راماشاندرا غوها

تداعيات "عبادة الزعيم" ناريندرا مودي

10 تشرين الثاني 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

مناصرو حزب بهاراتيا جاناتا الهندي خارج مكتب الحزب في لكناو | الهند، 10 آذار 2022

تزعم الهند أنها أكبر ديمقراطية في العالم، ويدّعي «حزب بهاراتيا جاناتا» الحاكم أنه أكبر تنظيم سياسي في العالم. لكن منذ أيار 2014، يخضع الحزب الحاكم والحكومة عموماً لأمنيات ونزوات فرد واحد: إنه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. تطوّرت حالة استثنائية من «عبادة الزعيم» في محيط مودي، وتتّضح مظاهرها في أوساط الدولة، وفي الحملة الدعائية للحزب الحاكم، والمقالات التي تمدحه في الصحافة، ونزعة كبار رجال الأعمال والمشاهير ونجوم الرياضة إلى الإشادة به بطريقة مبالغ فيها.



من المنطقي أن يستاء الديمقراطيون الداعمون للمساواة من مظاهر النرجسية العلنية التي يبديها مودي. لكن على غرار أنديرا غاندي في بداية السبعينات، يتمتّع مودي بشعبية لا يمكن إنكارها، ويمكن نَسبها إلى ستة أسباب:

أولاً، صَنَع مودي نفسه بنفسه وهو رجل مجتهد لأقصى حد. يقال إنه كان يبيع الشاي في السابق في إحدى محطات القطارات. يشكّك البعض بصحة هذه الادعاءات، لكن كانت عائلته محرومة حتماً على المستوى الطائفي والطبقي. هو لا يأخذ أي إجازة، بل يكرّس نفسه للعمل السياسي على مدار الساعة، ما يعني أنه يُخصّص كامل وقته خدمةً لوطنه.

ثانياً، يُعتبر مودي خطيباً لامعاً، فهو يجيد إلقاء النكات الحذقة ويبرع في الاستهزاء من خصومه. كما أنه يجيد التكلم باللغة الهندية الأكثر شيوعاً محلياً، مع أنه أكثر براعة في تكلم الكجراتية، لغته الأم.

ثالثاً، يتفوق مودي على خصمه الأساسي راهول غاندي، رئيس حزب «المؤتمر الوطني» الذي أصبح ضعيفاً جداً اليوم، من حيث الخلفية والإنجازات. لم يقم غاندي بأي عمل متقن يوماً ولم يتحمّل أي مسؤوليات إدارية. في المقابل، كان مودي رئيس وزراء ولاية «غوجارات» الكبيرة لأكثر من عشر سنوات قبل أن يستلم رئاسة حكومة البلد. كذلك، يأخذ غاندي إجازات متكررة ويبدو لا مبالياً عند إلقاء الخطابات في الأماكن العامة، وهو ينتمي إلى الجيل الخامس من سلالته. يتفوق عليه مودي إذاً في هذه المجالات كلّها.

رابعاً، يُعتبر مودي «منقذ» الهنـــدوس والهندوسية. هو يسخر من حكّام الهند السابقين، من مسلمين وبريطانيين، في مناسبات متكررة، ويتكلم عن إنقاذ البلد من «عبودية عمرها آلاف السنين» وقيادة الهند نحو نهضة وطنية وحضارية كان يُفترض أن تتحقق منذ وقت طويل.

خامساً، يتكل مودي على أدوات دعائية ضخمة تُموّلها الموارد التي يملكها حزبه وحكومته ويستعمل تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين بأفضل الطرق. مودي مُستخدم ناشط لتويتر وفيسبوك، وقد دعا حزبه إلى استعمال هذين التطبيقَين و»واتساب» لتحسين صورته. يظهر وجه مودي على جميع الملصقات، واللوحات، والإعلانات، والمواقع الإلكترونية المرتبطة بالحكومة الهندية، ما يسمح له باستعمال موارده العامة لتلميع شخصيته أكثر من أي حاكم استبدادي مُنتَخب آخر.

