كارل روف عن ترامب: الشعبوية غير قابلة للاستمرار على المدى الطويل!

12 : 55

دير شبيغل: سيد روف، أصدرتَ كتاباً عن ويليام ماكينلي، الرئيس الخامس والعشرين للولايات المتحدة، واعتبرتَه سياسياً نجح في عصرنة الحزب الجمهوري في بداية القرن العشرين. رحّب ماكينلي بتدفق المهاجرين الجدد وحاول توحيد الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية. هل يمكن أن نقول إن ماكينلي هو نقيض دونالد ترامب؟على الناس أن يكتشفوا الجواب بأنفسهم. كان ماكينلي رجلاً عظيماً ومستقيماً، وقد كسب احترام الحزبَين الجمهوري والديمقراطي معاً وأثبت استعداده لمعارضة حزبه في ملف الهجرة، فدعم دخول الكاثوليك من إيطاليا وأوروبا الشرقية. كانت أكبر جماعة ضغط حينها معادية للكاثوليك واسمها "رابطة الحماية الأميركية". في العام 1896، أعلنت هذه الجهة أن ماكينلي هو المرشح الجمهوري الوحيد الذي تعترض عليه لتولي الرئاسة. يتعلق السبب باكتشافها وجود حراس كاثوليك في سجن "أوهايو" حين ترشّح ماكينلي لإعادة انتخابه كحاكم لهذه الولاية. طالبت "رابطة الحماية الأميركية" ماكينلي بطردهم فرفض. لذا هاجموه في انتخابات العام 1896، لكنه تغلّب على معارضتهم وفاز بالترشيح. سرعان ما ردّ عليهم حين طلب من حاخام أن يقيم صلاة الافتتاحية خلال "المؤتمر الوطني الجمهوري" في "سانت لويس". وفي اليوم الثاني، أقام واعظ أميركي من أصل أفريقي الصلاة.

لماذا فعل ذلك؟كان ماكينلي إصلاحياً، وقد اعترف بأن البلد يتغير ويتخذ منحىً حضرياً متزايداً. بدأت الولايات المتحدة تستقبل المزيد من المهاجرين. كان الوضع أشبه بفضيحة لأن الحزب الجمهوري في الشمال كان متمثلاً بالحزب الأنغلوسكسوني البروتستانتي الأبيض، ثم ظهر أول مرشّح جمهوري يحظى بدعم شخصيات من الأوساط الكاثوليكية.في كتابك عن ماكينلي، كتبتَ أن السياسة ترتكز على اكتساب أكبر قاعدة ممكنة من الناخبين. تُسمّي هذه المقاربة "لعبة الجمع". لكن في انتخابات العام 2016، خاض ترامب لعبة "الطرح". فركّز على الناخبين البيض من الطبقة العاملة ومع ذلك فاز. ما السبب؟لأنه أضاف العمال والشبان غير الجامعيين إلى التحالف الجمهوري، ففاز بولايات "بنسلفانيا" و"ميشيغان" و"ويسكونسن". كذلك، فاز بتأييد المقيمين في "كينوشا" و"ألنتاون" وضواحي "ديترويت"، علماً أنهم ديمقوراطيون ظاهرياً لكنهم عجزوا عن التصويت لصالح هيلاري كلينتون في العام 2016. اليوم، يتعلق جانب آخر من هذه المعادلة بابتعاد فئات معينة عن التحالف الديموقراطي في تلك الولايات الثلاث بسبب أداء كلينتون. حقق ترامب ما يريده حين قال الناس: "لو كنتُ عاملاً أو أنتمي إلى الطبقة العاملة وأقيم بين السواحل، لا أظن أنني سأحظى بالاحترام. تعتبرني هيلاري بائساً، كما أن الرجل الذي سبقها (أوباما) تكلّم عن تمسّكي بديني وأسلحتي".

بعدما هزم باراك أوباما ميت رومني في الانتخابات الرئاسية للعام 2012، أجمع الجمهوريون على ضرورة أن يزيد الحزب تركيزه على استمالة الناخبين غير البيض. لكن نظراً إلى نتيجة انتخابات العام 2016، هل كان هذا التحليل خاطئاً؟لا، ليس على المدى الطويل.

