ميشال سليمان، رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، مفتي الجمهوريّة عبد اللطيف دريان، المطران بولس مطر، المفتي أحمد قبلان، شيخ العقل الشيخ سامي أبي المنى، رئيس «الحزب التقدميّ الاشتراكيّ» وليد جنبلاط، رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، المنسّقة الخاصّة للأمم المتّحدة في لبنان يوانا فرونتسكا، ونوّاب ووزراء حاليين وسابقين، وحشد من السفراء العرب والأجانب والسياسيين والإعلاميين، وشخصيات روحيّة وقانونيّة.

البخاري

بعد كلمة افتتاحيّة، ألقاها الإعلاميّ وليد عبود، ألقى السفير البخاري كلمته حول توقيت المؤتمر والرسالة منه والمضامين الذي يحملها، قال فيها إنّ «هذا المنتدى يعكس اهتمام وحرص المملكة العربية السعودية، وهي الرسالة اليوم». ولفت إلى أنّ «قيادةَ المملكة الرشيدة تحرصُ على الحفاظ على أمن واستقرار ووحدة لبنان، والأهم في هذا التوقيت أن نُحافِظَ على الوفاق الوطنيّ الّذي هو تجسيدٌ لمرحلة مرّ بها لبنان وشعبه الشّقيق، هكذا ارتأت جامعةُ الدول العربيّة وانبثقت منها اللجنة الثلاثيّة التي حرصَت برعاية خادم الحرمين الشريفين رحمه الله الملك فهد بن عبد العزيز وبدعم وجهود الرّئيس الشهيد رفيق الحريري على نجاحها حيث تكلّلت بمخرجٍ يعكسُ الحفاظَ على أمن لبنان واستقراره».

وشدّد على «أنّنا اليوم في أمس الحاجة إلى أن نجسّد صيغة العيش المشترك في ركائزه الأساسيّة التي عالجها اتفاق الطائف، خصوصاً في تحديد محوريّة الكيان اللبنانيّ والحفاظ على هوية لبنان وعروبته».

وتابع: «لقد حرصت المملكة كما حرص المجتمع الدولي على التمسّك بمضمون اتفاقيّة الطائف من منطلق الحفاظ على صيغة العيش المشترك والبديل لن يكون إلا المزيد من الذهاب إلى المجهول لا قدّر الله. نحن نعوّلُ دائماً على حكمة القادة في لبنان وعلى تطلُّعات الشّعب اللبنانيّ الذي يسعى دائماً إلى العيش بأمن واستقرار».

وعن المبادرة الفرنسيّة لإطلاق حوار لبنانيّ مشترك وبعد زيارة للسفير البخاري إلى باريس، أجاب: «أؤكّد حرصَ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على الوفاق في لبنان، وخلال زياراتنا إلى الاليزيه للقاء مستشاري فخامته، طرحنا سؤالاً حول احتمال نية فرنسا لدعوة القادة إلى لقاءٍ وحوارٍ وطنيّ، فأكدوا لنا أنه ليس هناك أي نية في طرح لدعوة أو نقاش طائف أو تعديل دستور.

الإبراهيمي

وتحدث الإبراهيمي حول إمكان أن يكون الطائف «جوهرة لحلّ الأزمة اللبنانية»، وقال إنّ «الهدف من اجتماع الطّائف والهدف من العمل الذي أوصلنا إلى الإتّفاق والّذي تحقّق في الطائف كان يعني أوّلاً وقبل كلّ شيءٍ إنهاء الحرب. ثانياً ملء الشُّغور الّذي حلّ بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ثالثاً، فتح الطّريق أمام جميع اللبنانيين لبناء دولتهم الجديدة وكان هناك أمل كبير ألّا يتوقف عمل اللجنة الثلاثيّة بالخروج من الطائف، بل أنّها ستواكب عمل لبنان من أجل إعادة بناء الدولة وإعمار لبنان».