سادساً، يتّسم مودي بذكاء استثنائي. يمكنه أن يتكلم بقوة واضحة مثلاً عن منافع الطاقة الشمسية، أو مخاطر الحرب النووية، أو وضع الفتيات الصغيرات، أو التطورات في قطاع الذكاء الاصطناعي، ومسائل كثيرة أخرى، لكنه حذق أيضاً لدرجة أن يتلاعب بالخطاب السياسي داخل حزبه وفي البلد ككل للتفوق على الآخرين والتقليل من شأن خصومه أو منافسيه.

لم تكن المؤسسات الهندية مثالية في الماضي، فقد بدت مترددة أو خاضعة للحزب الحاكم في مناسبات كثيرة، أو حتى في معظم الأوقات. ولم تمرّ الديمقرطية الهندية بأي عصر ذهبي أيضاً. لكن منذ أيار 2014، خسرت تلك المؤسسات كلها جزءاً متزايداً من استقلاليتها، وهي تخضع راهناً لسيطرة مودي وحكومته.

لا يمكن التغاضي عن تداعيات الاستيلاء على الحزب الحاكم، والهيئة التشريعية، والصحافة، والخدمة المدنية، والسلك القضائي، وتأثيرها على ترسيخ مظاهر مشابهة من «عبادة الزعيم» في أماكن أخرى. يسهل أن تنطبق التحليلات المرتبطة بتأثير مودي على الديمقراطية في الهند على فيكتور أوربان في المجر، ورجب طيب أردوغان في تركيا، وفلاديمير بوتين في روسيا، وبدرجة معينة دونالد ترامب في الولايات المتحدة.

تبرز ميزتان إضافيتان لظاهرة «عبادة الزعيم» في هذا النوع من الأنظمة الديمقراطية جزئياً. أولاً، تميل هذه الأنظمة إلى تسويق «رأسمالية المحسوبيات»، حيث يجني عدد صغير من الصناعيين وأصحاب الامتيازات مكاسب هائلة بفضل ولائهم للزعيم وحزبه وقربهم منهما. ثانياً، تفضّل تلك الأنظمة أن تدعم الأغلبية الدينية أو العرقية. يقال إن هذه الأغلبية تمثّل جوهر الأمة الحقيقي، ويُعتبر الزعيم تجسيداً فاعلاً ومميزاً لتلك الأغلبية. من ناحية أخرى، تُعتبر الأقليات الدينية أو العرقية، مثل الأكراد في تركيا، واليهود في المجر، والمسلمين في الهند، غير وفيّة للوطن أو معادية له. تكثر الأدلة التي تثبت تعرّض الأقليات للمضايقات أو التشهير على مواقع التواصل الاجتماعي، وغالباً ما يطلق المشرّعون من الحزب الحاكم هذا النوع من الحملات. حتى أن الزعيم المطلق شخصياً قد يطبّق النهج نفسه أحياناً إذا شعر بأنه أصبح مُهدّداً سياسياً.

بين تموز 2019 وكانون الثاني 2021، قاد زعماء شعبويون وكاريزماتيون ذوو ميول استبدادية أكبر ديمقراطيات العالم وأقدمها وأغناها. رحل بوريس جونسون وترامب من السلطة الآن، لكن لا يزال مودي في منصبه. في مطلق الأحوال، يبدو مودي أخطر على مصالح بلده مما كان عليه جونسون وترامب في فترة حُكم كلّ منهما. ينجم هذا الوضع عن أسباب بنيوية وعوامل مرتبطة بسيرة كل زعيم منهم. من المعروف أن المؤسسات الديمقراطية التي تُعنى بمراقبة مظاهر استغلال السلطة من جانب السياسيين تبقى ضعيفة في الهند أكثر مما هي عليه في بريطانيا أو الولايات المتحدة. في بريطانيا مثلاً، حاولت الصحافة والبرلمان والخدمة المدنية كبح نزعات جونسون الاستبدادية. وفي الولايات المتحدة، حافظت المحاكم الدنيا على استقلاليتها، رغم محاولات ترامب استمالة المحكمة العليا، وبقيت مصلحة الضرائب ومؤسسات تنظيمية أخرى مستقلة أيضاً. كذلك، لم ترضخ أجزاء مؤثرة من الصحافة لظاهرة «عبادة» ترامب، وبقيت الجامعات معاقل للحرية والمعارضة. وحتى الشخص الذي اختاره ترامب نائباً له حرص على المصادقة على نتائج انتخابات العام 2020، بما يتماشى مع الدستور الأميركي ويتعـــارض مع رغبة رئيسه.

