مايكل هيرش

فوز الجمهوريين قد يفيد بايدن

8 تشرين الثاني 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

تجمع حاشد داعم للرئيس السابق دونالد ترامب خلال مهرجان Canyon Moon Ranch | أريزونا، 15 كانون الثاني 2022
أصبحت هذه القاعدة شبه ثابتة في السياسة الأميركية: يخسر الرئيس الأميركي في ولايته الأولى الأغلبية في الكونغرس خلال الانتخابات النصفية الأولى في معظم الحالات. لكن لا تكون هذه النزعة مدمّرة أو مسيئة للرئيس، لا سيما إذا كان يتطلع إلى إعادة انتخابه بعد سنتين.

يأمل الرئيس الأميركي جو بايدن في تحقيق هذه النتيجة حتماً، فيما يواجه احتمال خسارة الأغلبية في أحد مجلسَي الكونغرس أو المجلسين معاً في 8 تشرين الثاني. في غضون ذلك، بدأ تجدّد المواجهة مع خصمه السابق دونالد ترامب يلوح في الأفق.

يتعلق أكبر تهديد على فرص بايدن بالوضع الاقتصادي. أشرف سلفه باراك أوباما على تعافي البلد من ركود حاد، وقاده إلى مرحلة من التجدد الاقتصادي حيث يبقى مستوى التضخم محدوداً. لكن يواجه بايدن ركوداً متوقعاً في العام 2023 وما بعده على الأرجح، ويتعامل مع واحدة من أسوأ حالات التضخم منذ أربعة عقود. إذا استمرت مشكلة التضخم، قد يجعلها الحزب الجمهوري محور حملته في السنتَين المقبلتَين. تتعلق مسألة شائكة أخرى بعامل العمر. بحلول الانتخابات القادمة في العام 2024، سيبلغ بايدن 81 عاماً ويصبح أكبر رئيس يترشّح لولاية ثانية.

يترقّب الحلفاء الأوروبيون انتخابات 8 تشرين الثاني بحذر، فيما تستمر خلافاتهم حول دعم أوكرانيا. بدأت المساعدات من أوروبا إلى أوكرانيا تتلاشى، مالياً وعسكرياً، مع اقتراب الشتاء وتصاعد الحصار الروسي على الأوكرانيين. لا مفر من أن يطرح تراجع مستويات المساعدات الأوروبية مشكلة في الكونغرس الأميركي، لأن واشنطن قدّمت لأوكرانيا حوالى ضعف المساعدات العســـكرية والمالية والإنسانية مقارنةً بجميع البلــدان والمؤسسات التابعة للاتحاد الأوروبي مُجتمعـــةً. تتفوّق المساـعدات الأميركية العسكرية (أكثر من 25 مليار دولار) بأشواط على بريطانيا، ثاني أكبر جهة مانحة. أما ألمانيا، فتقتصر مساعداتها العسكرية على 1.16 مليار دولار.

في هذا السياق، تقول ليانا فيكس، خبيرة في الشؤون الأوروبية في مجلس العلاقات الخارجية: «يأمل الكثيرون في أوروبا ألا تؤثر الانتخابات النصفية على هذا الملف، لأن الحزبَين الجمهوري والديمقراطي يُجمعان على دعم أوكرانيا. لكني أظن أن هذا الأمل قد يكون ساذجاً. إذا وصل الجمهوريون إلى السلطة، لا شك في أنهم سيعيدون إحياء اتهامات ترامب حول عدم تحمّل أوروبا ما يكفي من تكاليف الدفاع الأوروبي. تبقى الولايات المتحدة لا غنى عنها في هذه الحرب، ويفضّل الأوروبيون الاتكال عليها بدل تحمّل مسؤوليات إضافية. هذا الوضع يُسهّل على الجمهوريين مجدداً التكلم عن استغلال أوروبا للأميركيين وانتقاد بايدن على أدائه في هذا المجال».

في ما يخص الصين، قد تُجبِر ضغوط الجمهوريين بايدن على إبقاء معظم الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، مع أنه يفكر بإلغاء جزءٍ منها. كذلك، قد تؤدي مطالبات الجمهوريين بأن يتخذ بايدن مقاربة أكثر صرامة تجاه بكين (منذ بدء غزو أوكرانيا على الأقل ونشوء ما يشبه التحالف بين الرئيس الصيني شي جين بينغ وروسيا) إلى زعزعة الوحدة الهشة عبر الأطلسي تجاه الصين. من المنتظر أن يهاجم الجمهوريون من مؤيدي استعمال القوة ضد الصين، من أمثال السيناتور جوش هولي، حلفاء واشنطن بسبب ازدواجية مواقفهم، لا سيما المستشار الألماني أولاف شولتس الذي يتخذ مساراً وسطياً. في شهر تشرين الأول، رحّب شولتس باستثمارات صينية بلغت نسبتها 25% في ميناء هامبورغ، وهو يزور بكين هذا الأسبوع مع وفد من رجال الأعمال.

لكن جمع بايدن رصيداً سياسياً كبيراً في أوروبا ولا شك في أنه سيجد طريقة للحفاظ على تحالفات قوية هناك. تقول صوفيا بيش، من البرنامج الأوروبي في مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي، إن الحكومات الأوروبية تراقب الانتخابات الأميركية النصفية وسط أجواء من التوتر واليأس. إذا انهارت الالتزامات الأميركية في الخارج بسبب المعارضة الجمهورية، لا سيما في مجال إمدادات الطاقة، لا يعرف الأوروبيون ما سيفعلونه حينها.