وختم الإبراهيمي: «ما يجب ألّا ننساه، أنّ هذه الإرادة التي كانت عند الرؤساء الثلاثة: الملك فهد بن عبد العزيز والملك الحسن الثاني والرئيس الشاذلي بن جديد، ومع الأسف أصيبت إصابة بالغة بسبب احتلال الكويت من قبل العراق والحرب التي أتت بعدها. لقد أوقفت حرب الخليج عمل اللجنة الثلاثية التي كانت تريد أن تستمرّ في مواكبة تنفيذ الطائف وهذا لم يحصل».

السنيورة

وتحدّث السنيورة داعياً إلى «تعزيز العمل من أجل استكمال تطبيق اتّفاق الطّائف وتصحيح الممارسات التي أدّت إلى هذه الأخطاء وهي ليست في صلبه ولكنها من خلال الممارسات والاجتهادات التي شهدنا منها الكثير خلال هذه الفترة».

واستشهد بأمرين:

1- الكلام الذي أطلقه البطريرك الياس حويك في مؤتمر السلام في باريس العام 1919، حيث قال: «إننا نطالب بكيان وطني وعلى أساس الوطنيّة السياسيّة لا الدينيّة، وهو ما يحدثُ للمرّة الأولى في تاريخ هذا الشرق». ولفت إلى «أنّ الدروس والعبر التي يُمكن استخلاصُها من هذه التّجربة اللبنانية القائمة على التنوع تفيدُ بأنّ لبنان كونه بلد العيش المشترك لا يقومُ ويدوم ويترقّى على أساس موازين القوى المتغيّرة بطبيعتها أي على منطق الغلبة وبحسب تغير الموازين، والظروف الداخلية أو موازين القوى الإقليميّة والدوليّة، بل يقوم على قوّة التوازن المستدام الذي يحقق الإستقرار الوطنيّ والسياسي والإقتصادي والثقافي والمعيشي».

2- «إن ما بينته الوقائع وعلى مدى سنوات طويلة أن لا حلّ طائفياً أو فئوياً لأي مشكلة طائفيّة في لبنان، بل هناك حلّ واحد ينبغي أن يكون وطنياً وللجميع، ذلك أنّ لبنان، وهو وطن الرسالة كما سمّاه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني «يقوم بالجميع أو لا يقوم، وللجميع أو لا يكون».



جنبلاط



جنبلاط

ثمّ استذكر المحطات السياسية والعسكرية التي سبقت الوصول إلى اتفاق «الطائف». وأشار إلى أنّه «في بنود الطائف المتعددة التي لم تُطبّق، ورد إنشاء مجلس الشيوخ. من أين أتت هذه الفكرة؟ ورد هذا المطلب من بين مطالب عديدة أخرى في المذكرة التي رفعتها الهيئة العليا للطائفة الدرزية إلى المسؤولين ورئيس الجمهورية آنذاك أمين الجميل في أيار 1983»، وأردف: «كانت الهيئة العليا تضمّ الأمير مجيد أرسلان، الشيخ محمد أبو شقرا والعبد الفقير وليد جنبلاط، حيث كان الجبل محتلاًّ من قبل إسرائيل ترافقها بعض الميليشيات اليمينية، وقد قررنا الوصول إلى حلّ مقبول، بسحب الميليشيات وإرسال الجيش محلّ القوات الإسرائيلية».

أضاف: «إصطدمنا مع النظام السوري الذي رفض بشكل قاطع مجلس الشيوخ، وكان سبب الرفض حينها أن السوري لم يكن يريد إعطاء دروز لبنان إمتيازاً إضافيّاً قد ينعكس على دروز جبل العرب، إنها الحساسيات التاريخية أو الهوس التاريخي للنظام السوري من تضحيات جبل العرب بدءاً من ثورة الاستقلال السوري سنة 1925، 1927 إلى الأمس القريب».