لماذا تُركّز حملة ترامب مجدداً على الناخبين البيض إذاً؟أنا لستُ متحدثاً باسمهم. لكنهم سيبررون مقاربتهم على الأرجح بقدرتهم على تحسين نتائجهم في أوساط اللاتينيين والأميركيين من أصل أفريقي بفضل وضع الاقتصاد الأميركي الجيد. نحن نسجّل أدنى مستويات بطالة في هذه الأوساط منذ أن بدأنا نجري الإحصاءات على أساس الانتماء العرقي في العام 1948.

عند مقارنة الوضع بين عهد ماكينلي والعصر الحالي، نلاحظ انقساماً عـمـيـقـاً فـي أنحــاء الولايات المتحدة. ما السبب برأيك؟إنه وضع مثير للاهتمام. كنا نواجه حينها موجة من الشعبوية، كتلك التي نواجهها اليوم. وقد اشتقت الموجتان من الانقسام بين المحرومين والأثرياء. ترافقت الأزمة في العقد السابع من القرن التاسع عشر ثم في فترة الثمانينات مع صراع بين المدينين والمدخرين. كان وضع من يملكون المال ويدخرونه أفضل من أصحاب القروض العقارية ومقترضي الأموال. في تلك الحقبة، مهّد الوضع لتشكيل "الحزب الشعبوي" لكنه نشأ داخل الحزب الديمقراطي. في هذا العصر، أدت الأزمة المالية في العام 2008 إلى تجدد النبض الشعبوي داخل الحزب الجمهوري أيضاً.

ما هي موهبة دونالد ترامب على وجه التحديد؟هو يجيد قراءة الناس ويبرع في قراءة الحشود. ترامب رجل استعراضي أمام جمهوره على التلفزيون أو أمام الجماهير في تجمّعاته. هو يعرف ما يجب فعله لتحفيز الجمهور. يصغي هؤلاء الأشخاص إلى كل كلمة يتفوه بها. كانت الكاتبة سالينا زيتو محقة حين قالت إن الصحافة تصدّق كلام ترامب حرفياً لكنها لا تأخذه على محمل الجد، بينما تأخذه الحشود على محمل الجد لكنها لا تصدق كلامه حرفياً.أمضيتَ حياتك كلها في صلب الحزب الجمهوري. لكن نظراً إلى جميع الفضائح المحيطة بدونالد ترامب، كيف يمكن أن يدعمه شخص يؤمن بقيم مثل العائلة والاستقامة؟أسمع هذا الكلام كثيراً. يقابلني الناس في المطارات ويقولون لي: "أراك تظهر على قناة "فوكس نيوز". أقرأ مقالاتك في "وول ستريت جورنال". يعجبني ما يقوم به ترامب. أحب القضاة (المحافظين) الذين عيّنهم. أؤيد التخفيضات الضريبية وأسلوبه الدفاعي القوي". أقول لهم: لكن ماذا عن تغريداته؟ فيجيبون: "كم أتمنى أن يتوقف عن كتابة التغريدات"! نحن نعيش في عصر الانتماءات القبلية. لو هاجمنا أوباما حين كان في سدة الرئاسة، لسارع الديموقراطيون للدفاع عنه. أما اليوم، فيُعبّر الكثيرون عن قلقهم من سنوات حكمه في البيت الأبيض. هو لم يكن ليبرالياً بما يكفي ولم يفرض ضغوطاً كافية. لكنّ الديموقراطيين لم يعبّروا عن هذه المخاوف حين كان في السلطة لأنهم لا يتقبلون أن يهاجم أحد زعيمهم بل يفضلون الدفاع عنه في جميع المواقف. الوضع مماثل مع ترامب.

هل تعتبر لغة ترامب الشعبية على تويتر وسيلة لإرضاء قاعدة مناصريه؟نعم، هي كذلك... لكنّ الفوز بالانتخابات الأميركية يتوقف على خيارات الناخبين المتأرجحين الذين ينتقلون من معسكر إلى آخر. من الواضح أن أعدادهم تراجعت اليوم. حين نتكلم عن انتخابات نيكسون وريغان، كانت خيارات ثلث الناخبين غير محسومة حتى اللحظة الأخيرة. في هذه الانتخابات، تتراوح نسبتهـم بين 8 و10%، لكـنـها ســتـكون كفـيلة بتحديد هوية الفائز والخاسر.