لكن رغم تلك الاعتبارات كلها وفي حال لم ينسف أي ركود كبير هذه الحسابات، قد لا تكون المعطيات السياسية التي ترافق فوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية قاتمة بالنسبة إلى بايدن بقدر ما يتوقع البعض. على غرار ما حصل في العام 2010، يتعهد أبرز المسؤولين الجمهوريين من اليمين المتطرف اليوم بتحويل الحزب مجدداً إلى معسكر يعترض على كل شيء. حتى أن الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب قد تحاول عزل بايدن انتقاماً لمحاولات عزل ترامب مرتَين. قال السيناتور تيد كروز، وهو مرشّح محتمل آخر للرئاسة، في حلقة جديدة من تدوينه الصوتي: «أظن أن احتمال حصول ذلك حقيقي، بغض النظر عن صوابيــــــة هذه الخطوة».

كذلك، من المتوقع أن يبذل الجمهوريون قصارى جهدهم للانقلاب على إنجازات بايدن بعد استرجاع صلاحياتهم. في مقابلة مع شبكة «بريت بارت»، قال النائب كيفن مكارثي (سيصبح رئيس مجلس النواب المقبل على الأرجح في العام 2023) إن النواب الجمهوريين يعطون الأولوية اقتصادياً لإلغاء «قانون خفض التضخم» الذي أقرّه بايدن. من المستبعد أن يحصد الجمهوريون أصواتاً كافية لفعل ذلك، لا سيما في مجلس الشيوخ. وردّاً على وعد مكارثي بتخفيض الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء، أعلن البيت الأبيض وعدد من خبراء الاقتصاد أن هذه الخطوة قد تزيد التضخم سوءاً.

أطلق الجمهوريون مقاربات متطرفة من هذا النوع ضد أوباما. في العام 2010، أعلن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل (قد يسترجع منصبه قريباً)، أن هدفه الأساسي لا يتعلق بسنّ القوانين، بل بمنع إعادة انتخاب أوباما. لكن أعطت تلك المقاربة نتائج عكسية ضد الجمهوريين حين حاولوا إعاقة معظم مبادرات أوباما. كذلك، حاول النائب داريل عيسى، الذي كان حينها رئيس لجنة الإشراف على الإصلاح الحكومي في مجلس النواب، أن يعزل أوباما بأي ثمن، لكنه فشل في جميع محاولاته ولم يطرح أي أدلة على فساد الرئيس، مع أنه وَعَد بذلك. هذه التجاوزات كلها كلّفت الجمهوريين الكثير في أوساط الناخبين المستقلين في انتخابات العام 2012.

من المنطقي أن تتحقق نتيجة مماثلة هذه المرة أيضاً. قد يثبت النائب الجمهوري جيم جوردن (داعم شرس لترامب من «تجمّع الحرية»، ومرشّح لرئاسة اللجنة القضائية في مجلس النواب إذا حصد الجمهوريون الأغلبية) أنه نسخة جديدة من عيسى، فيطلق وعوداً كثيرة ولا يحقق شيئاً على أرض الواقع. لكن قد يضطر مكارثي، رئيس مجلس النواب المتوقّع، لمجاراته.

تقول عالِمـة السياسة، لارا براون: «سيواجه مكارثي المشاكل أكثر من رئيس مجلس النواب السابق جون بوينر. كانت كتلة بوينر تشمل عدداً أكبر بكثير مـن الجمهوريين التقليديين». برأي تود بيلت من جامعة جورج واشنطن، تتعلق المسألة الأساسية بالجهة التي سيلومها الناس على عدم التحرك. قد يعطّل الجمهوريون عمل الحكومة بسبب مسائل الميزانية، لكن لم تصبّ هذه الجهود في مصلحتهم سابقاً. لهذا السبب، قد يبدو هذا الحزب مجدداً «المعترض على كل شيء» أو «المعسكر المُجرّد من الأفكار».

في غضون ذلك، تحمل انتخابات العام 2010 أهمية كبرى اليوم لأنها مهّدت للتطورات الصادمة خلال السنوات الست اللاحقة، فقد اتّضح حينها أن الحزب الجمهوري لم يسترجع مكانته أو هويته، أو حتى أجندته المتماسكة، بعد العام 2012. قد يفسّر هذا الوضع المعطيات التي سمحت لترامب، السياسي المبتدئ الذي لم ينتخبه الناس يوماً، بهزم 16 مرشّحاً جمهورياً مخضرماً في الانتخابات التمهيدية. قد يكون ميت رومني، الذي أصبح لاحقاً من الأصوات الجمهورية القليلة التي تعارض ترامب، آخر اسم جمهوري بارز ينافس على مرشّح الحزب للرئاسة خلال الفترة المقبلة.

استفاد ترامب في الوقت نفسه من بقايا حركة «حزب الشاي» ودَمَجها مع قاعدته الداعمة لشعار «استرجاع العظمة الأميركية»، فأثبت بذلك أن «حزب الشاي» لم يكن يهتم بحجم الحكومة بقدر ما انشغل بإعادة التوزيع العنصري، أي السياسة العرقية التي تعطي الأولوية لمشاكل أصحاب البشرة البيضاء. كان هذا الجانب أساسياً في برنامج ترامب المعادي للمهاجرين. لكنّ انكماش الأغلبية البيضاء يزيد قوة الديمقراطيين، رغم محاولات الجمهوريين اليائسة التلاعب بالدوائر وإنتاج كتل أخرى من الناخبين غير البيض.

مع اقتراب الاستحقاق المنتظر في العام 2024، قد يضطر كل من يرغب في مجابهة ترامب داخل الحزب الجمهوري لتجاوزه بطرقٍ أكثر تطرفاً مما فعل رومني سابقاً. هذا الوضع قد يصبّ في مصلحة بايدن إذا قرر الترشّح لولاية ثانية.