تُعتبر المؤسسات الديمقراطية في الهند أضعف بكثير مما هي عليه في بريطانيا أو الولايات المتحدة. وعلى المستوى الفردي، يطرح مودي تهديداً على مستقبل الديمقراطية في بلده أكثر من بوريس جونسون أو دونالد ترامب. أولاً، ينشط مودي في معترك السياسة منذ فترة أطول بكثير، ويتمتع بخبرة أوسع في التلاعب بالمؤسسات العامة خدمةً لأهدافه الشخصية. ثانياً، يبدو مودي أكثر التزاماً من جونسون وترامب بقناعاته السياسية. فيما ينشغل هذان الأخيران بغطرستهما ومجدهما الشخصي، يبدو مودي نرجسياً من جهة وإيديولوجياً من جهة أخرى. هو يمثّل الأغلبية الهندوسية بطريقة شاملة أكثر مما يجسّد ترامب فوقية أصحاب البشرة البيضاء وأكثر مما يعكس جونسون النزعة إلى كره الأجانب. ثالثاً، يتكل مودي على «منظمة التطوع الوطنية» المتطرفة التي تتمتع بقوة تنظيمية عالية وقدرات فائقة على حشد الموارد أكثر من أي منظمة يمينية أخرى في بريطانيا أو الولايات المتحدة. وإذا دام نظام مودي لفترة أطول، فقد يتذكر الناس أنه الطرف الذي استنزف التعددية وفكّك الديمقراطية في الهند.

تتعدد الأمثلة التي تثبت حجم التراجع في المعايير الديمقراطية الهندية خلال السنوات الأخيرة. في تصنيفات الحرية السياسية والمدنية في منظمة «فريدم هاوس»، كانت الهند من البلدان التي سجّلت أكبر تراجع في العقد الأخير، فانخفضت من تصنيف البلد «الحرّ» إلى البلد «الحر جزئياً» في العام 2021. ووفق مؤشر الحرية البشرية في «معهد كاتو»، تراجعت الهند من المرتبة 75 في العام 2015 إلى 119 في العام 2021. ووفق مؤشر حرية الصحافة العالمية في منظمة «مراسلون بلا حدود»، تراجعت الهند من المرتبة 140 في العام 2013 إلى 150 في العام 2022. أخيراً، تحتل الهند المرتبة 135 من أصل 146 بلداً في أحدث تقرير أصدره منتدى الاقتصاد العالمي عن الفجوة العالمية بين الجنسين في شهر تموز الماضي، وهي تأتي في المرتبة الأخيرة (146) على مستوى الصحة وفرص النجاة.

في النهاية تثبت ظاهرة «تأليه البطل الخارق» ناريندرا مودي أن المخاوف من المخاطر المطروحة على الديمقراطية الهندية كانت صائبة. تجد مزاعم الحزب الحاكم الذي يعتبر مودي منقذ الهندوس بيئة حاضنة محلياً. يصعب أن نتوقع من سكان بلد حرّ أن «يعبدوا» شخصاً حياً، لكنّ الواقع مختلف للأسف.

يقدّم لنا التاريخ دوماً بعض الدروس المهمة. تثبت تجارب زعماء مثل ستالين، وماو تسي تونغ، وهتلر، وموسوليني، وبوتين، أن ظاهرة «عبادة الزعيم» تنعكس سلباً على البلد الذي يتقبّلها في جميع الحالات. سبق وأصدر المؤرخون أحكامهم بشأن الأضرار التي أحدثتها حقبة «عبادة» أنديرا غاندي على مستوى الديمقراطية والنزعة الوطنية في الهند، وقد ينشر المؤرخون أحكاماً مماثلة يوماً عن تداعيات «عبادة» مودي وانعكاساتها على سعادة الهند وراحتها.


MISS 3