طوني فرنسيس

إتفاق "الطائف" بين سوق الغرب وبعبدا

8 تشرين الثاني 2022

02 : 00

لم تكن «موقعة» سوق الغرب التي حرص رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على التذكير بها في مداخلته أمام منتدى اتفاق «الطائف» في ذكراه الـ33، أكثر من دافع إضافي لضرورة البحث عن تسوية للصراعات اللبنانية الداخلية العقيمة.

كانت الطوائف والمناطق التي شغلتها معارك متواصلة منذ 14 عاماً، قد استنفدت امكاناتها وقدراتها على جبهات الانقسام التقليدية، فانصرفت إلى محاولة الإمساك بطوائفها وزواريبها. وبعد معارك القوى المنتمية إلى الوسط المسيحي جاء دور القوى المنتمية إلى الوسط الشيعي. وطوال الفترة الممتدة من الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 إلى عشية انعقاد مؤتمر «الطائف»، كانت كل المناطق قد نالت حروبها الخاصة، من الجبل إلى إقليم التفاح وبيروت، مروراً بطرابلس ووصولاً إلى «حرب الالغاء» في المناطق المسيحية.

بات التآكل الداخلي سمة الصراعات. الجبهات التقليدية كانت عصيّة على الاختراق بينما المتُاح هو محاولة أفرقاء الحرب الهيمنة على مناطق اقتطعوها بالقضاء على منافسين وحلفاء.

في تلك الأيام لم يعد أحد مقتنعاً بجدوى الاقتتال. بات إشغال محورٍ قتالي تقليدي، في ما يسمى الخط الأخضر، ببعض القذائف والطلقات، يتم غبّ الطلب بحسب الراغبين والمموّلين وأصحاب القرار الخارجي. لم يكن مهماً النظر في الخسائر والضحايا والآلام، المهم القول إن هناك أسلحة وميليشيات ولو من دون جدوى.

كانت موقعة سوق الغرب كما أسماها جنبلاط في حينه (13 آب 1989) آخر تلك المعارك واشدها ضراوة وجاءت لتثبت للمرة الأخيرة أنّ المراوحة في الاقتتال من دون أفق لم يعد مقبولاً، وهي بذلك كانت دافعاً قوياً لدعوة اللجنة العربية التي تشكلت في قمة الرباط قبل سنة، والمملكة العربية السعودية، النواب اللبنانيين إلى مؤتمر الحوار الوطني في الطائف الذي سيقر «وثيقة الوفاق الوطني» وإنهاء الحرب في لبنان.

كان يفترض أن تشكّل تلك الوثيقة اساساً متيناً لإنهاء الحرب والانخراط في عملية إعادة بناء الدولة، ضمن توازنات داخلية رسمتها سنوات الاقتتال المديدة، لكن ما حصل لاحقاً من رفض العماد ميشال عون للاتفاق والمعارك التي خاضها ضد «القوات اللبنانية»، انتهاءً باجتياح القوات السورية للقصر الجمهوري، أنهى كل تلك التوازنات المحلية وجعل النظام السوري متصرفاً ومترجماً لوثيقة وفاق وطني، بدت وكأنها وثيقة انقسام وطني.

كانت سوق الغرب قاطرةً لتسوية الطائف لكن معركة القصر الجمهوري بعد نحو عام أصابت تلك التسوية بجروح لم تشْف منها حتى اليوم.