كــيــف سـيكــون شـــكـل الحزب الجمهوري بعد دونالد ترامب؟لقد انتشرت في الماضي أفكار ريغان، وهي فلسفة محافِظة تفاؤلية ومشرقة، ولا يزال عدد كبير من الجمهوريين اليوم ملتزماً بها. خلال العقود المقبلة، سنعرف الجواب على هذا السؤال: هل حوّل ترامب الحزب الجمهوري إلى حزب شعبوي يؤيد القومية ويتعاطف أحياناً مع النزعة اليمينية المتطرفة ويعادي المهاجرين والمسلمين؟ أم أن الناس لن يعودوا إلى النزعة المحافِظة القديمة بل سيبتكرون نزعة جديدة تتماشى مع تطورات الوضع الراهن، فتكون قريبة من فلسفة ريغان لكنها تحمل طابعاً متجدداً؟

ما هو جوابك أنت على هذا السؤال؟هذا الوضع طبيعي لأن الشعبوية غير قابلة للاستمرار على المدى الطويل. شاهدنا شعبوية الرئيس أندرو جاكسون، لكنها تلاشت بسرعة. ثم شاهدنا شعبوية ترامب اليوم، لكني لا أرى وريثاً جاهزاً من بعده. هل يُعقَل أن يكون نائب الرئيس مايك بينس؟أو ربما دونالد ترامب جونيور؟ من الواضح أنه يريد الترشح في مرحلة معينة.لننتظر ونرَ.

تحليلك للوضع القائم بين الجمهوريين لا يزال على حاله منذ سنوات: يحتاج الحزب إلى توسيع قاعدة ناخبيه إذا كان يريد فرض نفسه في بلدٍ بدأ يتحول فيه أصحاب البشرة البيضاء إلى أقلية. لكن ألا يعني ذلك أيضاً أن الجمهوريين محكومون بالفشل إذا أصروا على التمسك بمسار دونالد ترامب؟

في الحقيقة، لا أعرف. نحن لن نموت، بل سنخسر ثم نتغير. إنه جزء من نقاط قوة نظامنا المبني على حزبَين. يشكّل هذان الحزبان (الديموقراطي والجمهوري) تحالفات واسعة، وإذا بـــــدآ يخسران، لا مـفـر مـن أن يـستيقظا ويقتنعا بضرورة تغيير أدائهما.

من هو المرشح الديموقراطي الأوفر حظاً لهزم دونالد ترامب؟بحسب رأيي الشخصي، أظن أن جو بايدن سيكون أخطر الديموقراطيين إذا أصبح مرشّحاً عن حزبه. هو أخرق وغريب بعض الشيء ولا يجيد التكلم بأسلوب فصيح، لكنه يبدو ديموقراطياً طبيعياً. وبالتالي يمكنه أن يكسب بين 8 و12% من الأصوات المتأرجحة التي ستحسم نتيجة الانتخابات. يسهل أن ينظر إليه الناخبون ويقولوا: "انظروا إليه، سيكون بلدنا بخير إذا أصبح رئيساً لنا. العم جـو قـادر على أداء هذه المهمة".

هل يُعقَل أن يصوّت محافِظ معتدل مـثـلـك لـصـالـح دونـالـد تـرامـب فـي العام 2020؟نعم، طبعاً!

لماذا؟في بريطانيا، لا يحبذ بعض المحافظين ما يفعله بوريس جونسون. لكن حين ينظرون إلى اشتراكي مثل جيريمي كوربين، هم يعرفون أنه سيكون أسوأ منه. لذا ستؤيد قاعدة الناخبين الجمهوريين ترامب بكل قوة. ويستطيع عدد من الناخبين المتأرجحين في العام 2020 أن يصوتوا له، ولو على مضض، لأنهم يعتبرون إليزابيث وارن أو بيرني ساندرز خيارَين أسوأ منه، وهما كذلك فعلاً.

في هذه المقابلة، يعتبر كارل روف، نائب كبير موظفي البيت الأبيض السابق ومستشار الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الإبن، أن الحزب الجمهوري سيخسر على المدى الطويل إذا تابع التمسك بمسار دونالد ترامب!


MISS 3