وشدّد جنبلاط على أنّه «قبل البحث في تعديل «الطائف» وحوار من هنا وهناك، يجب تطبيقه وصولاً إلى إلغاء الطائفية السياسية، التي هي كما ورد في الطائف «هدف وطنيّ أساسيّ يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطّة مرحليّة، وعلى مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين إتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهوريّة، تضمُّ بالاضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصياتٍ سياسيّة وفكريّة واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية السياسية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية». وختم: «المعركة الكبرى ليست الآن في صلاحيات الرئاسة الواضحة دستورياً وسياسياً، المشكلة في انتخاب الرئيس ولاحقاً تشكيل حكومة ذات صدقيّة تطلق الإصلاحات المطلوبة، للبدء بالانقاذ الاقتصادي والمالي. لكن لا معنى لكل هذا اليوم إذا لم ننتخب رئيسا للجمهورية».



جانب من الندوة



مطر

وأكد المطران مطر في كلمته «أننا نعرف أنّ لبنان له خصائص في عيشه المشترك والسويّ بين المسلمين والمسيحيين وهو مثال يحتذى في العالم كله. نجحنا في تركيز بلادنا تركيزاً حقيقياً. وما يؤكّد لي إمكان لبنان ووجود هذا الوجود، ما نقرأه جميعاً عن أول دستور للدولة الإسلاميّة في المدينة، حيث يقولُ النبي العربيّ: إنّ المسلمين والمؤمنين أمّة واحدة. المسلمون نعرف من هم سمّوا باسمهم، والمؤمنون كانوا أهل الكتاب. أن نكون أمّة واحدة في هذا الدستور، يعني أن نستطيع بناء لبنان الدولة الواحدة والوطن الواحد».

أضاف: «أمرٌ ثانٍ حول العروبة. نعرفُ تاريخ العرب جميعاً، العرب العاربة والعرب المستعربة. العروبة دخلت مناطقَ كلّ الشرق، ودخلت إلى حضارات تفاهمت معها اغنتها واغتنت منها. والتزمنا كلنا بهذه العروبة الحضاريّة الواسعة التي لها رسالة خاصة بالعيش الواحد بين المسلمين والمسيحيين، في كل دولة من دولنا».

وردّاً على سؤال حول موقف البطريركية المارونية الحقيقيّ من اتفاق الطائف، قال مطر إنّ «البطريرك الصفير كان في روما واتصل به الفرنسيون والإيطاليون وقالوا إن اتفاق الطائف فرصة للجميع ولعودة لبنان إلى ذاته والبطريرك اقتنع بذلك والطائف واقع. ربما نطمح نحو الأسمى ولكن نبقى في الواقع. فإذا انطلقنا من الطائف حرام على لبنان أن يضيعه وعودتنا الى الإتفاق هي فرصة حقيقية للبنان وليس لنا فرصة إلا بالمرور به».

فرونتسكا

أمميّاً، أكّدت فرونتسكا أن «المنظمة الدوليّة حريصة على دعم إتفاق الطائف التاريخي الذي يجب تطبيقه بما يضمن استقرار لبنان». ورأت أن «الطائف وضع نظاماً سياسياً جديداً يلبي طموحات اللبنانيين من خلال تبنّي الإصلاحات وتنفيذها وتأسيس الانتماء الوطني».

الجلسة الثانية

وفي الجلسة الثانية تحدّث كلّ من نائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسان حاصباني الذي رأي أنّ «دستورنا صالح وتطبيقه هو الأساس بالرغم من النوايا التي رافقت ذلك من قوى داخلية او خارجية او قوى متحكمة بالوضع في لبنان». بدوره، اعتبر النائب والوزير السابق إدمون رزق أنّ «جوهر إتفاق الطائف هو شراكة حضارية في نظام حرّ»، مشيراً إلى أن «لا إكراه في الوطنية كما في الدين». من جهته، دعا النائب والوزير السابق طلال المرعبي إلى «إنشاء مجلس شيوخ وإلغاء الطائفية السياسية»، منتقداً «العمل بالترويكا».


MISS 3